فوزي عمار
الشيخ الاشهر عبدالسلام الاسمر الفيتوري الإدريسي الحسني احد اهم شيوخ المتصوفة في شمال افريقيا وهو سبط رسول الله من نسل الحسن ابن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه وهو دفين مدينة زليتن بليبيا…
اشتهر بورعه وعمله الصالح وارتبط اسمه بكرامة (عسيلة) التي اختلف عنها الخلق واختصموا. يقول الإمام والشيخ الاشهر عبدالسلام الأسمر: “عسيلة يا عسيلة ما دونك من رقراق مالح.. واللي ما يجيب عسيلة ما يجي ولي صالح ”.
قصة عسيلة المرأة المسلمة في بر الروم (ايطاليا حاليا) والتي دعت ربها ان ينجدها من زواج حاكم رومي كافر وظالم.. هي قصة وتصوير فني والليجوري شبيه بالأمثولة التي تصف مثال وقيمة يريد أن يصل لها الإنسان ورمزية يريد أن يحققها.
فبرغم من ان هناك كثيرون يرونها كرامة من ضمن كرامات اولياء الله الصالحين وهي مازالت سر بين الولي الصالح وربه ولكن (من وجهة نظري) قد تكون القصة توظيف الليجوري وقصة تنسج مثل عليا وليس بالضرورة أن تكون قد حدثت فعلا.. فعسلية في القصة هي رمز وهي قمة النجاح الذي يريد أن يصل له الإنسان في دنياه.
نجاح الانسان في تعليمه ونجاحه في عمله ونجاحه في الحصول على مكانة اجتماعية صورها الأسمري في مثال عسيلة تلك المرأة المسلمة التي أراد روميا كافرا أن يتزوجها. كما أنها تبين أن لا مستحيل مع العمل والإيمان بالله الواحد الأحد.
لقد بين الشيخ الاشهر الأسمر في هذه الصيحة أن الهدف والقيمة دائما وراءها جهد وعرق وتعب وسهر الليالي وإيمان بالله أولا.. عبر عنه الشيخ الاشهر بقوله: ”ما دونك من رقراق مالح“.. وهو يقصد البحر بالمالح حيت البعد الجغرافي.
فعسيلة حسب التوظيف الأسطوري كانت تقيم في قصر على الضفة الاخرى من البحر المتوسط وتحديدا في إيطاليا. فبالدعاء والتخاطر أستطع الإمام الأسمر أن يستمع لصيحتها وهي طالبة النجدة.. واستجاب لها وقام بنجدتها وحقق الهدف بعد جهد طويل والنجاح هنا يقود ان يصبح الانسان المجتهد وليا صالحا.. فكل من يقوم بفعل الخيرات والعمل الصالح ونجدة المحتاج هو ولي صالح وليس بمعني السلفي والشعبي والشعبوي للولي الصالح. فالطبيب والمدرس والمهندس والخباز وكل من يقدم خدمة وعمل صالحا هو ولي صالح.
قصة عسيلة هي اسطورة والهدف والرمز والتصوير الفني منها في حاجة الي تسليط الضوء عليها، في بعدها الفني والرمزي، من قبل متخصصين في العلوم الإنسانية وتفكيك النص. كما انها تشير الي ان عالم الشيخ الاشهر والإمام الأسمر عبدالسلام الفيتوري عالم وبحر من العلوم الذي لم نحط إلا القليل منه لتقصير منا في حق هذا العالم الجليل والمناضل والمثقف السابق لعصره.. فعبدالسلام الأسمر لم يكن مجرد صوفي عادي ولكنه كان مناضلا وطنيا بامتياز أسس لمشروع قيام دولة وطنية في وقت مبكر جدا.
والأسمر قدس الله سره قاوم الفرنجة فرسان القديس يوحنا في طرابلس وجاهدهم جهادا عظيما.. لمدة سنين طوال حتى لم تعد هناك امكانية للمقاومة فتحصن بقلعة سوف الجين واستمر في التحشيد الى ان اقنع العثمانيين.. درغوت باشا ثم مراد اغا (الذي كان احد مريدي الإمام الأسمر) فاقتحموا طرابلس وهزموا فرسان يوحنا.. لقد كان حليفا للعثمانيين المسلمين.. مع ملاحظة أن ظهوره ووجوده في طرابلس كان سابقا لدخول العثمانيين.. ولم يقاومهم.. وبدأ في تأسيس الدولة وعاصمتها زليطن.. وبدأ يتصل بالأمصار والمناطق منها. رسالة موثقة لوالي المغرب للانضمام له حتى وافته المنية وترك ابنه عمران خليفة على الدولة وسيدي بن جحا خليفة على الطريقة.. إلى أن غزا زليطن المجرم السويدي التاجوري فقتل عمران رحمه الله ونكل بأولاد الشيخ وعاث فيها فسادا.. بعد سنين عاد للطريقة نشاطها ولكن حلم الدولة الوطنية انتهى وتوقف.
