يومي الذي يتمطى كسولا، يزحف كسلحفاة هرمة اشتعل رأسها بالشيب، تضع نظارة على عينيها، تحمل عكازا تتكئ عليه لتقطع الشارع الطويل، والشارع أمامها مليء بالحفر، تنظر يميناً ثم شمالاً لا ترى سوى أطلالاً سورتها زرائب من كل اتجاه.
تمر بقربها سيارة فارهة يركبها كبير المدينة، ينداح الوحل من الآبار السوداء يغطى حرقفتها ويغمرها برائحة عطنة، تلعن الحظ العاثر مرتين؛ إحداهما لأنها هنا، والأخرى ستعرفها في القريب.
لا شيء جديد، غبار معيشتها وشمس حارقة وزمهرير شتاء قارس، تجر قدميها اليمنى وتلحقها اليسرى ببط ثم التي خلفها ثم الرابعة، وهكذا دوليك، في زمن رتيب بليد خاو كأيامها، وتمر عربة أخرى، يمر فوقها السائق لا يرها، تدخل في حرقفتها ثم بعد هنيهة تخرج رأسها من جديد.
ما هذا التناقض الشديدة الوطأة؟ يمر أناس زرافات بغير لسانك يرطنون، لا تعرف ماذا يريدون أو ماذا يقولون، كل واحد منهم معول هدم (ترى ماذا تفعل سلحفاة عجوز هنا؟).
أحدهم يركلها بقدمه، تنقلب على قفاها، تلعن حظها الذي ساقها في هذا الزمان وهذا المكان!! ترى لو أني في زمن غيره أو صحبة أناس غير هؤلاء! أناس ودودون وأكثر تحضرا، هل كانوا سيوقفون حركة المرور حتى أعبر هذا الشارع اللعين؟ هل كانوا سيصلحون هذه الحفر؟
تحاول وتفقد جزء كبيراً من طاقتها لكي تصلح من وضعها، ثم تعود تخرج قدمها اليمنى ثم اليسرى ثم التي بعدها إلى أن تخرج الرابعة، وتعاود المسير.
لا شيء يدوم كما ترون! إن كنتم تنظرون إلى اليمين، هنا كان حي يسمى النزلة، وإلى اليسار هنا، حي يسمى الزوية. ولكن الآن لا شيء هنا سوى مكب قمامة، وأبار سوداء، ورائحة عطنة تفوح، وغرباء يملئون المدينة، وفجور سادر في غيه يتحدى كل القيم.
وهنا كان بيت (المكًنى) أتعرفونه؟ كان يحكم المدينة، وكان الناس يخشون حتى الاقتراب من (سيارته الفارهة.. عذراً أقصد حماره).
قبل أن تنهى السلحفاة قصتها وتدخل جحرها لتنام، تقول لكم تمعنوا جيدا في العنوان.. ودمتم بسلام!!!