تتجه أنظار المهتمين بالشأن الليبي هذه المدة لمتابعة تفاصيل الأعمال التحضيرية لمؤتمر «التعاون عبر الحدود» بين ليبيا ومنطقة الساحل، الذي أعدت له مساعٍ دبلوماسية أوروبية مكثفة ليتقرر انعقاده في نوفمبر المقبل بالجارة تونس.
تأتي الجهود لعقد هذا المؤتمر في وقت يستعد فيه عبد الله باتيلي للوصول لليبيا ومباشرة أعماله على الأرض كمبعوث أممي خاص بالبلاد، وهو الأمر الذي يعطي ملمحاً قوياً بأن ملف إقليم فزان سيكون من مسارات عمل الرجل كجزئية مهمة في ملف الأزمة الليبية برمتها، بما لفزان في رُم الأزمة من بُعد إقليمي باعتباره بؤرة توتر تزدهر فيه حملات التهريب المختلفة والهجرة غير الشرعية وتنقلات الحركات الإرهابية والمارقة فيه.
عبد الله باتيلي، كدبلوماسي وسياسي أفريقي، يدرك كل ذلك جيداً بلا ريب، فهو خبير في شؤون دول الساحل، وكان دائماً مطلعاً على ملفاتها بسبب طبيعة عمله، خصوصاً عمله الأخير كدبلوماسي دولي بجمهورية أفريقيا الوسطى التي أشارت تقارير دولية، في أكثر من مناسبة، إلى أن الحرب الأهلية بتلك الجمهورية كانت تغذيها الأسلحة الليبية المهربة عبر دول الساحل. الملمح الأفريقي لوضع فزان في الأزمة الليبية سيدفع بنفسه على معطيات الأشياء عند باتيلي، والذي من المرجح أنه سينهج نهجاً مغايراً في تعاطيه المهني مع أزمة الفرقة والاحتقان في البلاد، كما يشير لذلك عدد من الدبلوماسيين بالعاصمة باريس، فاهتمامات الرجل بالشأن الأفريقي شيء بارز عبر مسيرته الوظيفية، وفى مواقفه الدولية كـ «مدافع عن حقوق أفريقيا».
مؤتمر «التعاون عبر الحدود بين ليبيا ودول الساحل» يجد أرضيته السياسية والقانونية المُفعلة دبلوماسياً منذ أغسطس العام الماضي، عبر قرار وزراء خارجية دول جوار ليبيا في الجزائر القاضي، بتفعيل الاتفاقية الرباعية بين ليبيا والسودان وتشاد والنيجر لحماية الحدود ومكافحة التهريب، وهي الفرصة التي يجد فيها الاتحاد الأوربي، المنهمك للتحضير لمؤتمر نوفمبر المقبل، لحظة سانحة لتحريك قضايا إقليم فزان كمنطقة شديدة التوتر وتتركز فيها مفاتيح هامة وأساسية لقضايا تؤرق القارة العجوز، كالهجرة غير الشرعية وتهريب البشر التي تعاني منها إيطاليا، وعدم استقرار أنظمة وحكومات بمنطقة الساحل المعتبرة منطقة نفوذ فرنسية، مما دعا بعض المراقبين لوصف إقليم فزان مجازاً بأنه بات اليوم «أحد الحدود الجديدة لأوروبا».
من البديهيات في الأزمة الليبية أن إقليم فزان قد أُهمل على مدى سنوات عمر الأزمة الليبية، الأمر الذي ألقى بظلاله على أوضاع الإقليم الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، فليس في الجنوب حالة مؤسساتية من السهل والواضح للاتحاد الأوربي أن يتعامل معها، إذ ظل الملف الأمني هو الحاضر دائماً ضمن تدابير سياسية عسكرة الحدود مع ليبيا منذ اندلاع حربنا الأهلية، وانقسام البلاد على حكومتين بالشمال. الاهتمام بفزان، وقضاياه، وشريطه الحدودي الشاسع، وكبؤرة توتر للاتحاد الأوربي يأتي ضمن استباقيات أوروبية لاحتواء أي خلافات أوروبية مستقبلية خصوصاً بين باريس- صاحبة النفوذ بالدول المجاورة لفزان والمديرة لعملية الفرقان العسكرية بتلك الدول-، وإيطاليا التي تسطو عليها الفاشية ديمقراطياً اليوم، والمهتمة بإقليم فزان من باب ملفات الهجرة اللاشرعية والثروة الطبيعية من نفط وغاز وذهب أولاً، وكإرث استعماري روماني أولاً وفاشيستي ثانياً.
خلق صيرورة حيوية تتحول فيها الحدود إلى رمزية حية للربط بين ليبيا وجيرانها، بعيداً، عن التوترات وسياسة البتر والقطع والعزلة والاستغلال وانتهاك حرمة الأراضي، لابد أنها تحديات كبرى، وسياسة طموحة، فهل ستكون ليبيا في مستوى التحديات القائمة بوضعها الحالي ومشاكل الحوكمة فيها؟! وهل سيكون الأخوة الأفارقة بالجدية المطلوبة للمساهمة في تحقيق استقرار حقيقي لليبيا بعد سنوات من شكوى حرمانهم من لعب دور لحلحة العالقات في الأزمة الليبية؟
التحديات صعبة وشائكة على الجهتين حتماً، وفزان، بالفراغ الأمني فيها، هل سيسهل على ليبيا المشطورة – شرقا وغربا – أن تفي بالتزاماتها لجيرانها؟! أم أن أوروبا ستكتفي وسط كل التعقيد الراهن بحماية مصلحتها وحدودها ونجد أنفسنا حراساً لها بمبررات مختلفة؟! الإجابة صعبة والتحديات جداً قاسية ومعقدة، فهل بإصلاح فزان سيُلجم جنوح الانقسامية الراهنة؟ ويلعب فزان دوره «الأخوي» مع شقيقيه بالشمال، كما فعل في خمسينيات القرن الماضي بحسب سرد «محطات» المرحوم محمد عثمان الصيد؟!