المقالة

كيف يمكن للأفلام أن تغير شخصيتك؟

أبرار محمود صالح 

مما لا شكّ فيهِ أنّ الأفلام تثير مشاعرنا، وتستنفد طاقاتنا وتستهلك أموالنا، وهي الوسيلة الأمثل للقضاءِ على الوقت والملل، بل قتلهِ تمامًا، لكن كيف لها أن تشرف على بناء شخصيّتك، والتّحكم في أفكارك ومُعتقداتك، واحتلال عقلك، والسيطرة عليه بالكامل!

هذا ما ستتعرف عليه عزيزي القارئ من خلال هذه المقالة.

إنّ للفن حيّز كبير واهتمام أكبر في عالمنا هذا، وهو من الطّرق الفعّالة، بل الأكثر فعالية في إيصال الرّسائل، ومشاركة الأفكار، وإثارة الجدل، وكسب الجمهور وثقتهم، وإنّ للأفلامِ حصة الأسد من هذا الفنّ، فهي تتمثّل في عدّة جوانب منه، كالكتابة، والتّمثيل، والتعليق الصّوتي، والتسويق، والإعلام، وغيرها من المهاراتِ التي هي جزءٌ لا يتجزأ من الفنّ، لذلك لا نستغرب من تسليط الأضواء عليها، ولا من الضّجة الكبيرة التي تُحدثها، ولا مُشكلةً أبدًا إن وصفتها بعالمٍ آخر، لأنها فعليًا كذلك.

لكُلّ شيءٍ جانبين، إحداهما مُشرق والآخر مُظلم، وليس من العدل أن يكون لتأثير الأفلامِ على شخصياتنا جانبٌ ووجه واحد، ولنحقق العدالة، قد قمنا بكتابة أهم التأثيرات السلبية والايجابية أيضًا، وفيم يتمثّلا، وكيفية تفادي السّلبية منها، والتّعرف على الايجابية منها واستغلالها بشكلٍ دائم.

التأثير الايجابيّ:

ويتمثّل في:

التّحفيز وخلق دافع للاستمرار: الأفلام كما وصفتها أعلاه عالمٌ آخر، أو لنقل إنها نظّارةٌ فعّالة، تجعلنا نرى العالم بشكلٍ ومنظورٍ مُختلف؛ فبعض الأفلام الهدف الأساسي من عرضها هو تحفيز المشاهد، وإعطائه دُفعةً إيجابية تجعله يُقاوم هذه الحياة بصعابها، كما أنّها تتناول عدّة مواضيع تحدث لمعظم الأشخاص، لتخلق رابطًا بينها وبين المُشاهد، كأنها تحادثه قائلة: ” كُلّ ما بداخلك معروض على الشّاشة، فقط عليك المُشاهدة “

الأفلام تُلهم الأفراد: من المعلومِ أنّ لكل فردٍ منّا حُلم سامي، وطموحٌ يسعى جاهدًا لتحقيقهِ، وهذا ما يسمى بالوتر الحسّاس، والأفلام هُنا تلعبه بمهارةٍ شديدة، حيث أنّ مُعظمها يعرض قصصًا لأشخاصٍ فشلوا في البداية، ومن ثمّ كانت النّهاية زاخرة بالإنجازات، ونرى هُنا أنّ الرّسالة كانت “الفشل، هو الخطوة الأولى للنجاح” وهي رسالة واضحة جدًا، ترفع مستوى الدّوبامين بالتّأكيد، ناهيك عن الأفلام التّي يكون محورها الأساسي مهنة ما، كالطّب، الهندسة، البرمجة، التكنولوجيا، وغيرها..

 هذه الأفلام لا تعرض خلفيةً عن المهن فقط، بل تُلهم الأفراد وتبثّ الطمأنينة في نفوسهم، “انطلقواْ إنه ملعبكم”

الأفلام آلةٌ زمنية تتنقل عبر التاريخ: الأفلام صالحة لكلّ زمانٍ ومكان، وبالتّأكيد بعد التّطور والمؤثّرات السينمائية، لن تشعر بالملل بتاتًا، أثناء مشاهدتك لفلم حتى ولو كانت قصته عن أحداثٍ قد وقعت قبل ثمانية قرون في الأفلام، آلةٌ زمنيةٍ تتنقّل عبر التّاريخ تجاوبك عن كلّ أسئلتك، من أين نحن وإلى أين نعود وأصلنا وأجدادنا، ليس ذلك فحسب، بل إنّها تساهم وبشكلٍ كبيرٍ في بقاء التّاريخ وسُموِّه وتناقله بين الأجيال دون أن يندثر.

