قصة

ما قبل التاريخ

“باطل الأباطيل وقبض الريح”

سفر الجامعة/ 2:1

Maryam_Abani_04

إلى أن غادرت عمتي زينة إبنة الحاج يحي بن سعيد العزابي حيّ تادويّت الذي أقامت فيه الشطر الأكبر من حياتها التي قضتها على سطح هذا الكوكب (أحد أحياء القلعة الستة.. آرنون والقصبة والحومة وآغرم وتيشريكين وتادويت)، كانت أدوات مطبخها الطيني الصغير كلها من الطين المحروق.

عمتى زينة هذه، ابنة الحاج يحي بن سعيد بن عياد بن علي العزابي الخ، وإلى أن غادرت تادويّت للمرة الأخيرة… كانت تطبخ وتأكل هي وزوجها الحاج سعيد بن امحمد في أواني الطين التي كانت تتفنن في تشكيلها وصنعها وزخرفتها، والتي كانت تحرقها بنفسها مع صديقتها الدائمة ـ كما أذكرـ غاويّة أن باصاصا، وكانت تطعمني منها كلما زرتها.

أواني صغيرة وأنيقة وطعم الأكل فيها يختلف بمئات السنوات الضوئية عن هذا (الفاسد فود) الذي يحيط بنا ويلاحقنا حتى في كوابيسنا اليوم.

ما الذي ذكرني بذلك الآن.. !!

عادت إلى هذه الصور كاملة غير ممنتجة وبدون فوتوشوب، وفي لحظة خاطفة واحدة غير متوقعة، عندما رأيت متحفا صغيرا جديدا قرب جبل الأولمب.. به أدوات قيل أنها استخدمت من قبل سكان قريتين في المنطقة اكتشفتا مؤخرا من قبل المنقبين عن الآثار، كانتا آهلتين بالسكان قبل خمسة آلاف وخمسمائة سنة، حسب ما هو مكتوب على البطاقات الملصقة على الفترينات الزجاجية. ولكي اكتشف فجأة أنني لا أحتاج إلى كل هذا الوقت لأكون من أناس ما قبل التاريخ، لقد كنت إنسانا قديما من العصر الحجري الأعلى قبل أقل من خمسين عاما فقط، قطعت خلالها أكثر من خمستلاف وخمسمائة عام، يعني أن العام الواحد في هذا العصر يعادل مائة وعشرة أعوام مما كان ماقبل التاريخيين يعدون.

كأن من صنع الأواني المعروضة وراء زجاج المتحف الأولمبي هي زينة ابنة يحي التي غادرت هذا العالم في بداية سبعينيات القرن الماضي فقط، وليس قبل خمس ألفيات ونصف، أو لعلها زينة أخرى من زينات العصر الحجري الأعلى..

هل يستطيع أحد أن يدلني على الفرق.. !؟

لا أعتقد.. !!

لسبب بسيط جدا.. وهو أن الفرق لم يكن موجودا قط.. وليس بإمكانه أن يوجد.. !!

لعلني جرحت جلدة التاريخ المجهول قليلا.. ربما.. أعبر عن أسفي العميق لذلك.. !!

مقالات ذات علاقة

سرُّ الجَدّة

عائشة الأصفر

توقيعات على اللحم

خليفة حسين مصطفى

مسعود وأخواته

جود الفويرس

اترك تعليق