طيوب عربية

مراجعة رواية: شآبيب

إيمان محمد – مصر

تأليف: د.أحمد خالد توفيق.”
الناشر: دار الشروق.

“عرب المهجر” فكرة ارتكزت عليها الرواية وناقشتها بتبحُّر، أحوال العرب المشتتين في بقاع الأرض، العرب الذين قادتهم الظروف للاغتراب هربًا من معيشة صعبة أو يأسًا من إمكانية البقاء أو سعيًا وراء الأحلام، يجد هؤلاء العرب أنفسهم ضحيَّة للتعصب والكراهية ممَّن حولهم، تبدأ المجتمعات التي أذابوا أنفسهم فيها بلفظهم بقوَّة، سواء كان هذا في النرويح أو الولايات أو أستراليا أو حتى ليبيريا، الجميع اتَّفق على تحميل القلة العربية في المهجر ذريعة الكراهية، فيواجهون ألوانًا من الاضطهاد والذلّ والعذاب بلا سبيل للمطالبة بالحقوق. وسط كل هذا الاضطراب والغد المظلم تلوح بارقة أمل في الأُفق؛ أرض ميعاد جديدة تجمع عرب الشتات على سطحها، فرصة للبدء من جديد في أرض امتكلها أجدادهم في القدم وحان الوقت لاستردادها، كذبة ضخمة لجأ إليها عربي طموح واستطاع إقناع القوى العظمى بها، “إنقاذ العرب والخلاص منهم في نفس الوقت” كانت كافية لإقناع هؤلاء، اقتضى الأمر تزييف التاريخ كذلك لإعطاء هؤلاء العرب سببًا للهجرة بإقناعهم أنَّهم يستردُّون حقًّا لهم.

شآبيب الدولة الوليدة على حافة العالم، تضم عربًا من مختلف الأعراق والأديان والألوان واللهجات، يجمعهم فقد أنَّهم عرب مطرودون هاربون من مصيرٍ أسود إلى الخلاص.

بدأت الرواية من ختامها؛ جاءت النهاية أوَّلًا واضحة مقيتة محيِّرة، تجعلك تتساءل كيف وصل الأمر إلى هنا؟ ثم بدأت في سرد ما حدث وإخبارك بأدقِّ التفاصيل كيف آلت الأمور لهذا.

لم تعتمد الرواية فكرة البطل الواحد، أو لنقُل البطل أصلًا، جميع الشخصيات متقاربة لا يمكنك أن تطلق على أحدها بطلًا بارزًا، حتى لو كان لأحدها ظهورًا أكثر من غيره، فالأحداث كانت أقوى من أن يقودها بطلٌ واحد، الأحداث جاءت قوية جدًّا متَّسقة متصاعدة الوتيرة.

أسلوب العرَّاب -رحمه الله- لا يخفى على أحد، غارق في الواقعية والقرب إلى القارئ، يجلس جواره، يعرف كيف يفكِّر، يكتب الفكرة كما تحتاج أن تقرأها بالضبط، يُضفي أسلوبه روحًا مميزة للنص، يربط الماضي بالحاضر بخفَّة، يذكر لك لمحة من التاريخ، اقتطافًا من الأدب، ومضة من الفن، يعطيك شيء من كل شيء دون استرسال أو شرح، يرمي بذرة ويترك لك السُّقيا، فيقودك لاشعوريَّا للبحث والتزوُّد، يفتح لك آفاقًا جمَّة لتخرج من رواية واحدة إلى مئات المعلومات التي تقودك لمعرفة قوية لو تتبعتها.

شآبيب رواية مميزة، من آخر ما خطَّ الدكتور أحمد خالد توفيق ونشر في حياته، حالة تسيطر على شعورك بقوة، تمسُّك من الداخل بموضوعها الذي يتغلغل في كينونتك، القارئ العربي سيكون محتارًا حزينًا واجمًا وغاضبًا ومحبَطًا عندما يمر بشآبيب.

بخلاف أي قارئ آخر سيكون شعور العربي مختلفًا جدًّا.


اقتباسات من الرواية:

1- “هناك دائمًا سطور لا نقولها يا صغيرتي لكن الجميع يسمعونها. الصمت قد يكون أبلغ وأعلى صوتًا”

2-“عامة كانت حياة المهجر والغربة وانتظار الأسوأ، هي العوامل الأهم التي أذابت ما بين الأديان من فوارق.. احترقت الطائفية في نيران القلق المشترك، وبهذا تحقق الحلم الذي راود المفكرين الليبراليين منذ مئات الأعوام، ولكنه تحقق بحكم الضرورة”

3-“(يا غريب كن أديبًا).. كذا كان أبوها يقول، والمعنى أن على الغريب أن يلتزم بأعلى درجات التهذيب والتسامح. لربما لدرجة التخاذل والجبن أحيانًا. أبقِ رأسك منخفضًا فلا يطير.”

4-“أنت تشيخ عندما تشبه أباك.. أنت تبدأ في الموت عندما يموت أبوك.”

5-“عندما تكون عربيًّا في بلد أجنبي فأنت تصير عربيًّا جدًّا.. عربيًّا أكثر من اللازم.”

6-“للرجل الملثَّم نوع معين من الهيبة والرعب، لأنَّه يجعل الوجه بلا مشاعر. ليس الأمر لإخفاء الهوية فقط، بل له أثر نفسي أكيد يرهب الخصوم.. أنت تواجه عينين وليس كائنًا بشريًّا.”

7-“ما السبب؟ ما الذي اقترفه هؤلاء؟

هناك جريمة شنعاء تستأهل أعنف العذاب في هذا العالم، وهي جريمة أن تكون مختلِفًا. البطة السوداء القبيحة.”

8-“مهما كان الكون بلا نهاية فهو سجن.. وجودنا المادي يجعل الكون سجنًا. لعل الأرواح هي الشيء الوحيد الذي لا يشعر بقيود الكون.”

9- “أحيانًا يحتاج الخوف إلى شجاعة هائلة كي تعترف به. يُخيَّل له أنَّ معظم بطولات التاريخ قام بها أشخاص خشوا اتهامهم بالتخاذل والضعف.”

10- “فقط الأدباء يمكن أن ينتفعوا بتجربة موت قريب أو السجن.”

مقالات ذات علاقة

قــــــرن جديــــد

حسين عبروس (الجزائر)

هل العزلة ثقافة أتصال أم انفصال؟* 5 ـ 7

إشبيليا الجبوري (العراق)

الواقعية الرقمية (في الشكل)

المشرف العام

اترك تعليق