.
ذهب العقيد إلى حتفه.. في لحظة يسرها الله للثوار.. بعد أمد استغرق لحظات عديدة من أوامره بالقتل والهتك والتدمير.. ولكن هل الرصاصة التي أخترقت إجراميته أتت على عقيدته؟
انتهى كما يجب أن ينتهي الطغاة.. أعداء الحق والإنسان والخير.. وبقي الشعب الليبي فالشعب ليس فردا ينتهي برصاصة أو مجموعة أفراد تبيدهم قنبلة أو سكان مدينة أو حتى مدن تدك بالصواريخ والراجمات فوق رؤوسهم، وإنما الشعب هو الوطن هو الناس هو الأهل والنسل وهو الدائم على وجه الأرض وتحت السماء إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
ذهب العقيد ولن يعود
معمر صنيع نفسه.. ظل يكذب إلى الثانية الأخيرة من الرمق يكذب قولاً وفعلاً فلم يكن أكثر من جبان ظن بنفسه القوة والنفوذ حتى أوحى لغيره بذلك وخصوصا زمرته الذين يتلقون الأوامر منه بالمزيد من القتل وسفك الدماء في حرب أرادها الى عشرين سنة قادمة أو يزيد..والقتلى من الجانبين هم ليبيون لم يلتفت إليهم القذافي يوما حتى يشعر بفداحة أن يخسر واحدا منهم .. من الليبيين المواطنين.
هو صنيع نفسه
الجبروت والطاغوت وإيمانه المطلق باناه فهو وحده من بيده حياة الليبيين وموتهم.. هو من صنع الحياة في النهر المعجزة الذي أطلق عليه النهر الصناعي العظيم !! وهو من يمنح الثروة والسلطة والسلاح على الغلابة البسطاء !! وهو من يبني ويشيد المدن طوبة طوبة !! هذه الادعاءات الكاذبة التي جعل منها النغمة المفردة في معزوفة الإعلام الرسمي الذي كان يسيطر عليه سيطرة كاملة سيطرة تتخطى الحاجز الخارجي والسطحي الى الحاجز الداخلي أي العقيدة التي لاتقبل شكا أو زعزعة بل فقط المزيد من الرسوخ والتأصيل، بصم الأذان عن النقض والتروي وجدية النظر والبحث في الفكر والقلب والعمق وتجري في الدم مثل كرياته الحمراء أو البيضاء.
هذه العقيدة التي يترجمها بعض الليبيين «احني نبوا الآمان» فكأن لا حياة لهم ولا امن ولا استقرار إلا في وجود هذا المعمر هذه العقيدة رسخها وفعلها وعمقها وجذرها في حياة الليبيين منذ أن اعتلى مكبر الصوت في ليلة الانقلاب العسكري المشؤوم في 1/9/1969 في إذاعة بنغازي الى أن نفخ زفرته الأخيرة تحت أقدام الثائرين الغاضبين الذين تسلحوا بالإيمان والوعي فانتصروا بالله.
وقد اتخذ إلى هذه الغاية شتى الوسائل والسبل بدءاً من عقول الصغار في معسكرات البراعم والأشبال والسواعد الى مناهج وإعلام الفكر الجماهيري الى الكبار في معسكرات الإعداد للمرشحين للسفر للعمل أو الدراسة في الخارج على يد تلاميذه من خريجي اللجان الثورية التي تأسست لهذا الغرض لتجذير هذه العقيدة.
ولذلك لم يلتف كل الليبيين حول ثورة 17 فبراير المباركة التي جاءت لتحريرهم من العقيد وعقيدته هؤلاء الليبيين الذين هم منا بعض أهلنا غير المستفيدين بجرام واحد من نفوذ العقيد ماليا أو سياسيا البعيدين عن دائرة ضوئه الوحيدة الشرفاء بكبريائهم وأنفتهم البسطاء الفقراء الذين زادهم القذافي وقبضته الأمنية التي يسميها (التوجيه المعنوي) جهلا وتجهيلا وغيبا وتغييباً حتى تحولوا الى أدوات طيعة في هذه القبضة تنفذ أوامره بالقتل أو التدمير أو بث الإشاعات والفتن وهي تحسب نفسها تقاتل من أجل أمنها وأمانها من أجل اسقرار البلاد واستقرارها من اجل دحر زمرة من الخونة والعملاء (فالذين كانوا في الداخل وانشقوا عنه هم من الخونة والذين كانوا في الخارج هم من العملاء) هؤلاء كان القذافي يعدهم تماما مثل الأسلحة التي كان يكسدها أو الأنفاق التي كان يحفرها تحت قصوره المحصنة لهذا اليوم يوم اكتشاف حقيقته وخطورة عقيدته وبالتالي إعلان الثورة عليه وعلى عقيدته القاتلة ولهذا كان يصر في خطبه التي كان يلقيها عن بعد فيما كان يسميها بالمظاهرات المليونية لعدة مدن ليبية مازالت تحت قبضته أن يسمي القبائل والعائلات بالاسم ويناديها بالعائلة وكأنه لا يعرفهم فقط وإنما هو الأب الذي أنجبهم وسبب حياتهم وهو الأب الذي إذا قُتل أو مات يعني موتهم. للأسف هؤلاء الليبيون، الذين يطلق عليهم الآخرون من الليبيين الذين انحازوا بما أوتوا من وعي الى الحق متمثلا في ثورة 17 فبراير «الدم الأخضر أو الطحالب أو حتى الطابور الخامس» يشكلون شريحة ظاهرة وواضحة للعيان بل إنني وصلت الى قناعة انه يكاد لا تخلو أسرة ليبية من أفراد من قريب أو بعيد ينتمون الى هؤلاء الليبيين المغيبين ولذلك فهؤلاء هم يحتاجون منا الى كل اهتمام وعناية تبدأ بالتوعية والأخذ باللين وتجنب الاشتباك معهم في معارك كلامية تبدأ وتنتهي بالشتائم وكيل التهم والإقصاء وان نسمح لهم بمسافة قريبة منا حتى يتبين لهم الخط الفاصل بين الثورة والإنقلاب بين القائد الديكتاتور بين قشرة الشعارات وجوهر المبادىء ويرون الى أي مدى نجح العقيد في ترسيخ عقيدته فيهم والضحك عليهم !!
