فارس أحمد العلاوي (سوريا)
شارع الصريم
شارع الصريم واحد من شوارع مدينة طرابلس المعروفة ، وهو يقع بين شارعي النصر والجمهورية ، شيد مساكنه الحديثة نسبياً بعض صغار التجار والحرفيين من الليبيين والإيطاليين، وذات الأمر ينطبق على شارع ميزران وجادة أبي الخير ، وشهدت ساحة شارع الصريم في بدايات الربع الثاني من القرن الماضي كثيراً من مباريات كرة القدم التي بدأت تنتشر في ذلك الوقت بين شباب مدينة طرابلس ، والتي كان فيها ملعب رسمي واحد في منطقة أبي الخير ، وثلاث ساحات كانت تستخدم ملاعباً لكرة القدم ، وهي ساحة التوغار بشارع ميزران ، وساحة ميدان معمل التبغ بباب البحر ، وساحة شارع الصريم التي ذكرناها أعلاه .
يعرف حي شارع الصريم بحي الزهور، وذلك لكثرة الأشجار في بيوته ، فلكل بيت حديقة تظهر أشجارها ونباتاتها من خلف السور ، والشارع ذاته فيه كثير من أشجار الزينة التي يلتف بعضها على بعض ، وخاصة في الجزء المرتفع من الشارع ، وبعضها نباتات لا يغيب اللون الأخضر عنها في كل فصول السنة ، فهي دائمة الاخضرار، وإلى جانب هذا الحي بني حي شعبي يعتبر الأول من نوعه في طرابلس عرف باسم المنصورة ، حي يضم مساكن شعبية هي عبارة عن عمارات لا يزيد ارتفاعها عن الطوابق الأربعة ، لونها مشابه لألوان بيوت شارع الصريم ، ولذلك لا يمكن لزائر هذين الحيين التمييز بينمهما إلا من ارتفاع البيوت في كليهما ، فبيوت شارع الصريم كانت كلها طابق واحد ، وهذه حالها منذ أن شيدت في عهد الايطاليين ، ولكن تغير الحال فيما بعد ، فبني أصحاب بعض البيوت طابقاً أو أكثر ، وفتح بعضهم الآخر محلات ودكاكين ، وكون بيوت هذا الشارع من طابق واحد جعل من الكثافة السكانية قليلة فيه ، ولذلك فإن شارع الصريم هادئ ، ولولا المحلات التي فتحت من بيوته لم تكن لتجد حركة مشاة كثيفة فيه.
ومن أشهر معالم شارع الصريم جامع بو حميرة ، وجامع بني باني ، وفرع لمصرف الجمهورية ، وفرع للجوازات ، ومدرسة شارع الصريم الابتدائية المعروفة منذ ستينيات القرن الماضي ، ومن معالم شارع الصريم السفارة النيجيرية ومصحة نور العيون ، وغيرها من معالم غابت عن الذاكرة ، ولكن من بين تلك المعالم واحد لا يمكن أن يغيب عن ذاكرتي مهما توالت الأيام والشهور والأعوام ، هذا المعلم هو بيت أستاذنا الأديب الليبي الكبير الأستاذ “علي مصطفى المصراتي” فيه ، وما كان لي في يوم من الأيام أن أتردد على هذا الشارع ، وأن أتعرف عليه لولا وجود ذلك البيت فيه ، لا أذكر أول مرة دخلت إليه ، لكن ما أذكره أنني كنت حينها قد طبعت أحد مؤلفاتي عن المصراتي ، وجئت من دمشق بمجموعة لا بأس بها من النسخ هدية إليه ، اتصلت به على الهاتف ، وأخبرته أنني جئته بنسخ من كتاب جديد أريد أن أقدمها إليه ، كنت أعرف مسبقاً أن بيته في شارع الصريم ، لكنني لم أزوره ولم أدخل إليه ، فذكر لي العنوان ، المهم أنني حين وصلت إلى الشارع سألت عن العنوان بعض المحلات الموجودة في ذلك الشارع ، فدلني أحدهم عليه ، وبسبب تشابه البيوت المؤلفة من طابق واحدة لم أهتدِ إلى البيت ، فطرقت باب بيت ظننته بيته ، لكن تبين لي أنه ليس البيت المقصود ، وذلك بعد أن أخبرني أهل ذلك البيت أن بيت المصراتي هو البيت المجاور لهم ، وكل ما سبق ليس هو بيت القصيد ، وما بعده هو الذي كنت أبحث عنه ، وقد وصلت إليه ، استقبلني الأستاذ المصراتي مرحباً في تلك الغرفة التي يستقبل بها ضيوفه التي يغلب اللون الأحمر على أثاثها وستائرها ، قدمت للمصراتي النسخ التي جئت بها من دمشق ، وقد سرَّ بها المصراتي كثيراً ، ثم قدم لي الضيافة ، وحدثني عن الغرفة أو الصالة التي جلست بصحبته فيها ، ومن استقبل فيها ، وحدثني عن الصور التي كانت تزين جدرانها ، وقد ترددت على هذا البيت أكثر من مرة كان آخرها سنة 2006 ، وكنت كلما تذكرت بيت المصراتي تذكرت شارع الصريم ، وكلما تذكرت شارع الصريم تذكرت بيت المصراتي، وهل هناك أجمل من أن يقرن شارع باسم أديب كبير.