تقارير

حوش القرمانلي.. ذاكرة مدينة تضج بالحياة

تصوير: مهند شريفة

حوش القرامانلي (تصوير: مهند شريفة)


أعلن مطلع شهر نوفمبر الفارط عن إعادة افتتاح معرض طرابلس التاريخي أو (حوش القرمانلي) الكائن في مدينة طرابلس القديمة بعد فترة إغلاق دامت عدة أشهر في ضوء تفشي فيروس كورونا والتدابير التي اتخذت لمجابته والتقليل من آثاره السلبية، فمتى ما وطأت هذا البيت فكن على يقين بأنك ستلج التاريخ وستشتم حكايا الأسلاف بضوع البخور وابتسامات الحنين اللاذع للجلد الذي يُربّت على عمق ذاكرتك مليًا.

إنه حوش يوسف باشا القرمانلي آخر الصروح المتبقية التي تشهد على مرحلة زاخرة ومهمة من تاريخ طرابلس خاصة وليبيا عامة، فقد بُني هذا الحوش في منتصف القرن الثامن عشر إبّان تولي “علي باشا” لإيالة طرابلس الغرب في الحقبة الممتدة ما بين 1754م إلى حدود عام 1793م، وأثناء حكم “يوسف باشا القرمانلي” أستخدمه كمسكن خاص لنسائه ومحظياته وعُرف أوان ذاك الزمن بــ(حوش الحريم) وكان يُمنع ارتياد الرجال إليه منعًا باتًا باستثناء محارم النساء/ وحسبما ذكرته لنا المصادر التاريخية الموثوقة بأن “يوسف باشا القرمانلي” بقي مقيمًا فيه إلى أن وافته المنيّة عام 1838م وشُيّعت جنازته من وسط إيوانه. ثم ورث ملكية البيت صهر العائلة القرمانلية “مصطفى قرجي” فسكنه وعائلته لمدة من الزمن، حتى قرر لاحقًا بيعه للتاجر اليهودي “الرُبي ناحوم” الذي عمل على تحويل الدور الأرضي منه إلى سوق شعبي تباع وتخزّن فيه الأقمشة والسجاجيد، وعقب هجرة اليهود من ليبيا أقامت في غرفه مجموعة من العائلات.

حوش القرامانلي (تصوير: مهند شريفة)

.وتفيدنا في هذا الخصوص السيدة “بسمة الغزيوي” المسؤولة الادارية في المعرض التي التقينا بها، أن البيت عُد قبل زمن من أجمل وأبهى المنازل في مدينة طرابلس القديمة في تلك الفترة وتوالت الفترات الزمنية وجاء العهد العثماني الثاني فتحوّل الحوش إلى قنصلية توسكانا قبل توحّد إيطاليا ومضى سنوات تعرّض فيها المبنى لتصدّعات معمارية كبيرة نتيجة عوامل التعرية الزمنية ما أدى لتساقط بعض الجدران والأسقف مما أثر على جودة النقوش والزخارف المعمارية ما حذا بمشروع المدينة القديمة في إطار الاهتمام بالمباني والمنازل التاريخية للنهوض بهذا المنزل وإعادة إحياءه مجددًا، فخضع لأعمال الصيانة والترميم وأستعين بفريق هندسي متخصص ليبي وأجنبي للمحافظة على الطابع الأثري للنقوش الفسيفسائية، اضافة لنخبة من الباحثين والمهتمين للاستفادة منهم في بعض المعلومات التاريخية عن البيت وحقبته الزمنية، حتى أعيد إفتتاحه لأول مرة بتاريخ 27 أكتوبر عام 1994م من القرن المنصرم تحت مسمى جديد له وهو معرض طرابلس التاريخي.

حوش القرامانلي (تصوير: مهند شريفة)

وتضيف الغزيوي شارحةً بأن الحوش يحتوي على عدد من الغرف والحجرات كل حجرة وظفت وفق تقاليد البيت الطرابلسي مثل دار السدة الطرابلسية إذ لم يكن بيت طرابلسي يخلو من السدة وهي مكان مخصص للنوم بجهة حائطية مطرزة بالفضة وهناك الإطارات اليدوية التي كانت تُزّين بها الحجرات، ولدينا دار الأزياء التقليدية وهي تحوي جميع الأزياء والألبسة التقليدية سواء كانت نسائية أو رجالية مثل البدلة الكبيرة والبدلة الصغيرة وبدلة الجلوة والفرملة القديمة المسماة بفرملة القمرات أو الفرملة اليهودية ولدينا أيضًا قاعة دار الجلوس تتضمن مجموعة من الصناعات التقليدية المختلفة كصناعة الخزف والفخار والزجاج وصناعة الأحذية وكذلك أدوات صناعة الصوف وصناعة الحرير.

وتردف قائلةً، (فضلاً عن توفر جانب جسّدنا به الحياة اليومية كجلسات المساء حول (عالة الشاهي) واجتماع الجارات كل مساء مع بعضهم للتسامر وتجزية الوقت إحداهن تنشغل بـ(عالة الشاهي) والأخرى على الرحى ومن تعمل على النول وهي بمثابة المزيج لتبيان صور الترابط الإجتماعي والألفة ما بين العائلات، وكل حجرة كانت تقطنها عائلة لتلتقي الجارات مع بعضهن كل مساء وكنّ يتعاضدن في عمل مشترك يملؤه التراحم والود…ويتوفر في البيت أيضًا أدوات المطبخ المستخدمة قديمًا مثل (الطنجرة والكسكاس الطين) وتسمى الـ(المقفول) والرحى لتشكل مجموعة من الأدوات المستخدمة قديمًا، وفي الطابق الأول توجد قاعة النحاسيات وتوجد قاعة المراحل التاريخية يتوفر بها تماثيل (مانيكانات) تجسد من خلال كل حقبة تاريخية مرّت على طرابلس من العصر الروماني وصولاً إلى حقبة الاحتلال الإيطالي أيضًا تتوفر دار الناموسية والجلسة الخاصة بالمالوف ودار القبو وهي دار يوسف باشا القرمانلي)
وفي حويصلة خطواتك تخرج من جدران هذا الصرح وأنت مكلل بضوع ينفذ إلى أغوار نفسك إنه الحنين لتاريخ مضى وذكرى انطوت باختلافات ألوانها وقصائد حكاياها الشائقة التي ترويها الجدات ويتحلّق حولها الأبناء والأحفاد يصيخون السمع ويرهفون مسام الذاكرة .

مقالات ذات علاقة

ماذا فقدت مدينة درنة؟

المشرف العام

متحف حي في قلب أثينا

عبدالسلام الزغيبي

سنة ثقافية ليبية واعدة والمبدعون يضيئون شموع الأمل

خلود الفلاح

اترك تعليق