قصة

ليالي (خفافيش) القرية

من أعمال التشكيلي العراقي علاء بشير (الصورة: عن الشبكة)


ذات يوم أمسى سكان القرية على حدث لم يكن معتادا في تاريخ القرية.. كانت تلك القرية قد شهدت موقـفا أثار الفزع والتطاير في نفوس السكان.. فقد امتلأت سماء القرية بالخفافيش.. لم يألف السكان هذا الزخم الكبير من تجمعات تلك الطيور وقد تراءي للسكان بأن هذه التجمعات غير المألوفة قادمة من خارج القرية.. كان تحرك تلك الطيور وهى تعدو وتغدو فوق رؤوسهم تولد في نفوسهم شرا مستطيرا بأن هذه الحيوانات الصغيرة قادرة على إهلاك قطيع كامل من الحيوانات وهى تنشب أسنانها لتلعق دمائها..

كان يخيل للسكان ان هذه الحيوانات قادمة من الجحيم!! لقد تتطير السكان من هذا المشهد بأن قدوم تلك الخفافيش هو فأل شر.. تلك الحيوانات الصغيرة لم تتوقف عن الطيران وكأنها تعد لعمل عدواني يطال الحيوان والإنسان.. لقد رأي السكان أن هذا القدوم غير المتوقع كان غزوا خارجيا يؤدي الى النيل من القرية ككل دون تميز.. ما بين الأنسان والحيوان.. فهذا القدوم يبدو غير مرحب به من السكان وشعروا بأن هذا الحضور القادم من خلف أسوار القرية سوف يجلب معه الكثير من المتاعب للسكان الآمنين في ديارهم..

كانت الفاجعة الكبرى عندما استيقظ السكان في الصباح ووجدوا منظرا تقشعر منه الأبدان.. كان الدم يغطى أجسام السكان.. فلقد تسللت تلك الطيور الى داخل المنازل وكانت لها القدرة حتى التسلل من النوافذ للبيت.. كانت قادرة على الهجوم في أي مكان ومن خلال أى مكان.. لقد اندفعت تلك الطيور لتغرس أنيابها في أجساد الناس داخل بيوتهم وهم في غفلة..

لقد بلغ السيل الزبى من هذا الخطر الداهم في حياتهم الذى لم يكم منتظرا أن تسوق الأقدار اليهم دون رؤية واضحة لهذه الرزية التي ألمت بهم.. لقد أصبح التهديد واضحا بكل جلاء عندما تسلقت تلك الحيوانات أسطح شوارع المدينة حتى أرعب السكان من هذه التجمعات بشكل رهيب.. فهي تتفرس في وجه المارة جيئة وذهابا وكان السكان ينظرون اليها وهم مطأطئون رؤوسهم وجلا وخوفا من تهاجمهم..

وفى يوم قرر السكان إعداد المواجهة لهذا العدوان الغاشم وتنادوا لاجتماع في قاعة البلدية لدرء هذا الخطر المتواصل في حياتهم.. وعقدوا الاجتماع الذي ضم غالبية سكان القرية للتواصل حول الموضوع.. وفى داخل القاعة ارتفعت صيحات التنديد بهذا الهجوم الذى نغص عليهم حياتهم وضيق عليهم معيشتهم و كانت خطاباتهم تتواصل و كأنهم في معركة قد حمى وطيسها.. وقرروا تشكيل لجنة للمقاومة على أن تعقد في اليوم التالي للمواجهة ودرأ الخطر وتطوع الكثير منهم على أن يلتقوا معا ويعد العدة لمقاومة هذا المحتل المصادف..

لقد أيقن السكان بهذا الزحف سوف يسلب منهم حريتهم ويجعل منهم عبيدا لهذا الغزو وسوف يسلمون رقابهم لسيف السياف ويأتي على أرزاقهم ومقدراتهم ليكونوا عبيدا لا أسيدا في ديارهم.. لكن في اجتماع المواجهة الموعود لم يأتي ألا بضع من الناس وتخلف الكثير منهم عن الاجتماع والحضور.. وعندما أنتظر هذا الجمع الصغير البقية أن تأتى ولم تأت البقية الموعودة فهذه القلة الحاضرة لم تكن تقوى وحدها على المقاومة وانفض اللقاء سريعا.. أدرك البعض أن الخوف دب في نفوس تلك الجماعة فاستنكفوا عن الحضور عندما ارتأوا أن غضب تلك الطيور سوف يلحق بهم فهي تملك آذان واسعة قادرة على استراق السمع من أميال وتحديد من سوف يقاومهم.. ولعل مناداتهم للتحدي قد وصل اليها وسوف يلاقون العقاب اذا ما عزموا على التحدي ومقاومتها.. ومن ثمة تراجعوا ولم تقر المقاومة على شيء وعاد السكان للاستكانة والضياع.. وظلوا تحت رحمة تلك الطيور في حياتهم التي استوطنت أرضهم.. وسلبت منهم وسائل الحياة.. وسلبت منهم حياتهم على التحرك في أن يكونوا.. وأيقنوا أنه لا يأتي من الأجنبي القادم أي شيء يذكر سوى التعاسة.. وسلب الحرية..

مقالات ذات علاقة

زَهرة تحت الرُكام

سمية أبوبكر الغناي

قمرُ زمانِها

إنتصار بوراوي

ذاكـرة الأصـابع

رزان نعيم المغربي

اترك تعليق