فارس أحمد العلاوي – سوريا
في هذا اليوم نحتفل بإيقاد الشمعة الـ95 في عمر الكاتب والأديب الكبير علي مصطفى المصراتي متعه الله بالصحة والعافية
فن التراجم من الفنون التي برع فيها المؤرخون العرب والمسلمون، ويختلف المنهج المتبع في كتابتها من مؤرخ لآخر، وكان للأديب الليبي الكبير “علي مصطفى المصراتي” مساهمته في هذا الفن، وكان له أسلوبه الخاص به في كتابة تراجمه، ويظهر ذلك بشكل واضح في كتاب “نماذج في الظل”، هذا الكتاب يحتوي بين دفتيه على 21 ترجمة لشخصيات ليبية، حاول المصراتي من خلال الترجمة لها، إخراجها من دائرة الظل التي كانت فيها، وقد أهدى المصراتي كتابه هذا إلى اثنين من النماذج التي كتب عنها، فكتب في الإهداء: إلى أحمد الشعافي وعلي جابرية، إلى هذه النماذج التي ضمتها هذه الصفحات، أقدم هذا الكتاب هدية قبل أن يوغلوا في وادي النسيان، قبل أن يطوينا الظل بجناحه الكبير، إليهم .. تذكرة .. وتذكار، هدية من كاتب عرفهم، إليهم أقدم وساماً من ورق، علي مصطفى المصراتي، طرابلس 18 أغسطس 1978م.
مهد المصراتي لكتابه بمقدمة سماها “طرقة”، ومما جاء فيها: بين دفتي هذا الكتاب نماذج وأنماط لأنواع من الشخصيات منهم حملة أقلام وشعراء وفنانون ومناضلون … نماذج من نسيج وفتيل هذا البلد … لم تلتق بهم .. بل لم تقرأ لهم، أو حتى لم تسمع بهم … وقد اشترطنا في منهج هذا الكتاب وتقييد هذه الصور شرطين يلحقهما شرط، أن يكون النموذج رأيناه وعرفناه وحدثناه ولو كان اللقاء يسيراً، أو كانت معرفتنا له في آخر شوطه … وهناك من عرفناه منذ طفولتنا في المهجر، وهناك من هو من الجيران أو أصدقاء الأسرة أو الأصهار .. وأن يكون النموذج من الذين أدوا جانباً من ضريبة الحياة الإجتماعية عن طريق ممارسة الحياة بشكل ما … تهرس وتمرس .. وإن كان بعضهم لم تكن له شهرة متداولة بل أكثرهم من أهل الانزواء والانطواء .. فكرياً أم اجتماعياً .. تلقائياً أم قسرياً … وأن يكون ليبياً من مواطني هذا البلد .. يهيم حباً بها وبناسها … ليس ما نقدمه ذكريات … قد تكون هذه الصور والفصلات هنا فيها شيء من الذكريات بشكل ما، ولكن الذكريات المتكاملة لها ساحة أخرى إن بقي في العمر أنفاس .. وفي الصدر ترجيعات.
وهل هذه الأنماط والنماذج تاريخ؟ قد تكون بشكل ما .. ولكنها ليست تاريخاً بالمعنى المتعارف المألوف .. إذ هي مزيج من الذكريات والمشاهدات في إطارها الفني قالبها الأدبي والحوار الذي يدافع الواقع والخقيقة، فهي تاريخ اجتماعي ليس على الشكل المتداول … أسهموا في الحياة بقدر طاقتهم على الدرب في غير بهبرة .. واحترق بعضهم في الأتون .. هي نماذج كانت تمتلك موهبة لكنها ضاعت كنبتة في صحراء بلقاء جرداء .. أو قطرة في ساحة صماء، صلدة ، همسة في ضجيج وصخب .. تلاشت كخيط في دخان … لم يترجم لهم حتى الذي زعم أنه جعل قاموساً الأعلام في بلده وهو من مواطنيهم وإن كان استفاد من بعضهم وساعدهم ولكن في كتابته أهملهم وكتب عمن هم دونهم درجة وعطاء وإحساساً .. فنياً وإجتماعياً.
