الطيوب | استطلاع/ مبدعون خارج المشهد!!!
مع ارتفاع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، كثيرا ما تستوقفنا بعض الأخبار التي تتحدث عن تميز كاتب ما، أو أن تتحدث عن إصدار إبداعي جديد، وتجد نفسك تحاول عن البحث عمن يكون صاحبه، لأنه ببساطة؛ مبدع من خارج المشهد!!!
في هذا الاستطلاع نحاول أن نستقرئ لمجموعة من آراء المبدعين والمهتمين بالشأن الثقافي الليبي، في محاولة لتفسير المشهد، من خلال استكشاف العلاقة بين المبدعين وبين المبدع والمناخ الثقافي العام.
غياب اتحاد الكتاب هو السبب
البداية كانت مع الأستاذ إسماعيل البوعيسي، الصحفي والناشر، صاحب الإشارة التي اوجدت هذا الاستطلاع:
دائما أحييك على ما تبذله من جهد ونشاط ومثابرة على متابعة ورصد المشهد الثقافي في بلادنا.
شخصياً أزعم أنني من المهتمين بالحركة الأدبية والثقافية على وجه العموم، وتدليلاً على ما تفضلت به حول ظهور بعض الأسماء فجأة دون معرفة بدايتها في كل أجناس الأدب قصة ورواية وشعرا. كنا فيما سبق نتابع أسماء تهتم بها الصفحات الأدبية في الصحف المحلية والمجلات التي تخصص جانبا للأقلام الجديدة ومتابعتها وتوجيهها، منذ عقدين كانت مجلة (مجلة لا) وبابها إشراقات الذي يتولى الإشراف عليه الراحل سليمان كشلاف، كما كانت قبلها ولسنوات صحيفة (الأسبوع الثقافي) في بابها (الضوء الاخضر)، ومن خلاله برزت أسماء في الشعر والقصة والنقد، لا أريد ذكر أسماء فقد أسهو عن ذكر البعض. في التسعينيات كانت صحيفة (الجماهيرية) بملحقها الثقافي وبابها الأسبوعي الذي تولى الإشراف عليه الشاعر الكبير مفتاح العماري.
عند ظهور الفيس بوك توالى ظهور الأسماء التي لم تأخد فرصتها في النشر الورقي، ربما لترددها أو لعدم وسيلة ايصال ما يكتبون.. إلى هنا والمتابعة والرصد جيد كصحافة أدبية وإعلام.
لكن منذ عقدين ظهرت اسماء عبر وسائل التواصل وانتشرت وصار لها حضورها ومشاركتها في الامسيات الثقافية. الغريب في هذا الامر -وهذا ما فاجأني شخصيا- أن تطالعني روايات لكتاب ليبين غير معروفين في الداخل (على الأقل بالنسبة لي) ولهم صداهم في خارج الوطن، وأنا المحسوب على هذا الوسط. وآخرهم رواية للكاتب الدكتور خليفة العتيري (وغدا تشرق اضوائي)، حيث لم أتشرف بمعرفته ولا بقراءة اي عمل له حتى اتصلت بك أخي رامز وانت المهتم والراصد لمشهدنا الادبي والثقافي، وسالتك عن الدكتور خليفة، لأجدك أنت قد تشابهت عليك الأسماء لتفاجئني بعد لحظات بإنتاج الدكتور خليفة العتيري، والبالغة عدد 6 روايات ومجموعتين قصصيتين.. يا للمفاجأة ..!!!
هذه مسؤولية مشتركة بينه وبين المؤسسات الإعلامية، فلم نسمع بحفل توقيع رواية أو مجموعة قصصية في أمسية أو غيرها. من الاهمية لاي كاتب الانضواء تحت أي جسم يرعى إنتاجه ويحفظه ويدافع عنه رابط.. اتحاد.. جمعية.. الخ.
كان آخرها رواية الكاتب الشاب محمد النعاس، وهو اسم مغمور لم أقرأ له شيئا على صفحات المجلات أو المواقع الأدبية في السابق.
غياب اتحاد الكتاب سبب من أسباب إهمال متابعة مثل هؤلاء وإبراز إنتاجهم.
الكاتب يحتاج الإحساس بوجوده
الكاتب الصحفي عبدالسلام الفقهي، شاركنا أيضا برأيه، فقال في بداية مشاركته:
الطبيعة البشرية عموما مجبولة بالتأثر، بواسطة المحيط وبالدعاية التي تنتجها أذواق مختلفة المشارب حول حدث ما، إلا أن هذه الاستجابة الفورية أو البطيئة يفترض الا تخضع لسطوة الميول الشخصي المجرد نحو الهدف او استهجانه كيفما كان، خصوصا اذا ما قصدنا الذائقة الثقافية المفترض تأسيسها وتكوينها على التبصر والتمعن والتأمل مليا في كنه وابعاد المسألة المطروحة، سواء كانت من داخل الدائرة او خارجها. نحن نتحدث عن قداسة الفكر وحياديته، صحيح ان معارك أدبية حدثت بين كاتب ومنافسه او بين مجموعة وأخرى او بين كاتب واراء مضادة منبتها الأساس النص المجرد وفحواه، وبقي غير ذلك من الملاسنات في رفوف النسيان.
