أمينة ورغمي | تونس
حين اعتقدت أن كل شيء قد انتهى، لاح لي من بعيد نور ساطع يخترق زجاج نافذتي الصغيرة المطل على حديقة منزلنا. كنت حينها في غرفتي الصغيرة المتواضعة فوق فراشي، أحاول فتح عيناي، وقد انعكس عليهما ذلك النور الساطع من النافذة، ذهبت مسرعة نحو النافذة قائلة:
– إنه الفجر، أجل إنه فجر يوم جديد.
لقد أشرقت شمس يوم جديد، يوم يحمل معه آمالاً جديدةً وأمنيات طال انتظارها، تحن إليها الروح ونسعى دوماً لتحقيقها.
أخذت دفتري وقلمي، ثم جلست على أريكة خلف تلك النافذة، وصرت أكتب ما أرى وما أتحسس. إنه لجو جميل، عصافير تحلق في سماء زرقاء صافية، مغردة بأعلى صوتها معلنة عن قدوم يوم جديد، يوم ليس كباقي الأيام.
توقفت لبرهة عن الكتابة، فأخذني الحنين إلى أيام ولت، ولكنها لا تزال عالقة في الوجدان، أيام فرح ومرح وسرور.
الإنسان كائن بسيط جداً، سريع التعلق بالأشياء، خاصة تلك التي تترك أثراً ما في نفسه. ومن منا لا يذكر أيام طفولته، تلك الأيام الجميلة المليئة بالفرح والسعادة، كنا حينها لا نعرف شيئا عن الحياة، سوى إننا نعيش في منزل هادئ تسكنه الطمأنينة مع والدينا اللذان يحباننا حبا لا مثيل له، وفي أعيننا بريق من الأمل، طمعاً في غد أفضل، وفي حياة يعمها السلام والطمأنينة.
ذهبت مسرعة إلى صندوق أغراضي، فأخذت دفتر الصور، إنه دفتر صغير زهري اللون كانت قد أهدتني إياه صديقتي مريم. جلست على فراشي وبدأت أقلب الصفحات المليئة بالصور الجميلة، إنها صور طفولتي، فهذه صورة قد التقطها لي والداي يوم ميلادي، وهذه كانت يوم دخولي الأول إلى المدرسة صحبة أمي وأبي. حقا إنها لأيام رائعة يصعب على المرء نسيانها.
جمعت دفتري وخرجت الى الحديقة، ثم جلست تحت شجرة وافرة الظلال، إنها شجرة التوت المفضلة لدي، فاذا بي أكتب من جديد.
اليوم أنا انسان جديد، اليوم سأبدأ من جديد وكأنني وليد اللحظة، اليوم لا أريد أي أثر لذلك الماضي، سأمضي معلنة عن بداية تحقيق حلمي، ذلك الحلم الذي لطالما كان علقا ببالي منذ الصغر، فحتى وإن كانت البداية صعبة فإن النهاية حتما ستكون جميلة. فالإنسان لم يخلق عبثاً، بل خلق ليحاول ويفشل ويتعثر ثم يقوم من جديد، اليوم سأبدأ خطوة جديدة في حياتي، خطوة يتغير كل شيء، وتمحو كل الألم العالق بداخلي. اليوم أنا انسان جديد .
توقفت عن الكتابة مستحضرة ما قاله لي جدي عن الحياة: (يا بنيتي، علينا تقبل الحياة بكل ما فيها، وأن نواجه التحديات، ونتعلم من أخطائنا، ونقدر ذواتنا، ونثق بقدراتنا، والأهم من كل ذلك أن نبدأ رحلة البحث عن ذواتنا. حينها فقط نستطيع أن نعلن عن نجاحنا في الحياة).
من منا لم يخطئ؟ ومن منا لم يتألم؟ ولكن المهم أن نتعلم العبرة، ونكسب الرهان.
نعم سأنجح! نعم سأفرح! وسأقف معلنة عن نجاحي أمام العالم، ربما ليس اليوم، ولكن يوما ما!