الأفلام تسهم في إثراء الثقافة: نادرًا ما نرى في عصرنا هذا فيلمًا بقى بلغتهِ الأم ولم يُترجم لعدّة لغات ويُدبلج؛ فتساعدنا الأفلام هُنا في نشر الثقافة بين البُلدان، وخاصةً من ناحية اللغة، فأوّل ما يتبادى  للهواة الذين يرغبون بتعلّم لغةٍ جديدة هو الأفلام، وأوّل ما ينصح بهِ المحترفون أيضًا، كذلك نرى أنّ الأفلام تُعرّفنا على بعض البلدان حتى من قبل زيارتها، فترينا كيف يكون شكل الهندسة العمرانية  لمبانيها، وكيف تكون عاداتهم وتقاليدهم  وماهي أكلاتهم الشّهيرة، حتّى أساطيرهم القديمة، نطّلع عليها، ويُعتبر ذلك نوعًا من تناقل الثقافات، بالإضافة إلى البرامج الوثائقية، التي تعرض لنا مشاهدًا وبحوثًا مفصّلة عن شتّى المواضيع.

الأفلام تُساعدنا على التّحسّن: “إنّ الحياة قد تبدو صعبةً، لكن مع أكثر من صنفٍ من المأكولات وفيلمٍ كوميديّ قد تكون في وهلةٍ واحدة أسعد إنسان”

أتّفق مع هذه الجمل كثيرًا، إنّ أفلام اليوم تُساعدك جدًا على التّغلب على جميع آلامك، بل نسيانها أيضًا، ليس اليوم فقط، منذ الأزل!

صحيحٌ أنّه لا وجود للأفلام في العصر القديم، لكن هناك مسارح ومسرحيّات كوميدية؛ كانوا أجدادنا يُمثّلون فيها بطريقةٍ تجعلك تتحسّن لا محالة، خصوصًا لو كنت مصابًا باكتئابٍ حاد، بعض الأفلام تخفف من معاناتك، إذ أنها تعرض لك مشكلتك وحلّها خلال قصةٍ تُمثّلك، فبدلًا من التّخبط وحيدًا، اجلب فيلمًا يكون أنيسك!

عُذرًا عزيزي الاكتئاب، الأفلام أقوى منك.

ولا يقتصر التأثير الإيجابيّ على هذه العناصر فحسب، بل إنّ الأفلام كانت سببًا أيضًا في ازدهار الحضارة والاقتصاد، وارتقاء المجتمع الذي ينتجها، كما أنّها أكسبت كثيرًا من الممثلين شهرَة وثروة بعدما كانوا بالفقر المُدقع.

لذلك، علينا مشاهدة الأفلام التي تتناول مواضيعًا تُلهمنا، وتساعدنا على التّحسن، وعلى إثراء ثقافتنا وبقاء تاريخنا، ومن أمثلة هذه الأفلام ما يلي: منها حاز على أوسكار، ومنها حاز على قلوب الملايين!

1- فيلم Peaceful Warrior

2- فيلم My Life as a Zucchini

3- فيلم أمريكي في باريس

4- فيلم كازابلانكا

وغيرها من الأفلام ذات التأثير المعنوي والمادّي، التي قد تريك الحياة بشكلٍ آخر.

التأثير السلبيّ:

ويتمثّل في:

العنف: إنّ كثيرًا من الأفلام اليوم تعرض مشاهدًا عدوانية وتحرّض على العنف، غير آبهةٍ أبدًا بالتأثير الذي قد يطرأ على المُشاهد نفسيًا، وحتى سلوكيًا؛ فإنّ كثيرًا من المشاهدين يشرعون في تقليد كُلّ ما شاهدوه أثناء الفيلم في حياتهِم اليومية، وعلى الأفراد من بني جنسهِم، غير مكترثين بأنّ كلّ ما رسخ في أذهانهم من مشاهدَ ومقاطع محض تمثيل.

والأطفال هنُا أكثر عرضة للتأثر من الشباب، حيث أنّ الأطفال هم الفئة الأكثر قضاءً للوقتِ على التّلفاز، فلو فرضنا أنّ كلّ طفل يُشاهدِ فيلمًا واحدًا كُلّ يومٍ، وكُلّ فيلمٍ يحتوي على مشاهدٍ عنيفةٍ، فإن ذلك يُساهم في تبلّد مشاعرهم وجعل العنف ظاهرة من الظواهر العادية، وحدث بسيط لا يُعاقب عليه، ونزع الرّهبة والخوف من ممارسة هذا العنف على الآخرين.

_اللامبالاة: أثبتت إحدى الدّراسات الأمريكية أنّ مشاهدة مقاطع القتل والتّعذيب والحرب باستمرار تُبلّد مشاعر المُشاهد وتُفقده ثقته بالآخرين؛ بحيث تجعله أكثر انطوائية، فتسيطر حالة من الكآبة عليهِ، تجعلهُ قد يتجرّأ على فعل مثل هذه الأفعال، وعند وقوعهِ على سبيل المثال في حدثٍ مشابهٍ لها، لا يتّخذ موقفًا صارمًا، بل لا يُحرّك ساكنا البتة، وكلّ ذلك إثر المشاهدة المُتكررة، لأفلامٍ تَعرض مثل هذه المشاهد.

