قصة

عاد إليها

من أعمال التشكيلية الأردنية مها الذويب
من أعمال التشكيلية الأردنية مها الذويب

باب الذاكرة

عاد العجوز إلى بلدته بذاكرة مهجورة، بعد ترحال ٍوتجوالٍ عاد، عاد بسوط من صوت الرغائب، عاد إلى مدينته بعد طي السنين ” مهزوماً مكسور الوجدان”، اجتاحه احساس بالإحباط، دخل الزقاق العتيق، ازداد احساسه الغريب، تاريخٌ مُزوّر منذ عقود طويلة، حكومات وهمية لا تضيف شيئاً يُحفز العقل ويجدد الذهن.. الزمن يهرب إلى ماضٍ تولى.. قابلتهُ في الزقاق الذي نشأ فيه، صبيةٌ شعرها أسود يجلل جبينها الوردي، تبيع الياسمين في خفةٍ ورشاقةٍ، أنيسةٌ عند الناس، من بين كل الناس تقدمت إليه برفق، اكتسى الزقاق بثوب الفرح، كان بحاجة إلى علامةٍ من معالم مدينتهِ ـ تقدمت اليه، بصّرت فيه، أتتها حيرة أشواق عشاق، أهدته باقة ياسمين، قذفت الذكريات في رأسه قناديل ليالي الميلود عاشها في صباه، صبية من الزمن المسافر في الخيال كانت تضع يدها في يده، تطوف معه الأزقة، تشم معه بخور الزوايا، التفتَ حوله، اختفت زهرة  الياسمين، اختفت، اختفتْ الصبية في رمشةُ عينٍ، اختفت في زمنٍ يسافر مستجمع الرحيل عبر أيامه المورقات، زمن زاده الخيال ومزمار يئن من الظمأ بهجة نغمٍ ، اشتم الباقة بعمقٍ، تنهد بعمقٍ، شمّمها في لهفةٍ، يسمع بوح وقع خطوٍ يعطر طين الزقاق.. تناثرت بعض أوراق الياسمين، سقطت على الأرض، كسرت قلبه الدهشة عندما اجتمعت ورقات الياسمين ونقشت على الطين: ” لهذي المدينة رائحة الورد، وعندما يشتد الظلام، نجمةٌ تضيء في هدأة الليل”، لامس ضوء النجمة الطين المعطر، ثمّ حدث أن نقش برسم حروف الطلاسم: ” ويُطرفُ طرفي، إنْ هَمَمْتَ بنظرةٍ “… أضاءت النجمة أفافها وهمست في أذن الراحل وعندها من أسراره خبر: لقد وعدتها يوماً بعقد ياقوت ومرجان والوعد عقد.


باب العقد

قال سأذهب إلى البحر وفاءً لعهدٍ، سأطلب منهُ راجياً عقد مرجانٍ وياقوت، استجاب البحر على طيبٍ خاطرٍ، قفل عائداً للزقاق والعقد بين يديه، رأى الصبية في الزقاق تبيع الياسمين من دون تعبٍ أو ملال، تقدم منها، ابتسمت له، مرّر كفه بلطفٍ على رأسها باسماً، مدّ لها العقد، فرحت، زينت به رقبتها الندية، مدت له كلّ طبق الياسمين، وطفقت تسارع الخطى، طفقت تعدو إلى بيتها، تابعها بنظراتٍ من شرفاتٍ موشاة بحنين اساطير العجائز النيرات، تعدو، تزهو كفراشة برية تجوب جناين المدينة ذات الغصون الوارفات، الياسمين صار يصغي، صار يصغي بشغفٍ إلى حديث قلبه، حديث أحسّ فيه” حنين ودعاء”، تمالك الياسمين الصمت والعِبقُ يفوح من مقلتيه، خطى العجوز خطواتٍ في هالةٍ من النغم نحو ” سوق الظلام” ثم لزقاق السواني المطلة على البحر، أبصر النجمة تضيء شاطئ القز محرور الموج، ثمّ أصغى أكثر إلى كلمات القلب الْفَرِح، أصغى تحت كؤوس الدجى: ” هذه ليلتي وحلم حياتي بين ماضٍ من الزمان وآتٍ”.

مقالات ذات علاقة

امتحان مادة التعبير

إبراهيم حميدان

ابنة النور

المشرف العام

بلا عنوان

جميلة الميهوب

اترك تعليق