الشاعرة حواء القمودي
سيرة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (53)

مكتبة (سبها) للكتب المستعملة…

إلى روح الأستاذ (محمد البخبخي)

حين عثرت عليها  كأنني اكتشفت كنزا، وطالني استغراب كيف أني لم أنتبه لها باكرا، (مكتبة سبها) وحين دخول (شارع ميزران) من اتجاه (ميدان الشهداء)، كنت أعبر ذات يوم لأتحقق جيدا من كلمة (مكتبة) علي يميني بعد عدة محلات ثياب وأحذية، وقبل موقف السيارات المقابل لمدرسة (الجلاء)، خفق قلبي وأنا أعبر العتبة  وأجد كتبا متنوعة، وحتى أني سأجلب مجموعة كتب مستعملة لأقايضها بكتب أريدها،  لكن صاحب المكتبة رفض ذلك ووضع سعرا اعتبرته بخسا فأخذت كتبي وخرجت، ولكن سأعود فليس ثمة مغنطيس أقوى من الكتب لجذبي، عدت وصرت صديقة للمكتبة ولصاحبها الأستاذ “محمد البخبخي” والذي  كان (آمرا لمعسكر سبها في 1969) ثم استقال، وها هو في عشرية التسعينات حين تمّ الرضا عن العمل الخاص يفكر في إنشاء هذه المكتبة، وفي المكتبة أيضا سأتعرف على “ثريا” من تساعده في استقبال الزبائن والبيع، وستصبح هذه المكتبة مكاني الأثير وسألتقي بها شخصيات رائعة مثل الأستاذ (محمد الفرجاني) صاحب مكتبة (دار الفرجاني) الذي سيحكي لي عن اغلاق المكتبات الخاصة، وكيف لم يقف عاجزا بل بدأ من جديد وأنشأ مكتبة في (لندن)، وتعرفت أيضا على الأستاذ “محمد  دعاب”.

الأستاذ محمد البخبخي، صاحب مكتبة سبها (الصورة للكاتب خيري جبودة).

وسأنتبه لمكتبات عشاق كتب يتخلص منها الأبناء بمجرد رحيلهم، وسأجد في كتاب ما مجموعة صور لمبدعين ليبيين (عبد الرسول عريبي، حسين المزداوي، عمر الككلي)، وكتبا بها إهداء وووو ستكون (مكتبة سبها) هي مكان آخر لقاء وفنجان قهوة مع صديقي “عادل عبد الواحد” في فبراير2000م، ومن المكتبة سأتعرف على أسرة الأستاذ البخبخي (طارق او حاتم وأمين وايمان) و أيضا ستكون مكانا لمناقشة قضايا ثقافية مثلما حدث عندما  جاء الشاعر “ابوالقاسم المزداوي” ثم دخل الدكتور “عبد الله إبراهيم” دكتور الأدب في جامعة زوارة، وحينذاك انعقدت حلقة نقاش عن الإبداع والشعر وتلك الأمسية الأدبية التي أقيمت في (مجمع الفتح الثقافي) والتي شارك فيها “د.عبد الله” والدكتور “صالح هويدي”، وكم كان حزني كبيرا حين اضطر الأستاذ “البخبخي” للتخلي عن هذه المكتبة لارتفاع  الإيجار، ولأن  الوارد منها لم يعد يوازي قيمة الايجار الجديد، وحين أعبر من (شارع ميزران) لابدّ أن أنظر باتجاه اليمين لأشاهد ذاك المكان  وأتذكر صاحبها “البخبخي” الذي كان آخر لقائي به (رحمه الله وغفر له) في أمسية بمركز جهاد الليبيين أواخر عام 2011م، ولأتذكر أنه حكى لي ذات  نهار عن اختفاء (موسى الصدر) ومن ارتدى ثيابه و صعد إلى الطائرة المتوجهة إلى روما، وأحاول  تذكر اسم ذاك الشخص ولكن دون جدوى، ربما لأن الخوف الذي تلبسني من تلك المعلومات أصدر الأمر لذاكرتي كي تمحو ما سمعت.

كائنة من عجينة الحنان: وجدان شكري عياش.

