تُقسمُ له إنّه ليس المسيح، وإنها ليستْ العذراء “مريم”، لكنها أبدًا لم يحدث أن رأت والده الذي لم تلتقه بعد، والذي عقدَ له جدّاه عليها وهو بعيد، تخبره: رغم غياب والدك العريس؛ فقد غنّت لي ستّك (أوييّيها اسم الله عليك واحدة والثانية تنْتينْ.. والثالثة خرزة زرقا تردْ عنك العينْ)، ذلك قبل ميلادك بثلاث سنوات يا ولدي لم أره فيها…
يصرخ: أين أبي؟ أريد شرحا أو رحيلا، تضمّ وجهه الملتهب بكفيها الباردتين، وتدعكه بوجهها المبلل بالدمع والعبرات، وترتعش في شفتيها التوسلات، إنك الأب والابن والقرية وحقل الزيتون الذي يتنفس همس أبيك، وخُطوه الذي ما دنا مني، رسمتُه وعقصتُ له جدائلي وانتظرته، ولم يأت والدك، ولم تغني له “ستّك” (مد ايدك حنّيها يا عريس.. مد ايدك حنيها يالا.. يالاَ لالاّ). بهتتْ أثواب عرسي في صندوقها ووالدك لم يعد، قالوا التهمتْ ساقه قذيفة، وخطفته زنزانة، لن أدعك ترحل كأبيك، كيف لابن الخامسة تهديد الكبار!
هُرّبتَ إليّ من زنزانة أبيك ماءً في شريحة، لم أُخبر فيها رعشة النساء، كانت رعشة المقاومة العنيدة، تسلّل إليّ والدك رغوة على شريحة، مخبأة في كُمّ عمك من معبرٍ إلى آخر، رائحة استعصتْ على أجهزة أمنهم، وأنوف كلابهم البوليسية، والتقاني في أنبوبٍ كان لقاء زفتنا الأول، في أنبوبٍ كان هو سرير زواجنا الذي أحتفظُ به منه، أتحسّسه فيه وأشمّه وأخفقُ له، أنتَ الرسم الذي لوّنتُ، أنت ساق والدك أرادها جناحين، أنتَ قطرة هُلام نفخَتْها في روحي المخدّرة حقنةُ طبيب تعلن انتصار أبيك، قطرة الماء التي هزمتْ قضبان الزنزانة الهشّة، لم يمسسني بشرٌ يا ولدي، لكنني لستُ “مريم” ولم تكُ “المسيح”، أمك المُحتلَّة، ووالدك طائر الفينيق.