تعبت | نص: زكريا العنقودي
تعبت
وكأنني أحمل خراب هذا العالم
على ظهري
تعبت
وكأنني سبب الهزيمة في غزوة أٌحد
تعبت
وكأنني من خان الخليفة
وفتح أسوار بغداد للمغول
تعبت
حدَ أنني
لم أجد حتى يديَّ
كي أضع رأسي
عليهما وأبكي.
تعبت.. فعل بسيط، لكنه يُضمر في حروفه الأربع شاعرا يجرؤ على الاعتراف.. هكذا يدخل زكريا إلى عتبة القصيدة بقدمين مرتجفتين، مثقلتين:
وكأنني أحمل خراب هذا العالم على ظهري
جملة واضحة نستطيع فهم معناها منذ القراءة الأولى، لكن هل حقا هي كذلك مجرد جملة مفهومة واضحة؟ أم أنها صورة تتغيا قول هذا التعب الذي يتآكل روح هذا الشاعر الذي قال (تعبتً)… تنفتح هوة المعنى عن (خراب هذا العالم)، فهل يستطيع شاعر – إنسان بسيط أن يرمم بعض هذا الخراب، أن يخفف وطأة الظلم، أن يمسح دمعة الثكالى، ويطبطب على قلوب الأمهات، ويمسح على رأس الأيتام؟
لكن تصيبني الدهشة، أو تربكني، ثمة اتساع وفيض حنو في الصورة الأولى، حيث شاعر بقلب نابض بالإنسانية كلها، ولكن وهو يعاود الصرخة الموجعة: تعبتُ..
ولكن مما كان التعب؟
تعبتُ
وكأنني سبب الهزيمة في غزوة أحد.
!؟ … أضع علامة تعجب وتساؤل، وأبحث في روح الذي تعب، وشعوره المبهض بثقلٍ يرزح على ظهره وكأنه (يحمل خراب هذا العالم).. ولكن هل أستطيع مصادرة البوح الذي ينثره الشاعر باحثا عن سر التعب،
تعبت
وكأنني سبب الهزيمة في غزوة أحد؟
وما أدراك ما غزوة أحد؟ وسر الهزيمة بعد النصر، بعد الغرور الذي أصاب النفوس، والركض كي نلحق بالغنيمة، فتأتي الطعنة…
من يلوم شاعرا عربيا يجأر قلبه بالتعب (كأن خراب هذا العالم …….)، فينكفئ لتاريخه:
تعبتُ
وكأنني من خان الخليفة
وفتح أبواب بغداد للمغول..
وكأن شهداء أُحد ينظرون إلى جرح بغداد الذي ظلّ نزفه يشير إلى رأس انتظرت جلادها ليأتي بفأسه، ليقطعها عن جسدٍ ميت مذ اجتاحت الخيول مكتباتها.
(تعبت) تيمة القصيدة التي يكررها الشاعر، حيث هي عتبتنا للولوج لروح القصيدة ونبش قلب الشاعر الذي رأى، والذي رأي حتما سيقول، ولكن التعب يتآكله، تئن روحه من خراب العالم، فيبحث عن سر التعب، تراه عرف السر، وتراني مجرد قارئة تحاول البحث بين الكلمات عن سر هذا التعب:
تعبت
حدّ أني
لم أجد حتى يديّ
كي أضع رأسي
عليهما وأبكي .
وبين الذي قال (تعبت).. وكأن، خراب هذا العالم (يحني ظهره وجعا)، و نصر استحال هزيمة لأنه ركض وراء الغنيمة، وبغداد استبيحت لأنه فتح أبوابها، فما الذي سيفعله هذا النحيف الذي أثقلوا كاهله بأعباء الألم وسرقوا حتى وهم الفرح..
هو (تعبٌ).. حد التلاشي، حد أن يديه خانتاه، حين أحتاج أن يضع رأسه المثقل ليبكي …
فأين المفر يا زيكو .