في زمن الثورة ثورة 17 فبراير واندلاع حرب التحرير التي حادت بالثورة عن سلميتها قسم الليبيون أنفسهم تبعا لولائهم إما للقذافي أو لهذه الثورة إلى صنفين «مخطط وسادة» أي العلم الأخضر أحادي اللون أو علم الثوار ذي الثلاثة خطوط لونية بل إنني سمعت تصنيفاً آخر في اليوم الذي سبق تحرير طرابلس في 20 رمضان الموافق 20 أغسطس من قريبة جاءت لزيارتي لتحدثني عن الانتصارات التي كان الكاذب الرسمي لحكومة القذافي ينطق بها في مؤتمره الصحفي الأضحوكة قبل تحرير طرابلس بثلاثة أيام زاعماً «وضعنا في مصراتة رائع جداً جداً» لتسألني هل تحبين النعناع أم الدلاع فقلت لها ضاحكة وقد فهمت قصدها طبعاً الدلاع!!
فيا سبحان الله كيف ينقسم الليبيون إلى مؤيد ومعارض وهم سواء في نظر الطاغية الذي كان يقول لهم في مسيراته المليونية «ازحفوا حتى دون سلاح حرروا مصراتة والجبل من الخونة والعملاء» فماذا كان يهمه أن يموت الليبي أو يعيش بالصدفة! هؤلاء الليبيون حسب هذا التقسيم أو ذاك كلهم سواسية في الموت من أجله فإما يحكمهم أو يعدمهم.
ولكن ليس كل الليبيين فطنوا إلى خبث هذا المخلوق وفداحة جرائمه التي مارسها في حربه الضروس ضد من ثاروا ضده ورفضوا أن يحكمهم أو يستمر في حكمهم.. أقول لليبيين الذين ثاروا في 17 فبراير والليبيين الذين وقفوا مع ثورة 17 فبراير وكتموا السر خوفاً من بطش القذافي والليبيين الذين رفعوا صوتهم مع الثورة والذين فضح أمر وقفتهم هذه ليبيون آخرون معرضينهم للأذى والضرر.. أقول لهم بقدر ما كان لديهم من وعي وإيمان بحتمية انتصار هذه الثورة المباركة وإن طال أمدها 8 أشهر أن ينطلقوا في تعاملهم مع اخواتهم الليبيين المغيبين من مبدأ أن لا قاتل إلا معمر.
فالذين زج بهم في هذه الحرب الطاحنة ليقاتلوا الثوار كان يريد لهم القتل أيضاً ويكفي أن نعود إلى الإعلان الذي كان ينشر في الصحف المحلية البائدة لقبول مجندين في اللواء 32 المعزز وعن حجم الإغراءات التي تمنح للمتطوع من مكافأة التدريب الذي لا يزيد عن 3 أشهر وتصل إلى 900 د.ل إلى المرتب بعد التخرج ويصل إلى ألف دينار إلى باقي المنح من المسكن إلى المركوب إلى الاستقالة ولكن بعد 6أشهر من الخدمة لأنه ببساطة الداخل لهذا اللواء مفقود وكان اشبه بفم الموت الذي لا يتوقف عن المضغ والبلع!!
في نظري هذا هو مبدأ المصالحة الوطنية أن نبدأ من الأسرة والشارع ومقر العمل علينا أن نتسامح معهم وهذا حال المنتصر على عدوه وعلى ذاته وإن نصبر عليهم..
فالشمس تحجبها السحب قليلاً وقصيراً ولكن ليس طويلاً وكثيراً وسيرى الليبيون كل الليبيين نور الحقيقة التي حجبت عنهم طوال 42 عاماً من جبل التعتيم الذي لن ينهد بين عشية وضحاها ولكن في النهاية لن يصح إلا الصحيح والبائد يطيح.