نحن في حاجة الي إعادة كتابة تاريخ الشيخ الاشهر الأسمر، على أسس علمية وأكاديمية، من خلال جمع وثائق ومخطوطات واستكتاب متخصصين لاستكمال مشروع الإمام الأسمر والشيخ الاشهر.
من وجهة نظري هنالك ثلاثة زوايا يجب التركيز عليها لأي باحث في تاريخ الشيخ الاشهر والإمام الاسمر الفيتوري الادريسي الحسني:
اولا/ الاسمر كعامل للعمل الخيري المستدام، والعمل الصالح بإنشائه مدرسة كُتاب تدرس القرآن والفقه واللغة والعلوم علي مدار 500 سنة تخرج منها مئات آلاف من حفظة القرآن في مدرسة وسطية مالكية تنشر الإسلام في محيطها، توازي الازهر في مصر والزيتونة في تونس والقرويين في المغرب والمنتصرية في بغداد.
ثانيا/ ثقافة الاسمر بمقارنة بجيله فقد ذكر الاسمر مثلا الصوفي الاشهر ابن عربي قبل 500 سنة من هذا العصر، كما جاء في مقال للكاتب منصور بوشناف.. الإمام الاسمر له العديد من القصائد الشعرية منها ما غنته وزيرة الثقافة التونسية سنية مبارك (قصيدة قمرة الليل) وهي أكثر من مئات القصائد بالفصحي ومثلها بالعامية
وثالثا/ نضال الاسمر سياسيا ضد الاحتلال للقطر الليبي.
ثلاثة زوايا مهمة في تاريخ الشيخ الاشهر الاسمر وهو السابق لعصره، وليس فقط الولي الصالح.
هذه رمزية للسالك المتصوف (عبدالسلام الأسمر) والدعوة لبلوغ الأغيار لمقام التصوف عبر قنطرة “عسيلة ” الكائنة وراء أهوال ما وراء البحار. وكما قال أبو العلاء المعري: ”فيا دارها بالكرخ إن مزارها قريب.. ولكن دون ذلك أهوال“.
أطروحة الميتالوجى (عسيلة) وضعها المتصوف برؤية خاضعة ومكرسة لفهم ثوري جديد للتصوف وتكسر حكره التقليدي من الذات الفردية المنغلقة الى الذات الاجتماعية المتفتحة على الزمكان.. وللأمانة مازالت الصوفية ككل والنص الصوفي تحديدا في حاجة لشرح وافي فالكثيرون عاجزون عن فهم النص الصوفي الذي هو اصلا شديد التعقيد.. فالنص الصوفي يتماهي مع الانسان الكامل النقي.. والذي هو نتاج نفخ الله في الانسان من روحه وليس كما يصوره بعض سلفيو النص الذي يقرؤون ظاهره ويركزون على شوائب وسلوك بعض مرضي المتصوفة.. ولا يغوصون في بحور الصوفية العميقة وبحور واعماق نصوصها المليء بجواهر ودرر القيم.. منها وحدة الشهود ووحدة الوجود.. والكشف والفيضة.. الفناء والبقاء في السير والسلوك.. وغيرها كثير.
كما أن النص الصوفي لا يمكن فهمه دون أن يُعاش.. واللغة ربما تكون غير كافة لوصف حالة النقاء والصفاء ولذلك يقع المتصوفة في أخطاء جعلت من خصومهم يسرعون لتكفيرهم رغم انهم موحودون ويقولون بالتوحيد في كل نص لهم.. يقول المتصوفة: (اذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة) فاللغة فيها الاشتراك اللغوي والاشتراك المعنوي وهذا ما اوقع الثرات الصوفي في أخطاء كثيرة وكبيرة يجب البحث فيها وتداركها.
الصوفية بالأساس هي تزكية للنفس.. والمتصوفة يعرفون بالزهد في الحكم والسلطة. لم تلجأ الجماعات الصوفية يوما للعنف كباقي الفرق الأخرى ولم يسجل اي انتماء من الصوفيين للجماعات التكفيرية او المتطرفة.. الصوفية اشبه بفلسفة العلوم التطبيقية التي هي علوم صوفية نوعا ما.. فهي تسعي لفهم أصل الأشياء وكننها وجوهرها ولا تهمها القشور وظاهر النص. كما ان المنتقدين لا يفرقون بين المستوي العقدي والمستوي الفقهي، خاصة الفقه الوافد منهم.. كما انها غير ملزمة لا احد ولا تفرض نفسها كبعض الفرق الأخرى بالعنف. فالصوفية هي طريق الود والوئام وطريق السلم الاجتماعي.
واخيرا.. نقول لقد كان خطاب الشيخ الاشهر عبد السلام الأسمر خطاب عقل وقلب في إطار وفضاء الحداثة وينتسب لعصرنا رغم قدمه وبعده عن الحاضر ومن يعلم ربما أكثر.
رحم الله الإمام وغفر له ورضي عنه وعن سائر أولياء الله الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. اللهم صلى على محمد وعلى ال محمد.. إنك في العالمين حميد مجيد.