مقدمة الأستاذ المصراتي طويلة جداً، ولذلك لا يمكن الإحاطة بكل ما جاء فيها، بل بأهم ما جاء فيها، وإن كان ما تركناه منها هام، وقد صاغ المصراتي مقدمته أو طرقته، بأسلوبه الأدبي الساخر، وهذا ما اتبعه في كل التراجم التي قدمها في كتابه، والتي بلغ عددها 20 ترجمة، إحداها فيها ترجمة لاثنين من النماذج، وبذلك يكون عدد تلك التراجم 21 ترجمة، وأما النماذج التي ترجم لها في كتابه، فقدمها تحت العناوين التالية: حمدي، أحمد الشعافي وعلي جابرية، عبد الرحمن الزقلعي، بشير الجواب، محمود الرخصي، سعيد طوقدمير، عيشة الزنتانية، سلاماتو، محمد عنيبة، عيسى الفاخري، عبد الله انبية، حاسر الرأس، محمد على الحداد، السنوسي بلقاسم، عبد الوهاب عبد الصمد، أبو القاسم الباروني، طارق الأفريقي، شيخ القراء مختار حورية، شيخ المطربين شاكر المرابط، عيسى الأسود.
التراجم التي قدمها المصراتي لم تقتصر على حياة الشخصيات التي كتب عنها، بل كانت عبارة عن إحاطة بالمجال الذي اشتهر به صاحب الترجمة، فعندما ترجم لشيخ القراء مختار حورية ولشيخ المطربين شاكر المرابط رحل بنا المصراتي في جولة في عالم الفن والغناء والموسيقا في العالم العربي، فذكر أشهر المطربين والموسيقيين وخاصة في أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، ومن تلك الأسماء التي ذكرها: عثمان ملا الموصلي، عبده الحمولي وزوجته المطربة ألمظ، سيد الصفتي، عبد الحي حلمي، الشيخ المنيلاوي، سيد درويش، أبو العلا محمد، داود أفندي حسني، محمد عثمان، زكي مراد، ليلى مراد، منيرة المهدية، بديعة مصابني، محمد عبد الوهاب، عبده السروجي، صالح عبد الحي، المطرب الليبي أحمد شاهين، والمطرب محمد سليم، ويذكر أحياناً أسماء الأغاني والأدوار الغنائية، ومنها دور هاجر الغرام، ودور قبل ما تميل المحبة، وهما لسيد صفتي، وأغنية خدعوها بقولهم حسناء، وأغنية أخاف عليك من نجوى عيوني، وهما لمحمد عبد الوهاب، وهو لا يكتفي في هاتين الترجمتين بذكر المطربين والموسيقيين والممثلين، بل يذكر أعلام من مجالات شتى، ومنهم: شيخ الصحافة محمد بن موسى، وشيخ الفلكيين علي حيدر الساعاتي، شيخ المتصوفة البلباني، شيخ المدرسين عبد الرحمن البوصيري، علي سيالة شيخ الطريقة القادرية، الشاعر أحمد الشارف، ويذكر المصراتي أيضاً أسماء كتب ومؤلفات وصحف، منها مقامات الحريري والمنفلوطي، والرقيب العتيد.
وذكر أسماء ملابس مثل الجرد الجريدي والعباءة المصراتية والنالوتية، وتحدث عن سوق الرباع والبيع والشراء، وغيرها من موضوعات اجتماعية واقتصادية، وسياسية، وذات الأمر ينطبق على كل التراجم، فعندما تكلم عن عيسى الأسود تحدث عن الآثار وعلم الآثار، وهو مجال اختصاصه، وبذلك يعد كتاب نماذج في الظل موسوعة للحياة اليومية في ليبيا والعالم العربي، ولذلك ينجذب القارئ لهذا الكتاب، وينتقل من ترجمة إلى ترجمة مستمتعاً بكل المعلومات التي جمعها المصراتي فيه.