بقدر ما تكون هوية الجماعة مقدسة بأساطيرها التي تؤلفها عن نفسها (من قبيل العرق النقي، والدم الأزرق، والنبالة.. الخ). تبقى الأسطورة الشخصية للكاتب ـ الراوي العليم هي الخارطة الكبرى والمُؤسِسَة لشخصيته الفردية ونظرته الموهومة نرجسياً لذاته دون اعتبار لمرجع جماعته ونعني الجماعة الأثنية التارقية المعبر بضميرها إبراهيم الكوني في كتاباته. وإذ لابد أن تتقدم الأسطورة المؤسسة لأيقونة اللثام خطوة إلى الأمام لتغدو هوية جماعة. فإن الكاتب المتخوم بأساطيره الشخصية يصطنعها ليدفع بها نحو أسطورة جماعة أوسع سأل الكابتن الإيطالي بورديللو: “عن سرّ تحمل الجمل للعطش شهوراً كاملة (…)، وأستفسر عن أسلوب البدو ـ في إشارة إلى آجار” في تقمص روح حيواناتهم والتطبع بطباعهم” كانت إجابة الشيوخ والحكماء واحدة: “ذلك سرٌّ لا يعلمه إلا الله: يُبذر في البدوي روح الجمل، ويزرع في قلب الفلاّح نواة النخلة، ويدّس غموض الصحراء وراء أقنعة الملثمين!” (…) “ولكن الجواب لم يقنع بورديللو فلعن الأهالي وأتهمهم باللجوء إلى اساليب الصوفيين والدراويش في الإجابة وهو كرجل عقلاني يريد الاجابات المادية الواضحة المحددة” المجوس ص 152
في المقتطف نلحظ حلوليتين: غنوصية، صوفية يتكلمها الراوي العليم بتفسير الشيوخ والحكماء ومستندها فيما ألمحنا إليه في “لثام الكبرياء” 1 ـ آليّة التعيين الإثنيّ التي تتوخى لغرض انتقائي عنصري: اختصار البدوي (التباوي) في طبيعة جمله، والفلاح (الفزاني) في بذرة نخلته، و (التارقي) في غموض سر لثامه .2 ـ حلولية هيومانية مصمتة تتجاوز ترجمة نفسها من ثنائية الإنسان/الطبيعة إلى محورية يصبح الإنسان فيها موضع الحلول والكمون، وتجسيداً للمبدأ الواحدي. وهي الحلولية المعبر عنها بلسان الكابتن الإيطالي بورديللو ناطقاً بلسان هيومانية الاستعمار الغربي حسب إمبريالية القرنين الـ 19 والـ 20.
الكاتب إبراهيم الكوني يتعمد خلط أنتربولوجيته العنصرية بل الشوفينية، بالطوباوية الميتافيزيقية المتوهمة. وهو ما تجليه واضحاً راوية المجوس، إذا قاربناها ـ حسب بيير غيرو ـ بالتجربة الاجتماعية التي تتخذ عبر العلامات مظهرا مزدوجا: منطقيا ووجدانيا. فالعلامات التي تشير إلى موقع الفرد أو الجماعة داخل التراتبية المجتمعية وكيفية تنظيمها، تنتمي إلى المنطق، أما العلامات التي تعبر عن العواطف والمشاعر التي يحس بها الفرد أو الجماعة، نحو الأفراد الآخرين أو الجماعات الأخرى فتتصل بالوجدان. هذا التقسيم عقل/ وجدان يدفعنا إلى أن نذهب في تحليلنا المضطرد لموضوعة اللثام في قصص وروايات الكوني بما حدّده التحليل النفسي في بعض مراحله للتبادل المخيالي بين الذوات باعتباره بنية قائمة على ثلاثة عناصر: 1 ـ أرى الآخر،2 ـ أراه يراني،3 ـ إنه يعرف أنني أراه.
علامياً تفيدنا شواهد نقتطف منها واحدا: “يروق للمعممين أن يميلوا برؤوسهم المتوجة إلى أقرانهم المعممين ليهمسوا بتعليق ملّح، ولكنهم يترفعون عن محادثة الحاسرين ويعاملونهم بالكبرياء، والاستصغار. أما بينهم فتسود لغة الصمت” ص 321.
في شواهد أخرى كثيرة من الراوية تقتضينا محدودية المتاح للمقالة في مساحة النشر عدم إيرادها يمكننا تمرير الرؤية عبر اللثام في أبعادها الإيمائية الثلاثة بمعاملة القناع التارقي بعناصره العمامة ( الزمالة)،واللثام كـ mimic إيمائي يٌمرّر عبر ميميزيس الزي الذي يسهم مظهره الأيقوني اللباسي في تهجير أو بالأحرى ترحيل غيرية الذات الملثمة ،والوقوف عند ملمح من ملامحها لا يقل أهمية عن المظهر الفيزيونيمي الذي يرتكز على بلاغة التشيء المتجسدة في سلسلة من التشبيهات والاستعارات التي تخترق نص رواية المجوس وتربك نسيجه