ويضيف حول مسألة الانضمام إلى المجموعات والروابط والاتحادات الأدبية:
هي مهمة من ناحية التعرف على فكر الاخر قبل نتاجه، واستطلاع رؤيا مغايرة لتلك التي اعتدت على سماعها، والبحث عن لغة مشتركة في أبعادها الابداعية والنفسية والاجتماعية أيضاً.
الكاتب يحتاج احيانا التحرر من ربق العزلة للإحساس بوجوده كذات فاعلة تساهم في تأسيس جمعية او منتدى او رابطة، الشعور بترجمة أفكاره إلى واقع مهما كانت ضئيلة، لها وقع خاص في حياته ووجوده كإنسان قبل أن يكون كاتبا.
ويضيف في ختام مشاركته:
التحرر كما أشرت من النظرة القبلية إذا لم يكن من نسيجي فلا أبالي، ذلك يسقط عنه صفة الممارسة الثقافية بشرطها التنويري لتقذفه بعيدا خارج أسوارها وتجعله سادنا لنيران الكهنة.
المرتكز والجوهر التعاطي مع النتاج وفق حيثياته الفنية والجمالية والمعرفية، دون تبرير مبالغ او اسفاف مخجل.
ليس بالضرورة أن يكون المبدع منتمياً
من بنغازي، تشاركنا الكاتبة انتصار بوراوي استطلاعنا، فتقول:
حسب رأيي الشخصي ليس بالضرورة أن يكون المبدع منتميا إلى روابط أو منتديات ثقافية كي يكون داخل المشهد الثقافي، إنما المطلوب هو أن يكون كاتبا حقيقيا متميز ومختلف ويضيف الجديد في إبداعه. ذلك فقط هو ما يجعله داخل المشهد الثقافي أما النشر بالمنتديات الأدبية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي فلقد أصبح يتكاثر ويتناسل بشكل استسهالي و متاح للجميع ولكنه لا يصنع كاتب بل تصنعه الموهبة والمعرفة والثقافة التي ترسخ إبداعه .
كذلك فأن نشر كتاب دون معرفة الشخصية الحقيقية لكاتبته التي تبدو كأنها شبح هو نوع من الجبن الاجتماعي الذى لا يمكن أن يتواءم مع فكرة الكتابة القائمة على الإعلان عن الذات وتقديم رؤية الكاتب للمجتمع والعالم والوجود بحرية دون خوف وجبن من لاءات المجتمع التي لازالت ترفض اتجاه المرأة للكتابة باعتبارها تعبير عن الذات وتحمل رؤية مختلفة وغير مسايرة للمجتمع.
ولعل ما يحدث من اختلاط الحابل بالنابل فى المشهد الثقافي الليبي والعربي وظهور اسماء لا علاقة لها بالكتابة والأدب يرجع لسهولة النشر الذى اتاحته مواقع التواصل الاجتماعي وتكاثر دور النشر العربية التجارية التي تظهر كأنها دكاكين صغيرة تنشر أي شيء بغض النظر عن قيمته وفحواه نظير مبلغ معين مما شجع الكثيرين والكثيرات على النشر بشكل استسهالى دون أن يكون لديهم موهبة حقيقية ورؤية ثقافية لأن المهم بالنسبة لهم هو الدخول للمشهد الأدبي والثقافي تحت يافطة كاتب أو كاتبة لكن حفر اسم المبدع فى مجال الأدب لا يمكن أن يكون بهذا الاستسهال بل بالكتابة المختلفة والمتميزة التى تجد طريقها للقارئ بالتالي يكون وجوده فى المشهد الأدبي والثقافي تحصيل حاصل من خلال إبداعه الفني المؤثر الذى سيصل للقارئ الليبي والعربي الذكي الذى يدرك الكاتب الحقيقي من المزيف ، فلا شيء يبرز الأديب والفنان إلا عمله الأدبي والفني المميز وهذا ما لاحظناه خلال السنوات القليلة الماضية من بروز مواهب شبابية من الجنسين فى الشعر والقصة والرواية والفن التشكيلي التي فرضت اسمها بنتاجها المميز والمختلف وبمثابرتها وإصرارها على مواصلة طريق الكتابة رغم العوائق وعدم وجود الدعم.
الكتابة حين لا تكون محض خربشات ولهو بالكلمات بل موهبة حقيقية و مشروع كامل يشتغل عليه الكاتب لينجزه ويحقق له الحضور في المشهد الأدبي والثقافي المحلى والعربي هي الكتابة التي تصمد في وجه الزمن وتخلد عبر العقود والقرون.
