الفرج هو البشرى المنتظرة للصابرين على مرارة الأيام، وقسوتها، وقد افتتح الشاعر أبوبكر السديس قصيدته البكر بفعل الأمر (اصبر)، فهو بهذا يذكرنا بأن الصبر والاصطبار والتصبر؛ أمر إلهي ينبغي على المؤمن تنفيذه انتظارا للمثوبة المنتظرة التي وعدنا الله بها حين قال في كتابه العزيز:( وبشر الصابرين)..
اصبر على ليام حرة ومرة..
سيور الفرج يلفاك بعد الزرة..
يشكل الصبر والأمل متلازمة الاستمرار، حيث أن التمسك بالأمل يحقق سيرورة الحياة، وفقدانه يعني الانتهاء، ولا يولد الأمل إلا من رحم الصبر، فنحن نسير في منظومة حياتية تحمع بين النقيضين، الحلو والمر، وهكذا هي الأيام تتداول بين الناس.
اصبر على ليام حلوة ومرة..
سيور الفرج يلفاك بعد الزرة..
قد أفلح السديس في تذكيرنا بالثواب المنتظر وهو الفرج القادم من الله عز وجل الذي وعد عباده به حين قال: وبشر الصابرين).. وإذا وقفنا عند أصحاب الحكمة لتجلدنا حين قالو:
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت..
وكنت أظنها لا تفرج..
ولرب ضائقة يضيق بها الفتى.. ويكون عند الله منها المخرج..
وهكذا هي سنة الحياة، كل فرج يأتي بعد شدة، والفجر لا ينبلج دجى.
ليام: والمراد منها الحياة فالحياة بمعناها الأدق هي مجموعة من الأيام التي يعيشها الإنسان..
يلفاك: أي يأتيك من حيث لا تدري..
الزرة: وتعني عندنا ضيق دائرة الحلول..
واللي اظنها فوقك تعالت عنك..
سيورها توطا لتحت الجرة..
كثرة الظن تقطع حبل الامل أمامنا غير أن الشاعر يذكرنا هنا بأن الظنون نظرة تشاؤمية حيث أن مجريات الحياة من حولنا في الغالب تتناقض مع الاحتمالات المتوقعة، ذلك أن المقادير كلها قد تنقلب وتتبدل الأحوال وتدور الأيام لتفاجئنا بخروج الأمنيات طال الزمان أم قصر لنجدها تتدلى أمامنا من فوق السماء بل قد تتضاعف العطايا الربانية حتى لا نجد موطئ قدم لنا بينها.. وقد تتعداه إلى حد التساوي مع الحاجات الدنيوية الزائلة..
سيورها توطا لتحت الجرة..
والجرة هنا يراد بها أثر مشي الأقدام على الأرض والتي ينتظرها يالزوال لا محالة..
قد أفلح السديس حين أردف قائلا:
وكنهن قسن ليام ما رامنك..
ايجنك ودايد كلهن في صرة..
ذلك أن الثواب حين يأتي فإنه لا يأتي منفردا دون مجاوراته التي لا تكاد تنفصل عنه والمتمثلة في الانفراج الرباني الذي يشكل في مجمله حزمة متماسكة من البدائل الممكنة للاستمرار بعد انسداد وتوقف..
كلهن في صرة: كلهن أي الحلول، والصرة هي قطعة القماش التي نستخدمها في الحفظ والتخزين لفترة طويلة تحقق الديمومة..
ولست أدري سبب استخدمه لفظة (رامنك).. فالروامة والترويم لهما معان أخرى وليته استعاض بلفظة (ما والنك) هنا ليكون التعبير متماسكا..
ولعل المتتبع لهذه الأبيات يكتشف ومن الوهلة الأولى أنها كتبت في باكورة الإنتاج الشعري لهذه الموهبة الصاعدة التي نتأمل له مستقبلا زاهرا من خلال تجوالنا عبر بستانه الشعري المتنوع، وقد كانت هذه الأبيات جزء من القصيدة الأولى التي تشرفت بقراءتها في بدايات مشوار السديس في بحر الكتابة الشعرية العميق حين كنت مشرفة الملف الثقافي لدى إحدى الصحف المحلية سابقا عام 2010 عندما زارنا ذات صباح واضعا مجموعة من القصائد على طاولة صالة التحرير وقد حفظت بعضها ولكني لم أتمكن من نشرها آنذاك بسبب توقف الصحيفة.. ولكن إرادة الله مكنتني من تشريح بسيط ومتواضع لبعضها بعد مرور أكثر من اثنى عشر عاما.
إلى أبيات أخرى..