هذا نبض من عميق أنفاس التاريخ استرجعه في حياة شاعر ملأ الدنيا وشغل الناس، ولكن للأسف تعامل معه بعض أصحاب النفوس الضعيفة بأسلوب الذم والقدح، وأنا أستعيد مقولة الأديب الروسي “دوستويفسكي” وهو القائل: عجبت كيف يمكن أن يكون الروسي روسيا ولا يعرف شيئا عن “بوشكين” ، وأنا قول: عجبت كيف يكون العربي عربيا ولا يعرف شيئا عن أبي الطيب المتنبي.؟
ومن هذا الموقف وجدت نفسي أخوض هذه التجربة عن شاعر عربي كبير ملأ الدنيا وشغل الناس، بل أحسبه شاعر كونيّ عمّر في تاريخ الإنسانية طويلا، وما تزال بعض جوانب حياته مجهولة للكثير من أبناء العربية في عالمنا العربي.
إنّ كتاب حوار خارج حدود الزمن” على متن سفينة المتنبي” هو دراسة فنية في شكل حوار أردته يكون ممتعا في إجابته من قبل الشاعر، وهو يردّ عن الأسئلة شعرا لا نثرا، هو يرد عن الأسئلة شعرا في مختلف مجالات تجاربه في الحياة تلك التجارب المعلومة والمجهولة لدى القارئ في كل الأزمان والبلدان ،وذلك ن طفولته وتهمة إدائه النبوة، ودخوله السجن وهو في مقتبل العمر، كما يتضمن الكتاب تلك الرحلات والتنقلات التي عاشها الشاعر بين الفلوات والبوادي، وتلك الحروب التي خاضها مع خصومه حقيقة ومجازا بالسيف وبالقلم، وهو يعترف بذلك قائلأ:
-الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني * وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ
صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً * حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ
لقد كانت الرحلة ممتعة من البحر الأبيض المتوسط، باتجاه الصحراء العربية الكبرى، ثم الى بعض مدن وبلدان آسيا، من بلاد فارس الى الشام الى مصر الى الخليج العربي. رحلة شاقة لكنها ممتعة بما فيها من أحداث تاريخية قديمة، وأحداث معاصرة عاشها المجتمع العربي بعد وفاة الشاعر أبي الطيب. وفي هذه الرحلة يلتقي مع كل من نزار قباني والشاعر العراقي مظفر نواب، والحديث في موضوع الشعر العربي وقصيدة الشعر الحرّ وقصيدة النثر، دون أن يغفل الشاعر المتنبي تجاربه في الحب والحرب والخصوم. وهو يقول:
لعَيْنَيْكِ ما يَلقَى الفُؤادُ وَمَا لَقي // وللحُبّ ما لم يَبقَ منّي وما بَقي
وَما كنتُ ممّنْ يَدْخُلُ العِشْقُ قلبَه // وَلكِنّ مَن يُبصِرْ جفونَكِ يَعشَقِ
نترك الرحلة لتفاصيل قادمة تحيتي لكل قارئ عربي يسكنه المتنبي في زمن النت والتواصل الاجتماعي العابر.