وها أنا في عتبة الحلقات الخمسون من سيرة بدأت هكذا، حين جلست لأكتب عن (حواء)، هذه التي في متن الحكاية تجد نفسها في الهامش، وكأن كل تلك المعركة هي (هباء)؟؟؟

وربما كتابة هذي السيرة هي نوع من (المقاومة)، مقاومة هذا القضم المتسارع لسنوات العمر، وأيضا وفعلا (محاولة قبض) على ما تبقى في الذاكرة من حكايات، حكايات جدلت ضفيرة عيش ومحاولة تحقق، وها أنا في يوم الثلاثاء (28/7/2020)، في اليوم السادس من شهر ذي الحجة 1441هجري، بعد العام التاسع من (ثورة 17فبراير2011)، مازلت أتنفس وأقرأ وأحلم وأشاغب وأبتسم، وأضحك حين أقرأ منشورا لصديقة حقيقية، او لصديق افتراضي، وأنتبه لغياب الشاعر (جمعة الموفق) بعد قصيدة اخيرة وخبر عن صدور رواية له، نعم؛ هو الصمت موقف حين صار الكلام مجرد لغو، لا بأس (يا حوا) أنت كعادتك تثرثرين: انتبهي بتاريخ ميلادك الهجري أنت في دائرة برج (الأسد) وووااااوووو وعلى (اللبوة) أن تواصل المعركة، فلا يجدي التوقف بعد كل هذه الخسارات؟؟؟؟

الشاعرتان: وجدان شكري عياش وحواء القمودي

عذرا للرائعة الشاعرة الصديقة “وجدان شكري عياش”، لأني قد دخلت في (جيب نفسي) وأنا أريد الحديث عن هذه التي تحاول الصفات الاقتراض من بهائها، كيف كنت جالسة في نهاية الثمانينات (ربما 1988/ 1989) عدت من امتحان إلى بيت (خالتي سالمة) ربما كنت استمتع بكوب الشاهي بالحليب حين (شرين) الهاتف وارتفع رنينه، و(جمولة) ترفع السماعة وتتكلم وتضحك (توة عندنا والله)، من هذه التي تبحث عن (الشاعرة دلال المغربي) ووااا آخذ السماعة ليبدأ حديث وتبدأ صداقة، تتواصل قبل أن نلتقي عبر رسائل متبادلة، “وجدان” التي نشرت قصائد لي ولشعراء ليبيين في ذاك العالم الجديد (عالم النت والمواقع الأدبية)، منذ بداية التسعينات، وظلت (عصفورة الدهشة) التي تنقر جبل اللغة، وتنحت من فيض مشاعرها قصيدتها، وتواصل محبتها وحنانها وعطائها، ليس هينا جرح الفقد، وحين يكون المفقود وطنا، وتلك الصغيرة التي في عامها الرابع ستأتي مع أسرتها إلى (بنغازي)، ومثل أي بنت أنثى مبدعة ستظل تحت وطأة الغرابة، لكنها مثل (جنية الحكايات) تنهض في كل مرة.

اتصالات ورسايل قبل أن يكون اللقاء، في صباح صيفي في مبنى (المؤسسة العامة للصحافة) في الدور السابع حيث (مجلة البيت)، أطل من شباك لأنظر زرقة البحر و(ضيفة تسأل عليك) التفت لأجد طفلة تضحك وتقول بصوت عالٍ (يا هبلة نا وجدان) ليكون صخب وضحك احتضان وقبلات.

حين تبادلنا الرسائل اقترحت أن تختار كل واحدة اسما مميزا لها، فكانت هي (عصفورة الدهشة)، وكنت أنا (يمامة الفوضى)، وظلت هي عصفورة دهشة تجوب عالم الكلمات وتفيض على كل الكائنات بحنانها.

حين اكتمل قمر ديوانها الأول (قصائد تتعقب ألفة الحروف) وظهر، كتبت تحية لديوان يتمايل بنشوى الحب وعربدة الجسد، ونشرت القراءة في الفصول الاربعة، “وجدان” الصديقة/ الأيقونة، تظل توقظني صباح يوم ميلادي 6/11 برسائل تفيض حبا بهجة وصفاء، تجيء طرابلس فنلتقي ودائما ستحفظ الذكرى بصور، أحبّت مقهى ومطعم (المهلهل) في (زنقة بن ناجي) حيث غير بعيد مكتبة (مصطفى قدري)، مقهى المهلهل (النسائي) الخدمات حيث نجلس نثرثر ونشرب (الكابتشينو)، وجدان (القطة) التي تحب الحليب ومنتجاته والتمر، وجودها مثل نسمة عبقة، كلما حاولت أن اعرف السر، سر هذا الحب والتحنان الذي (رغم بعض ظروف مرت بها)، ظلا مثل نخلة سامقة تنمو  وتعلو وتغدق بثمرها ورطبها.

مقالات ذات علاقة

عاشق الثقافة

المشرف العام

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (45)

حواء القمودي

في ذكرى ميلاد (عقاد ليبيا) على مصطفى المصراتي

سالم أبوظهير

اترك تعليق