الثلاثاء, 8 أبريل 2025
قراءات

وقفاتٍ مع التعليم في ليبيا

كتاب (التعليم في ليبيا) للأستاذ نورالدين الثلثي
كتاب (التعليم في ليبيا) للأستاذ نورالدين الثلثي

في الأسطر الأولى من مقدمة كتاب (التعليم في ليبيا.. قراءة في سياقه التاريخي) يحدد كاتبه الأستاذ نور الدين السيد الثلثي غاية الكتاب “النظر في نشأة منظومة التعليم الوطني الحديث في ليبيا وإنجازاتها المبكرة في مكافحة الأمية ونشر التعليم، وما أضحت عليه من تدنٍّ وعجزٍ عن تلبية الاحتياجات الوطنية“. ص9

إذن مع تعاقب صفحات الكتاب سأقف على أسباب تدني التعليم في ليبيا، وهذا الذي أقرّه الكتاب، قال به متخصصون وذوو المجال، وحتى المواطن العادي، تحدث عنه واشتكي منه، أيضاً سأقف على ما يفيدني حول نشأة منظومة التعليم في ليبيا، هذا كافٍ ليغري بالإقبال على الكتاب.

وفي ص 12 يوضح الأستاذ الثلثي أن الكتاب “يتناول التعليم في ليبيا من ثلاث زوايا نظر، تتناول زاوية النظر الأولى السياق التاريخي الذي تكون الموروث التعليمي في إطاره، ومن الزاوية الثانية عرضٌ وتقييمٌ لخطوات التأسيس والنموّ ومن ثمّ التراجع في الإدارة والجودة؛ ومن الزاوية الثالثة يستحضر الكتاب دور الثقافة ومنظومة القِــيَـم في فترة التأسيس وفي الانتكاس النوعي فيما بعد“.

ما سلف يأتي في فصول خمس، ما مجموعه عشرٌ ومئتان من الصفحات متوسطة الحجم.

مما نقف عليه بين صفحات الكتاب، أن الموروث التعليمي الذي مثل القاعدة التي انطلق منها التعليم الحديث في ليبيا (ما بعد الاستقلال) يقع في حيز زمني، امتّد عبر ثلاثة عهود، ما مجموعه حوالي خمس مائة عام العهد التركي، وعهد الاستعمار الإيطالي، ثم ما يسمى بالانتداب البريطاني.

في 14 أغسطس سنة 1551م، طرد الأسطول التركي (فرسان القديس يوحنا) من طرابلس الغرب، وبذلك بدأ تاريخ ليبيا ولاية عثمانية، وامتدّ هذا العهد حوالي ثلاثمائة وستين عاماً حتى عام 1911م. مفسحاً المجال بعد ذلك للاستعمار الإيطالي، الذي استمر حتى هزيمة دول المحور في الحرب العالمية الثانية، 1943م.

وجاء بعد ذلك استعمار أخر مختلف في المسمى، تمثل في القوات البريطانية، في برقة وطرابلس، واحتلت الولايات المتحدة منطقة الملاحة (قاعدة وِيلَس) لاحقاً، أما فزان فاحتلتها القوات الفرنسية عام 1943م. ص 97، بتصرف.

طالع: نورالدين الثلثي: التعليم عندنا أصبح بحاجة إلى عملية إصلاحية أساسية

> كيف كان التعليم في ليبيا عبر هذه القرون الخمس حتى 1951م؟

نقف وعبر صفحات الكتاب على أهم ملامح التعليم في ليبيا خلال العهود الثلاث. في صفحاتِ متفرقة من الكتاب، نقرأ معاً ما جاء بخصوص المناهج الدراسية، حال توفرها في مدارس تلك العهود الثلاث، العثمانية، والإيطالية، وفترة الانتداب، فيتضح لنا أن واضعيها ما كانوا يهتمون ولا يأخذون في اعتبارهم، خصوصية من توضع لهم، حتى إنه وصل الأمر، وخاصة ما بعد 1911م، أن اختلفت المناهج من ولاية لأخرى، توافقا مع أهداف وغايات المستعمر، غاضين البصر عن وحدة ليبيا وأنها دولة لها حدودها المعترف بها والمعروفة، إمعانا في تفتيت الوطن وتمزيقه، بين مسميات ثلاث وصفتْ كلٌ منها بالولاية، وهي ولاية طرابلس، ولاية برقة، ولاية فزان، وكان هذا ماضِياً وبهدوء وعلى نار هادئة كما يقولون، لتحقيق أغراضٍ محددة حتى ليبدو الأمر وكأنه طبيعي. ولِمَ نستغرب هذا؟ ونحن ندرك أن الأنظمة التي تحكم غيرها من الشعوب تأتي ومعها منظومة قيمها مزيحةً بهذا قيم تلك الشعوب المغلوبة على أمرها؟

في ص 145 نقرأ “أن إدارة بريطانيا وفرنسا لأقاليم ليبيا الثلاث، قد تمخض عنها إقامة ثلاث منظومات تعليمية مختلفة في أسسها وأهدافها، وذلك باختلاف مصالح كلٍّ من الدولتين المحتلتين وسياساتها في كلّ إقليم على حِدة.

