المقالة

احتفالية طرابلس بالفلسفة

من أعمال التشكيلي الليبي محمد نجيب
من أعمال التشكيلي الليبي محمد نجيب

في مناسبة اليوم العالمي للفلسفة، نظمت الهيئة الليبية للبحث العلمي بالعاصمة طرابلس، احتفالية تكريما لبعض اساتذة الفلسفة بالجامعات الليبية، كنت هناك ضمن المكرمين، وعلى الهامش، اقيمت ندوة حوارية تكريما لروح استاذ الفلسفة، الدكتور رجب أبودبوس، بحضور كوكبة من اساتذة الفلسفة، اذكر : أ. د : المهدي امبيرش، أ. د : سالمة عبدالجبار، تستدعي قصاصات من افكاره التي حوتها مؤلفاته، إ. د. فتحية دغيم : قدمت مقترح أطروحة لنيل الاجازة العالية ( الدكتوراه ) في فكر وفلسفة المفكر الفيلسوف رجب ابودبوس، مؤكدة على ” ان فكره لن يموت، وانه فكر حي يخدم كل المراحل الفكرية.. الفلسفية وفي شتى المجالات “. أ. د : سرتية مفتاح، منسقة الاحتفالية، تقترح اقامة ندوة تتناول كتابه ” تبسيط الفلسفة، بعد استرسال في ذكر مناقبه، وغيرهم ممن لم يسبق لي المعرفة بهم، جل الكلمات حملت رثاء لرحيله، واستدعاء لأفكاره حينا اخر.

عبر التاريخ، لعب الفلاسفة الفرنسيون دورًا هاما في تشكيل المشهد الفكري الذي ساهم في الثورة الفرنسية.. لقد عززت افكارهم مفاهيم الحرية والمساواة والإخاء.

كان فولتير (1694-1778) من أشد المدافعين عن الحريات المدنية وحرية التعبير، ساعدت انتقاداته للنظام الملكي في تقويض السلطة التقليدية.. اما جان جاك روسو (1712-1778) في كتابه “العقد الاجتماعي” فقد اعتبر أن شرعية الحكومة تأتي من موافقة المحكومين، وقد ألهمت أفكار حول السيادة الشعبية الزعماء الثوريين، والدعوة إلى مجتمع أكثر ديمقراطية.. ايضا مونتسكيو (1689-1755)، في كتابه “روح القوانين”، في دعوته إلى الفصل بين السلطات داخل الحكومة منعا للاستبداد، وبالمثل، دينيس ديدرو (1713-1784) وقد ساهمت دعوته للتفكير النقدي في نشر الأفكار الثورية في جميع أنحاء فرنسا وخارجها.. وإيمانويل كانط (1724-1804)، الذي ساهمت افكاره حول الاستقلال والمنطق الأخلاقي في ارساء مُثُل التنوير التي غذت الحماس الثوري.

بالإجمال، لقد أدت الجهود الجماعية لهؤلاء الفلاسفة وغيرهم إلى خلق بيئة فكرية، شككت في مشروعية السلطة التقليدية، ودافعت عن حقوق الإنسان، والحكم العقلاني.

بشكل عام، قدم مفكرو عصر التنوير الأساس الإيديولوجي للثورة الفرنسية، وألهموا الزعماء الثوريين وعامة الناس السعي إلى التغيير وتحدي النظام الاجتماعي والسياسي القائم. وكانت أفكارهم تتمحور حول التعبير عن المظالم، وتصور مجتمع جديد قائم على المبادئ الديمقراطية.. وكانت كتبهم مصدر إلهام عظيم للناس.

انطباعي الاول – عن الجزء الذي تيسر لي حضوره – ان انتفاضة الجياع في 17 فبراير وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.. او بالأحرى انتفاضة الحريات حققت اهدافها الى حد كبير، اذ ان الحديث عن الدكتور ابودبوس والإشادة بفكره في ارفع مؤسسة اكاديمية بالدولة الليبية.. وفي قلب العاصمة طرابلس، وهو الذي تعرض للسجن ما بعد فبراير، بتهمة تغييب الوعي المجتمعي، ومداهنة السلطة القائمة، يعد تطورا ملموسا نحو حرية الكلمة والتعبير، بل وان احد المتحدثين استخدم لفظ “جرذان” في اشارة للمنتفضين في فبراير. ولم يلقى اي اعتراض.

الانطباع الثاني، حول اهمال نال من الفلسفة، ويبدو ان وزارة التعليم مدركة للأمر، فقد صدر قرار وزير التعليم ( رقم 1034 لسنة 2022 )، القاضي بتشكيل لجنة لوضع تصور إدراج مقرر الفلسفة في جميع المراحل الجامعية، لا ادري ما المطلوب من اللجنة انجازه، لقد مضي زمن طويل ولم نرى ما انتهت اليه اللجنة، او لعل عارض ايدولوجي اوقف المشروع، وكان يكفي الايعاز للكليات بالتواصل مع اساتذة الفلسفة لتولي المهمة. او التنسيق مع الاقسام المختصة.

الحديث عن مشروع مستقبلي لإدراج الفلسفة بمراحل التعليم، يقود القارئ احيانا الى تذكر اللحظة الرشدية داخل اروقة ذلك الكل المعرفي المتراكم عبر خمسة عشر قرنا من الزمان، والى رعاية أبي يعقوب يوسف عبد المؤمن (1123-1184م) للفيلسوف العربي ابن رشد (1126م/520 هـ) وللفلسفة بوجه عام.. الذي تجلى في رد ابن رشد على شطحات الغزالي في كتاب ( تهافت الفلاسفة.. بكتاب اسماه “تهافت التهافت ” يعتبر الدين مشتملا علي حقيقة فلسفية صبت في قالب رمزي.

” وابن رشد اهم في الفلسفة المسيحية منه في الفلسفة الاسلامية، فهو في الفلسفة الاسلامية يعد نهاية طريق مغلق، بينما هو في الفلسفة المسيحية بداية الطريق.. وكان تأثيره في اوربا عظيما جدا. حفز المسلمون والبيزنطيون كلاهما بلاد الغرب على النهوض بعد ان زالت عنها غمرة البرابرة ”. كما يقول الفيلسوف رسل.

وحول استحضار اللحظة عينها يقول الدكتور انطوان سيف من لبنان : “هذا المجهود لاستحضار الغائب الكبير ” ابن رشد ” لا يداور لحجب غايته : الوقوف بوجه حركات التطرف الديني المنتشرة في بعض بلدان العالم العربي اليوم، التي تتوسل العنف المسلح كطريق أوحد للعمل السياسي وللتعبير عن مواقفها، وترفض الحوار العقلاني الحر، والاعتراف بالآخر، والحق في الاختلاف. وان الخوف الواسع من هذه التوجهات وأمثالها، ينبع من كون ذاكرة الناس تعج بالعديد من الأمثلة التاريخية الحية المرعبة “.

الجابري الفائز بجائزة ابن رشد 2008 يكتب : ” الفلسفة اليوم اما غائبة واما مهمشة، كما في اقطار المشرق. اما في المغرب العربي حيث كان للفلسفة مكان واعتبار في المدارس الثانوية والجامعات وسوق الثقافة عموما.. فقد تراجع حضورها وتقلص لأسباب سياسية في الغالب.

الفلسفة مطلوبة، اليوم على الاقل.. من الكلام في الشؤون العامة ومناقشتها وإبداء الرأي فيها والحجاج حولها نشأت الفلسفة في اليونان، ومعلوم ان الكلام والمناقشة والحجاج والجدال في الشئون العامة، كل ذلك انما يتم بواسطة اللغة، واللغة السياسية بالتحديد. وبتعبير – (جان فيرمان) في كتاب له صغير لكنه جيد ومرجع في الموضوع –.. الحضور الدائم للكلام وتفوقه على الوسائل الاخرى التى تمارس بها السلطة.. “العقل اليوناني لم يتشكل من خلال علاقة الانسان بالأشياء (الطبيعة) بقدر ما تكون خلال علاقة الناس بعضهم ببعض ”. العودة الي الفلسفة هي اليوم، كما كان الشأن بالأمس ضرورة.. العودة الي الفلسفة حكمة “.

إن مهمة الفلسفة ضبط وتعزيز قدرتك على استكشاف التفاصيل الدقيقة للفكر البشري، وتعلم مهارات التفكير النقدي، وبناء حجج متماسكة. والتأمل الذاتي، والفهم العميق للأسئلة الأساسية حول الوجود والمعرفة والقيم.

باختصار، دراسة الفلسفة تنمي التفكير النقدي والتحليلي، وتعزز قدرات التواصل للطلاب بمختلف المسارات المهنية مع تعزيز النمو الشخصي والفكري.

هناك على الطاولة في حفل الشاي يوجد إبريق كتب عليه : نحن هنا جميعًا مجانين.. وطالما لم تشكك في السلطات القائمة، فأنت مواطناً صالحاً.. ولن تقع في مشاكل مع الشرطة. وهذا أمر رائع، فقد قال العديد من المفكرين والفلاسفة أن الديمقراطية ليست الشكل المثالي للحكم، وأبرزهم سقراط، الذي اعتقد انها عرضة للديماغوجية وحكم الغوغاء، وفي نهاية المطاف تنتهي إلى شكل من أشكال الاستبداد، حيث يستولي أسوأ عناصر المجتمع على السلطة. وكان يزعم أن الديمقراطية الحقيقية تتطلب مواطنين متعلمين وفاضلين، وأن أغلب الناس غير قادرين على الارتقاء إلى مستوى هذه المعايير.

ما فعله سقراط، طرح الأسئلة، والذي عد أمر خطير، خاصة بالنسبة للشباب على ما يبدو، لذا أعدم من قبل دولته. والسبب في ذلك هو أن التشكيك في القيم والمواقف والمعتقدات والثقافات والحكام والأيديولوجيات قد يؤدي إلى ثورات وانتفاضات من قبل المواطنين والرعايا.

غالبا، ترسيخ سلطة الأثرياء والحكومة، تنتهي إلى حرب أو انقلاب، لذا ذهب البعض الى القول : ” إن الشكل الأفضل للحكم هو وجود دكتاتور مستنير، إذا كان بوسعك أن تحصل على واحد.

اجمالا، بالمعرفة تبنى الاوطان.. واختيار شخصيات من ذوي الكفاءة والخبرة لإدارة مؤسسات الدولة.. الخيار الامثل لرسم خطوط مستقبل واعد للأجيال القادمة.. اس البناء وعماد المستقبل.. التكليفات التي تتماهى مع الانتماء القبلي.. اشبه بتقاسم غنيمة.. في وطن تحول الى كعكة يسيل لها اللعاب.. وعندما يتعلق الامر بمؤسساتنا التعليمية.. يصير الاثر السلبي اكثر شراسة وقسوة.. وخنجر في ظهر الوطن.. وخداع للأجيال.

مقالات ذات علاقة

هرطقات ليبي معزول (5): عن العروبة ومستقبلها

مصطفى بديوي

قرقارش ولا شيء غير قرقارش

خالد درويش

شعب الله العجيب

محمد عقيلة العمامي

اترك تعليق