سهلت التقنية الحديثة فرصة الانتشار الواسع. فتح الكم المتاح من وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة، الباب على مصراعيه للساعين للشهرة والثراء السريع. توارت إرادة بذل الجهد المضني لتحقيق النجاح بالوسائل التقليدية المتعارف عليها بالعلم والعمل، أمام البوابة الذهبية المجانية والسهلة.
وكتحصيل حاصل، دخلت على مجتمعاتنا العربية مصطلحات جديدة ووظائف مستحدثة حققت لمريديها الهدف المنشود للشهرة وبالتالي الثراء. ولأن لكل شيء مستحدث زواياه السلبية الواجب مداواتها، يبدو أن التصدي لهذا التيار الوافد الجارف، يزداد تعقيدا مع الوقت.
ضمن إطار هذا الوصف وعلى خلفية الشهرة المكتسبة، أصبحت نجمات المنصات الاجتماعية اللواتي يتحدد معيارهن بعدد المتابعين، مؤثرات اجتماعياً ولهن دور في ترسيخ الخطوط العريضة للقيم الوافدة المتبناة هذه الأيام في مجتمعاتنا العربية. إنهن يدلين برأيهن في مختلف المسائل ويطرحن الرؤى بثقة لا متناهية، مواكبات لحراك المجتمع بإصرار على تحقيق مزيد النجاحات دون التفات لحجم الضرر الناتج على المجتمع والأجيال.
كلما زاد عدد المتابعين لصفحات «البلوغر» ومن يسمى «المؤثر» زادت كمية الدعاية وزاد بالتالي الربح وارتفعت أسهم الصفحة ومالكها وفق صيحات «الترند» العالمي. تتحول مالكة الصفحة إلى نجمة مجتمع تدلي بدلوها وتشير برأيها، راسمة الخطوط العريضة للقيم المجتمعية للأجيال القادمة.
وإذ يخْفت صوت الحكمة ويتوارى العقل، أمام هذا السيل والازدحام الذي غزا بيوتنا وتسلل إلى غرف نوم أطفالنا، لا يسعنا سوى الشعور بالغصة لضياع القيم وعجز الصفوة عن مواكبة زحمة العرض الذي يدغدغ اللذات ويقتل الاجتهاد والسعي المثمر.
الطريقة التي تتبناها وسائل التواصل الاجتماعي في تبديل قناعات الناس واتجاهات تفكيرهم وترتيب أولوياتهم، أصبح لها مفعول سحري في فعل الإرادة والتحكم بها. فما يسعى له الشباب بشكل جماعي، هو تحقيق النجاح والثروة، وهذا ما تُعول عليه المنصات المتاحة بالمجان وتُكرس سياستها واتباعها لترسيخه. إنه الطريق السهل لتحقيق الشهرة وجني الأرباح، إنه الطريق الممهد للوصول للهدف الذي يبدو ذهبياً متلألئاً عن بعد. أو هكذا رُسم!
يتحقق غسل الأدمغة بالفعل التدريجي وتسليط كم تراكمي تدريجي ومستمر من الاستراتيجية المطلوب نشرها. يأتي بعدها العزل عن القيم الفردية المتوارثة وتقليل قيمتها لتحقيق الشك في مصداقيتها وجدواها. إنها عملية تَشكُل جديد مرسومة الأبعاد بمنهجية. يمكن القول إنها العولمة التي تستهدف الفرد في صورتها الجديدة.
إذا قرأت مجموعة، ذات الكتب وتبنت ذات الأفكار وعزلت نفسها عن البقية، صار التفكير الجمعي لهذه المجموعة بالصورة النمطية نفسها. سيكون لهم أيضاً الطريقة ذاتها في القياس على الأمور والحكم عليها. حينها سيكون كل تفكير مختلف خارج هذه المجموعة وهذا النمط مرفوض ولا يمكن أن يجد أرضاً ممهدة. فإذا أُتيح لهذه المجموعة أن تتصدر البقية سنصبح عالما من السذج، عالم الآلة التي تعمل بالتحكم.
من هنا وجب البحث عن حلول مقاومة لهذا التيار. لعل منها التحجيم من دورهم كصناع محتوى لهم الحق في تصدر الواجهة ونشر القدوة والمثل. التمييز بين المحتوى الجيد الذي ينشر المعلومة المفيدة وبين نقيضه. تقنين دورهم ليكون مقصورا على الدعاية، وتقبل هذه الفكرة كون الدعاية مدفوعة الأجر لمن يقوم بها وبالتالي لا تصنع القدوة.
لسنا وحدنا من يعاني من تبعات العولمة وتدخلها في رسم تفاصيل حياتنا، فالعالم أجمعه يعاني من التدخل في شؤونه ورسم سياساته عن طريق وسائل التواصل. لكن الفعل يحتاج فعل مضاد. والفعل المضاد كلما أبكر كان له التأثير الأكثر فاعلية.
بوابة الوسط: الخميس 24 نوفمبر 2022.