طيوب عربية

جرعة أمل

وردة بالحاج رحومة (تونس)

من أعمال الفنان محمد الشريف.

في قاعة مظلمة في منزلنا المتواضع، أترشف القهوة المرة التي ترسل بخارا يمر كما يمر حبيبي أمامي، أتذكر كل لحظة عشناها معا، وكل دقيقة تحدثنا فيها، وكل طريق احتضن ذكرى وذلك الوعد الذي حجب عن عيني الحقيقة المتمثلة في كلامه أنا معك حتى النهاية، هيهات! لقد كنت أظنه حبا حقيقيا، ماذا كنت أنتظر وماذا حصل؟ انخدعت بمظهره وبابتسامته ووجهه البريء المتخفي وراءه شيطان مستدر، لم أكن أعلم أنه إنسان ضليل، غادر وخائن.

فعلا انخدعت، سرت معه، وثقت به كنت سندا له في أصعب أوقاته وحتى في أسعد أيامه، لم اعتقد انه ينتمي الى طائفة الانذال، كنت أتبع ما يقال “خلق الإنسان ليحب”، ولكن اختار دائما من يحب فعلا لأني أنا دفعت الثمن.

تسألوني ماذا حصل؟ سأخبركم حتما تعبت من الأشباح والتفكير في الماضي، أنا بحاجة إلى زورق يحملني الى شاطئ وسط شاطئ ليمنحني الإحساس بالفرح الذي فقدته مع الأيام، رغم أنى أصبحت أثق أن الفرح هو خدعة وهمية، والوجع هو الواقع الأليم.

تعودت العيش مع أحزاني ووحدتي، فقدت الثقة بمن حولي، كنت نهرا يفيض بالمشاعر الرقيقة، أحمل في داخلي الأمل والتفاؤل، فأصبحت كالأمواج تتصاعد إلى السماء، في داخلي زلزال مدمر من الأحزان وبركان هائج من الغضب، بدأت بتصديق ما قاله الفيلسوف سارتر: “الأخرون هم الجحيم”.

بعد الألم والصراع الديناميكي الذي عشته بين الأنا، والأنا الاعلى والهو قررت العيش في الطبيعة مع من يفهمني من الحيوانات والأشجار والبحار، أحس بالاقتراب مجددا نحو الأمل والتفاؤل، إلى السعادة من جديد، الوثوق بمن حولي ولكن أنا حي ذليل، سأملك  دائما قلبا يفيض بالخوف من الآخر ولكنه الخوف المتميز وليس الخوف القاتل للوجود، سأجعل من الطريق مسارا نحو الفرح والسعادة، وعندما تضيق بي الحياة سألتجئ إلى البحر لأتحدث مع أمواجه عن همومي وآلامي وأسفى عن بعض الأشخاص الذين كانوا في حياتي يوما ما، أصبحت أصوات الرياح تواسيني في ضعفي وتخفف عنى وجعي، وبدأ أنين الأمواج يهز شعوي وكياني .

أخذت السير في طريق طويل، ولا أعلم أي تأخذني قدامي، وجدت نفسي على شاطئ البحر والدموع في عيناي،  ابتسمت، كنت أظن أنى نسيت ما حدث لكن لم يكن الأمر كذلك، كنت أتناسى ولم أنسى، نظرت في السماء، شدتني الطيور التي تحلق دون نظام وأعجبتني صرخة الامواج الهائجة فتلك الفوضى تملأ كياني بشعور يقودني إلى الوجود وتواسيني في حزني وألمى وتمكنني من الوثوق بنفسي من جديد قبل أن أثق في الواقع فلا يوجد واقع، نحن من نصنع الحقيقة لذلك قررت مواصلة السير إلى الأمام وأن أرمى ما عشته عرض الحائط وتلك الأمواج ساعدتني في تخطى ما مررت به، فكل موجة حملت معها جزءا من أحزاني .

مقالات ذات علاقة

درنة

سامر سالم أحمد (سوريا)

قراءة في كتاب أ.زياد جيوسي”أحلام فوق الغيم” 

المشرف العام

يوم جديد

المشرف العام

اترك تعليق