لمسعود القدرة على الإختفاء حصرًا من نظير أخواته؛ صمَّاوات عن حديثه متى أرَدْن، بكماوات عن محادثته متى أرَدْن، غرّه اللّعين فيهنّ قلوبٌ رحبة؛ فبسط لهنّ البغض وقبض رحمة السّند.
ما نساه مسعود أنّ أخواتِه عِصبة وهو واحد، وحيد! مضى أسبوعٌ ومازالت القطيعة بينهم تمدّ ظلالها عميقًا.
انسلّ الوغد من واجباته تجاههنّ في الشهر
الفضيل، لا توصيل لا شراء، أخذت منهنّ من تستطيع إجازة، ومن تدرس اكتفت بالتسجيلات، يقضينِ حوائجهنّ في حرّ القيظ سيرًا على الأقدام، كلّ هذا لينعم مسعود وسيّارته البيضاء ” العوجة ” برقادٍ هانئ للعصر.
ولكن؛ ليس طويلًا!
دار مسعود بمقلتيه دائر الغرفة؛ كلّ شيء على حاله منذ أسبوع، ملابسه متّسخة، وجواربه نتنة وكلّ فناجين القهوة -بالإجماع- مصطفة على الطاولة قُربه تنتظر الصّابون والفرج!
لكنّه عاهد نفسه ألاّ يغسلها وهنّ حتمًا لن يغسلن شيء!.
تذكّر فجأة أنَّ دوره الخميس القادم لإفطار أصدقائه فانكمد، شعورٌ ثقيل!
وتساءل ماذا يفعل؟ كيف يطعمهم؟ من يصنع له طعام الفطور؟ والسؤال الأهم كيف يقنع العصبة الشريرة المتربّصة به في الخارج؟!.
نهض مسعود وبه حمّى ” الفلاحة ” غسل فناجين قهوته حتّى لمعت، وغسل كلّ ما وجده في الحوض من صحون، جلب النّواقص من البقالة وغيّر أنبوبة الغاز، وفيما كانت الأخوات في حالة من الذُهول؛ أزاح مسعود ليلى الصّغيرة جانبًا وقطّع عوضًا عنها البصل، مؤكدًا بكلّ ما آتاه من دموع كاذبه أنه أجل… إنّ ما ترونه حقيقي!.
قضى المساء كلّه يعتذر.
لم يسأله أحد..
ومضى أسبوع على هذا الدّلال الغريب وجاء الخميس، ومسعود فالح ونشيط أكثر..
الأخوات كلّ يوم ينتظرن منه أن يقول شيئًا، لكنّه لا يقول شيئًا أبدًا، يبتسم كمن يودّع الحياة ويخاطبهنّ بصوتٍ يحفّز على الشّعور بالذنب والقلق.
“حنّط” مسعود وقال كلام غزل في صنيع أخواته..
بكين بصمت، ومسكت إحداهنّ بيد الأخرى ترقبًا للفاجعة، مسعود سيعلن الآن عن مرضه الخطير، مسعود يحتضر ومسعود..
قال مسعود: (اليوم صحابي بيجوا، ديري أنت وياها الفطور كويس وما تحشموناش، باهي؟! كنت معاكن كويس لأسبوع.. ما تخربنش الجو، فهمتن؟).
ذات يوم..
قيل بأنّه كان هناك فتى اسمه مسعود، مات مرميًا بسكاكين المطبخ!.
المنشور السابق
المنشور التالي
جود الفويرس
جود الفويرس.
طالبة في جامعة طرابلس/ كليّة الطب البشري.
نشرت في مجموعة من الصحف والمواقع الإلكترونية.
تكتب القصة، ولها اهتمام بالرواية.
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك