الطيوب | متابعة وتصوير : مهنَّد سليمان
إحياءً لحلول الذكرى الـ533 لسقوط مدينة غرناطة وإنهيار الدولة الأندلسية 2 يناير 1492م استضاف مجمع اللغة العربية بطرابلس مساء يوم الإثنين 27 يناير الجاري ندوة علمية نظمتها الجمعية الليبية الأندلسية حملت عنوان (قراءة في أواخر النصوص الغرناطية) إذ شارك في الندوة التي قدّمها وأدارها الدكتور “علاء الدين الأسطى” كل من الدكتور “عبد الله الزيات”، والدكتورة “نزيهة أبو القاسم الرجيبي”، والدكتور “عبد الستّار بشيِّة”.


قصيدة رثاء رندة لشاعر مجهول
فيما قدم الدكتور الزيات سردية استهلالية بيّن من خلالها أنه بسقوط الأندلس قد قُضي على هذه الأمة أمة الأندلس التي تكاد تكون مُوحيت من التاريخ لولا الماضي ولولا التراث والكلمة التي لا تَفنى، مردفا بالقول : نحن نعيد قراءة سقوط غرناطة كي نتجنّب سقوطا آخر سواء في عصرنا الحاضر أو المستقبل، من جانب آخر أضاء الدكتور الزيات على قصيدة لشاعر أندلسي مجهول رثى فيها مدينة رُندة وعدة مدن أندلسية أخرى في العقد الأخير من تاريخ المسلمين في بلاد الأندلس، ومدينة رُندة تعد من أقدم المدائن الأندلسية بها آثار كثيرة وهي تتبع محافظة مالقة، ونظم الشاعر هذه القصيدة على البحر الطويل وهي تتجاوز المائة بيت بأربعين بيتا طُبعت لأول مرة في الجزائر عام 1914م بواسطة “محمد صوالح” الذي طبعها عن مخطوط حيث لم يُهتدى إلى شاعرها قط، وأشار الدكتور الزيّات أن القصيدة المذكورة حسب “محمد عدنان” قيلت عقب سقوط مدينة غرناطة بنحو سبعة سنوات وتحديدا عام 897 ومن المرجح أن يكون قائلها نظمها في سقوط مدينة رندة فالعقد الأخير من القرن التاسع الهجري شهد سقوط وتداعي العديد من المدن والحصون والقلاع الأندلسية، وتابع الدكتور الزيات بالقول : إن الدكتور الطاهر مكي يُرجح بأنها أي القصيدة نقلها أحد المورسكيين المهاجرين إلى الجزائر بعد أن نُسخت بغرناطة عام 897 وهو عام سقوط غرناطة، كما أشار الدكتور الزيات إلى خصائص القصيدة وظاهرة التكرار التي وظفها الشاعر للدلالة على التأكيد وتركيز الحدث مستخدما مصطلحات او كلمات تدل على الاستغاثة فضلا عن الصور البيانية المتنوعة لرسم المنظر العام وواقع الحال أوان ذاك الزمن.
لغة الألخميادو تُنقذ مسلمي الأندلس
بينما شاركت الدكتور “نزيهة أبو القاسم الرجيبي” بورقة عن لغة الألخميادو الأندلسية والهُوية الثقافية في مواجهة محاكم التفتيش مضيفة بأن هذه اللغة تعتبر شاهدا حيا على صمود المسلمين في الأندلس إزاء محاولات طمس ملامح هويتهم الثقافية والدينية فبعد سقوط غرناطة عام 1492م، وبعد معاهدة السلام بين الملك أبي عبد الله وإليزبيث والتي تعهد بموجبها الملكان بالابقاء على حرية الديانة وحرية الهوية والثقافة بيد أنه بعد فترة وجيزة تم نقض العهد وأصبحت بنود معاهدة التسليم تسقط الواحدة تلو الأخرى، وأردفت الدكتورة نزيهة بالقول : وأقيمت محاكم التفتيش بغية اضطهاد المسلمين واليهود وجميع المخالفين للديانة المسيحية مما جعل المسلمين مجبرين على التنصير القسري أو التهجير القسري الأمر الذي دفع بمن تبقى من المسلمين في الأندلس للجوء إلى حيلة التقيّة متمثلة في لغة للتخاطب فيما بينهم أطلق عليها لغة الألخميادو، وهي مزيج مركب من اللغة القشتالية كتبت بحروف عربية فأخذت هذه اللغة منحىً متطورا حتى تشعبت إلى لهجات مختلفة داخل إسبانيا، وبذا تمكن المسلمين من الحفاظ على وعائهم الثقافي والديني والتاريخي والتعبير عن مشاعرهم وآلامهم بمنأى عن الخطر، وأوضحت الدكتورة نزيهة أن اللغة المشار إليها آنفا نشأت كرد فعل طبيعي على الممارسات القعمية والتعسفية التي تعرّض لها المسلمون تحت وطأة محاكم التفتيش التي كانت تفرض عقوبات قاسية على كل من يمارس شعائره الدينية ويستخدم اللغة العربية، وتضيف الدكتورة نزيهة بأن لغة الألخمياد شكلت درعا وقائيا للهوية الإسلامية وشكلا من أشكال المقاومة السلمية لمسلمي الأندلس بصورة سريّة.
قراءة في كتاب اللمحة البدرية في الدولة النصرية
من جهته تطرق الدكتور “نوري عبيريد” إلى أن موضوع هذه الندوة يعكس فهما حقيقيا للتاريخ يمكننا من أن نستفيد منه في ثنايا قراءتنا للتراث الأندلسي موضحا بالقول : نحن اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة ماسة إلى إعادة قراءته بشكل كامل وبقراءة جديدة بعيدة عن البكاء على ما سال من دماء والوقوف عند حدود التأبين ولوم الذات أو تحميل ما حدث بالركون إلى التفسيرات الظاهرة والمبررات الجاهزة، وفي سياق متصل شارك الدكتور عبيريد بقراءة نقدية في كتاب (اللمحة البدرية في الدولة النصرية) للمؤلف العلامة محمد لسان الدين ابن الخطيب، وأشار أيضا قائلا : إن ابن الخطيب قد امتاز بالتفاتة ذكية حين أطلق على كتابه عنوانا يعكس جمالية أدبية وإيقاعا موسيقيا بتخزل جهده واحساسه، وهو يعطي لمحة متوهجة ومضيئة عن دولة تمثل ذورة المجد في تاريخ الأندلس، وحرص ابن الخطيب على اتباع هذا النهج حتى في عناوين أقسام الكتاب، وأوضح الدكتور عبيريد أن الكتاب يقع في حوالي مائة وخمسين صفحة اقتصرت على ذكر غرناطة وتراجم سلاطينها والإيماء إلى أعيانها موزعة إلى خمسة أقسام، فالكتاب يطرح سردا تاريخيا للعديد من الأحداث التي مرت بها الدولة النصرية من تأسيس الدولة وصولا لقوتها وتحدياتها علاوة على تسليطه الضوء على الظروف السياسية والاجتماعية المصاحبة بمملكة غرناطة، ويدرس الكتاب العلاقات بين الحكام المحليين والقوى الخارجية والحروب التي خاضتها الدولة النصرية ضد الممالك المسيحية. فضلا عن عرضه للحياة الثقافية والفكرية بغرناطة والدور البارز للعلماؤ والفلاسفة.
رسالة أبي عبد الله الصغير إلى سلطان فاس
كما كان للدكتور “عبد الستّار بشيِّة” مشاركة بعرض بانورامي لرسالة أبي عبد الله محمد الصغير إلى الشيخ الوطاسي سلطان فاس ضمت قراءة فنية في النص الشعري مشيرا إلى أنه يُنظر لهذه الرسالة من الخارج إلى ثلاثة بين المرسل والمرسل إليه والنص بالإضافة إلى العامل المساعد الأول المتمثل في الكاتب والعامل المساعد الحافظ للنص وهو صاحب المصدر الأول الذي وثق الرسالة، والثاني الذي أورد النص في مؤلفه، فيما استعرض الدكتور بشيِّة نبذة مقتضبة عن المرسل أبو عبد الله محمد الصغير وكذلك المرسل إليه سلطان فاس مضيفا بأن هذه الرسالة كتبت بلغة راقية في نصها الشعري والنثري فصيغت بلغة عربية بالغة الاعتناء باللفظ والمعنى والصور والخيال والموسيقى الداخلية والخارجية، مبينا أن مرسل الرسالة اعتنى واهتم بخصائص كل جنس فني ومعاييره في الكتابة مما أعطى كل فن حقه من أسس قواعد بنيته العامة والخاصة، وتوقف الدكتور بشيّة عند خصوصية المكوّن الأدبي لنص الرسالة معتبرا إياها من النصوص الأندلسية المعبرة عن جودة وبلاغة أهل الأندلس فالقصيدة المرفقة ضمت 128 بيتا على البحر البسيط فقافية ميمية والروي مكسورليأتي مضمونها مدحا للسلطان الوطاسي ووصفا لأحوال بني مرين التي آلوا إليها والدفاع عن التهم المنسوبة إليهم.