النقر وعدد اللايكات والتعليقات هي المعايير الحاكمة
الشاعرة والصحافية حنان كابو، تركز في مشاركتها على مجموعة من المسائل المهمة، فتضيف لمن سبقها:
علينا أن نوضح أولا أن الوسط الثقافي يبنى على علاقات جمعها العمل الثقافي، وهي إن صح التعبير منظومة مكونة من الناشرين والنقاد والكتاب والصحافيين، هذه المنظومة قد تكون سببا لشهرة أحدهم من خلال الترويج والترحيب به وتقديمه دون غيره .
فهم من يضعون المعايير لنجاح عملا إبداعيا …من يحدد الجيد من الرديء، من يمرر نصا ويضع الآخر في درج منسي، قد تبدو هذه الأشياء عبثية منذ أن اجتاحت وسائل التواصل حياتنا واقتحمت كل المعايير المتعارف عليها، فأصبحت في حضرة النقر وعدد اللايكات والتعليقات هي المعايير الحاكمة.
يسهم الانضمام في التعريف بالمبدع ونتاجه الإبداعي ويسهل له الطريق للنشر عن طريق دور نشر أيضا دولية تتسابق للفوز بنشر نتاجه.
وعلى المؤسسات الثقافية وما يتبعها أن تحتضنه بتنظيم برامج ثقافية للتعريف به .
المحظوظون فقط من يسلكون طريق معبدة سهلة ميسرة
ختام المشاركات، مع القاص والروائي إبراهيم الإمام، الذي يقول:
كان على المبدع أن ينحت طريق من الصخر ليصل إلى الجمهور.. كما عليه استخدام كل ما يتاح له من وسائل من أجل الوصول إلى هذا الجمهور ليقدم له بطاقة تعريفية بإبداعه وفنه.. وهذا ينطبق على شتى فنون الابداع طبعا.
المحظوظون فقط من يسلكون طريق معبدة سهلة ميسرة إلى حد ما.. قد يتمثل حظك هذا ان تكون من سكان مدينة كبيرة ما يسهل عليك التواصل مع اهل الوسط الإبداعي من خلال الندوات والمعارض على قلتها وسوء تنظيمها.
اما إذا كنت من سكان الدواخل والمدن الصغيرة او القرى فالأمر بحاجة إلى معجزة في بعض الأحيان وكثيرة هي الموهبة التي ولدت وماتت وقبرت دون ان نسمع بها ولا أن نتعرف على منتوجها الإبداعي.
كانت المدرسة البراح الأول لإبراز المواهب ومنها تكون الانطلاقة إلى فضاءات أوسع وأرحب.
الراديو والجريدة كانت وسيلة للانتشار والوصول.. فقط عليك ان تكون محظوظا بعض الشيء لتتمكن من إيصال منتوجك الإبداعي اليها لتتكفل هي بعد ذلك لعرضه لجمهورها..
ظهور التلفزيون ودخوله لكل البيوت كانت وسيلة أفضل من الراديو والجريدة.. طبعا هذه الوسائل لا تخدم كل فنون الابداع ولا كل المبدعين ولكن كانت وسيلة من وسائل التواصل مع الجمهور.
ظهور وسائل التواصل الاجتماعي كان ثورة حقيقية قلبت كل التوقعات والحسابات .
قدمت مواقع التواصل الاجتماعي خدمة مهمة للمبدعين ليس للتعريف بهم فحسب بل لعرض منتوجهم الإبداعي أو بعض عينات منها .. كما اتاحت لهم تكوين شبكة من المعارف والمجموعات الإبداعية التي تتشارك نفس الفن الإبداعي..
مبدعو هذه الأيام اختصرت لهم مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الخطوات التي كان عليهم أن يتكبدوا عنائها ليصلوا إلى الجمهور..
كثيرا ما نفاجأ بظهور او تفوق أحد مبدعينا لنكتشف انه من مواليد مواقع التواصل الاجتماعي التي اتاحت له فرصة فاغتنمها ليصل إلى الجمهور.. لم ينتظر تلفزيون لا يأتي ولا راديو لا يتابعه احد ولا جرائد لا تصدر.. بل استطاع استثمار هذه الوسائل الحديثة الواسعة الانتشار ليصل إلى الجمهور ولينتزع مساحته الخاصة.. بعدها تسارع القنوات الفضائية على كثرتها وعلاتها لتملأ برامجها المتعطشة للجديدة بأخبار هؤلاء المحظوظين..
قلبت وسائل التواصل المعادلة فأصبح نجومها ومتاقيها مطلوبون للوسائل الأخرى التقليدية لتغطية النقص وتلبية لحاجة جمهوره ومواكبة للتطور المتسارع في عالم التقنية .
التقنية الحديثة قدمت خدمة مهمة للمبدع بل واستطاعت ان تسافر بها إلى افاق أوسع وارحب مما تصل إليه موجات الراديو وصفحات الجرائد.
علينا فقط ان نحسن استثمارها وننتقي السمين منها ونترك الغث ليبحث عن جمهور يتقبل مادته التي يقدمها عبر هذه الوسائل.