الغرق في الخيال ونسيان الواقع وإنكاره: إنّ التّجرد من الواقع والغرق في العوالم الخيالية المُنافية لعالمنا الحقيقي وحده أمرٌ سلبيّ خطر، على حياة الفرد أو في حالة المُجتمع، وخصوصًا لدى المراهقين والمراهقات.

ومثال على ذلك الأفلام الرّومانسية، التي تُجسّد الحبّ والعلاقات في أبهى صورة، وتسهم في زيادة التّهور والإقدام على قراراتٍ قد يندم عليها المرء ندمًا شديدًا، كالزّواج، أو علاقةٌ تُدفّعه ثمنًا باهظًا وعُمرًا من حياته، وكلّ ذلك عقب مشاهدة الأفلام التّي تضع الحبّ في قمّة الأولويات، فيشعر سائر المشاهدين بالفشل الذّريع لمجرّد أنهم لم يتحصلوا عليه، أو فشلوا في إيجاده، ناهيك عن الاضطرابات المترتبة بعد الخيانة والغدر اللذان لا وجود لهما في الأفلام.

تجسيد صورة مروّعة عن أي شيءٍ تريدُ جهة معينة تشويه سمعتهِ: الأفلام وسيلة مُجدية للإعلان عن أي شيءٍ كان، وخصيصي لو كان الفيلم يحمل رسالةً قوية تدبّ في أوصال كلّ من يشاهده، فما بالك عن فيلمٌ غرضه تشويه سمعةِ جهةٍ معيّنة، كبعض الأفلام الأجنبية، التي تنقل صورًا أقل ما يقال عنها مروعة، عن بعض بلدان العرب وما يحدث فيها من حروبٍ ودمار، فترسخ صورة واضحة لا تتغير والتي تنطق بأنّ هذه الأماكن لا تصلح إلا للحرب، لا للسياحة أو للعمل أو حتى للسكن.

والتخلي عن شخصية المرء الحقيقية وتقمّص شخصية في الفيلم: كُلّنا نُعجب بشخصيات الأبطالِ في أي فيلمٍ، لكنّ الكثير منا يُحاول قدر الإمكان بعد انتهائه من الفيلم تقمّصها،

لدرجة قد تصل إلى الهوس، والصّدمة الشديدة في حال عدم التّمكن من ذلك، فبالتّالي، التّخلي عن الشخصية الحقيقة كُليا أمر وارد جدًا بل محسوم، ومما لا شكّ فيه إن لهذا الفعل تأثير قوي في حياة الشّخص وفي مجتمعه، ويعود عليه بالفساد.

الإدمان والانحراف: بالطّبع لن تكون كُلّ الأفلامِ تحمل شخصياتِ أبطالٍ مثاليين، ولو كانت كذلك، فسيخلق هذا نوعًا من الملل؛ لذلك نرى أنّ بعض الأفلامِ  يكون دور البطولة فيها مُكونًا من مجموعة مُجرمين، أو عصابةٍ تُمارس آفاتٍ ونشاطاتٍ في قمّة الانحراف، كالسّرقة، والمقامرة وتعاطي المخدّراتِ، ولا ينتهي هذا الفيلم بمعاقبتهم، على العكس، ينتهي بانتصارهم وتبجيلهم عن غيرهم من الأخيار، فلا يوحي هذا إلا بأنّ كلّ هذه الأفعال مُباحة، وأنّ ممارستها إحدى الشروط التي يجب تنفيذها قبل أن تكون رائعًا، كبطل الفيلم طبْعا.

فهذا النّوع من الأفلام، يُساهم بشكلٍ كبير في الانحراف، والادمان، فلو جئنا للأمر الواقع، نرى أنّ الأفلام إحدى وسائل الترفيه قاتلة الملل، وهي طريقٌ سهل يجرف المُشاهد للإدمان، الإدمان الذي قد يترتب عليه اهمال جميع جوانب الحياة، والعيش فقط في الأفلام.

هذه بعض من عناصر التأثير السلبي الكثيرة، التي يجب أن نتفاداها بكلّ الطرق الممكنة، والتي تتمثل في ألا نشاهد الأفلام مدة طويلة ومرّات عديدة كي لا نقع في المحظور “كل شيء زاد عن حدّهِ انقلب ضدّه” كما يجب علينا مراقبة أطفالنا وأسرنا، لأن الأفلام سلاح فتّاك، إن لم تعرف كيفية استخدامه، سيسبب لك الضرر البليغ.

وأخيرًا وليس آخرًا تذكر:

| شخصيتك، تحت حُكم الأفلام!

| أنتَ لست أنت، تحت ضغط الأفلام.

مقالات ذات علاقة

«بالتي هي أحسن»

فاطمة غندور

ابتسمْ .. أنتَ في طرابلس!

جمعة بوكليب

فتشوا عن هويتكم

نجيب الحصادي

اترك تعليق