في الكتاب ص 71 و72 نقرأ: ”كان في إقليم طرابلس سنة 1888م، حسب (التقرير العثماني)، مدرسة إعدادية وأخرى إعدادية عسكرية بمدينة طرابلس، ومدرسة إعدادية في الخمس يدرس بها 18 طالباً،(37) وكانت بمدينة بنغازي مدرسة ابتدائية واحدة، ومدرسة إعدادية رشدية، وفي مدينة درنة لا توجد أي مدرسة ابتدائية ولا إعدادية، لذلك فإن الأهالي يعيشون في ظلام دامس“ (83). هذا ما جاء في ص 132 وص 147 من (التقرير العثماني). وتوضيحا نقول: أن ما دونه التقرير العثماني، بأن الأهالي يعيشون في ظلام دامس، جاء بعد مرور 337 عاما على تبعية ليبيا للحكم العثماني. ويتضح من هذا كيف أن ليبيا الولاية العثمانية، وبسبب موقعها في طرف الإمبراطورية قد قَصُرَ عنها الغطاء.

الأستاذ نورالدين الثلثي
الأستاذ نورالدين الثلثي

وفي العهد الإيطالي توضح النظرة العنصرية، وضع التعليم الموجه من قبل دولة مستَعْمِرة إلى شعب مسْتعْمَر. نقرأ في ص 79و80 “مثلما كان التفوق العنصري يُطرح كمسلَّمةٍ بين العلماء، كان حاضراً في أعلى دوائر الحكم في الدولة الإيطالية؛ ويتم التعبير عنه صراحةً كأساسٍ لسياسات الدولة تجاه شعوب مستعمراتها. يُفصح مجلس الدولة العام عن عنصريته تجاه العرب بكلمات لا تحتمل اللبس في كتاب نشره سنة 1927م، جاء فيه:

“في نظر الفاشستي ذي التفكير البسيط والمنتمي للقمصان السوداء، السكوادريستا يجب أن يكون الإيطاليون في القيادة، وعلى العرب أن يتبعوهم، الايطاليون، يأمرون، وعلى العرب الطاعة من دون اعتراض. يجب أن يكون الإيطاليون في القيادة، وعلى العرب أن يتبعوهم. العصا تضمن الطاعةَ الفورية المطلقة والاحترامَ إذا ما تعذّر بالحسنى“ (58).

ومزيدا من التوضيح في هذا الاتجاه نقرأ في ص 87 و88 ”يقول أندريا فاستا مدير التعليم في طرابلس سنتي 1930 و1934م أنه قد صدرت بين سنتي 1924 و1928م قوانين أنشأت نظام تعليمٍ مستقلٍّ خاصٍ بـ (السكان المحليين) يسعى لإخضاعهم (إخضاعاً سلمياً)، وغرس الإعجاب بإيطاليا والإخلاص لها“ (79).

وفي ص 89 نقرأ ”لم يكن بالإمكان في نظر فِستا تفكيكُ وتدمير منظومات قِيم الشعوب المستعمَرة، من مسلمين أو عرب أوأمازيغ، الغارقة في قيمها التقليدية والتي تملك تاريخاً يمتدّ قروناً، بضربة واحدة من دون إثارة غضبهم، لذلك يجب العمل بتؤدة“ (84).

العمل بتؤدة الذي يشير إليه فِستا يجعل تعليم الأطفال ميدانه الطبيعي، وهم الذين قد يتيسر تشكيل أفكارهم على النحو الذي يرغبه المستعمِر ويحقق غاياته). وعن فترة الانتداب منذ 1943م وحتى نيل الاستقلال، لم يختلف الأمر فكانت المدارس تعد الطلبة ليس لقبول المسْتعمر فقط وإنما للإعجاب به والتصفيق له والإشادة به والانحياز إليه.

مساحة الفصل الرابع: الدولة ومنظومة التعليم الوطنية، في هذا الفصل، يفسح الكتاب المجال للحديث عن انطلاقة التعليم بعد حصول البلاد على استقلالها.. وكيف انطلقت بقوة محاربة الجهل والأمية، وانتشرت المدارس وبشكل اطّرد في جميع الأنحاء من البلاد لتستوعب الأعداد الكبيرة من البنين والبنات، المقبلين على العلم بشغف، (لم يثْـن الفقرُ والأمّية وضعف الموارد البشرية والمادية الدولة الوليدة عن المضي قُدَماً في إقامة مؤسساتها وبناء الإنسان).

ص 149 سيجد القارئ في الكتاب عديد الأجوبة، لعديد الأسئلة حتى تلك التي لم يستحضرها. اعتمد الكتاب في تتبعه لموضوعه المهم المراجع باللغة العربية وغيرها ما يزيد على 80 مرجعا أثبتها في أخر الكتاب، لمن أراد توسعا أو تأكدا. وقبلها أثبت ملحق جداول بيانات نمو التعليم. وحتى لا أتجاوز المعقول والمقبول في هذه الوقفات، أقف عند هذا الحد معلنا إعجابي الكبير بهذا الجهد الطيب والذي أرى أن من المفيد أن يستفاد منه، في وضع المناهج المدرسية للتعريف بتاريخ البلاد في جانب في غاية الأهمية، يجب أن يعرفه الجميع.

26/12/2022م


* كتاب التعليم في ليبيا، طبعة أولى، عن النخبة للطباعة والنشر، 1444هـ-2022م.

مقالات ذات علاقة

أجمل الشعر أقصره

ناصر سالم المقرحي

كتاب في تاريخ ليبيا المعاصر

المشرف العام

الجلوبة وعبدالرحيم بوحفحوف

حسين نصيب المالكي

اترك تعليق