المقالة

أبيض مثل الدم

من أعمال المصور أسامة محمد

كنت في المطبخ أدير مملكتي، وعقلي هناك في كتاب ملخصه محاضرتي القادمة و هكذا لم أكن بالضبط في مملكتي بل في البرزخ بين مملكتين بانتباه يشتته أيضا دوي المدافع من حولي، عندما جرحت إصبعي بسكين حاد و أنا أهم بقطع الخبز. البياض تلون بالدم والخبز صار جثة بريء ذبح خطأ!

ماذا تفعل هنا كل هذه السكاكين في حقل القمح؟ هذه الأسلحة البيضاء. هل من سبيل للون أخر وبديل أخر ومكان أخر غير عشي الذي فيه طعامي وكتبي وفراخي؟
هذا الشيء الذي جاء به الإنسان بعد حاجة كاختراع ذي حدين: أداة للفتك بالحواجز والعقد واختراق الظلمات ومجابهة وحوش الغاب. هذا الذي يعول عليه كرمز للنصرة والقوة.. هل من حاجة إليه الآن في هذا الطوع المعرفي الشامل الذي وصل إليه الإنسان حيث كل شيء تحت مرمى حواسه لا خافيا ولا غامضا وكل قد أدرك لغة الحوار وان القوة في خدمة الحق وما القوة إلا العقل الذي يستأنس أشرس المخلوقات.. فما بالك بإنسان لا يختلف عنه سوى في اللسان؟
تقطع في غدر تطيح بالرأس وبالجذر.. بلا قلب لذلك ليس في بياضها المشع إلا خدعة للبصر والبصيرة.

ليس للسكين قلب يختار أي حدين يكون الذي يقطع من اجل حق القوة أو الذي يقطع من اجل قوة الحق!! بل قلبه ينبض في تلك اليد التي تحملها، فانظر أي نزاع مدم يقع فيه هذه السكين بفضل هذه اليد. فمن ينزع يده أولا عن سلالتك أيها السكين التي وصلت إلى أسلحة التدمير الشامل ولا زالت تنطلق كالصواريخ العمياء في سلم التدمير.. والى أين؟
والأرض بسمائها وبحرها ونهرها وأشجارها وأطيارها ما هي في هذا الانفجار العلمي والمعلوماتي إلا منزل لعائلة واحدة.
هل فقد الإنسان رشده فتساوى السكين واليد؟

كان يا ما كان وطن وصل رغم آفات الزمن والمحن في سلم الحضارة إلى ما وصل من كنوز وثراء معماري وتاريخي وثقافي وفي ظلمة تسبق الفجر لمع وحده حد السكين فتهاوى الصرح بمن فيه وتساوت القمم الشامخة بالتراب و آل الوطن إلى خراب.
بعضنا يأكل الخوف وبعضنا الأخر يضرس به.
حتى صار الخوف أنفاسنا المتقطعة في سباق الحمى العمياء طوعا وكرها من أجلك وحدك أيها السكين , فالأداة الوسيلة صيرها الخوف الأعمى غاية.
فكيف ينجو الوطن بشعره وطفولته من براثن هذه الغاية؟ وهل من طوق نجاة؟
لعل السكين مؤنث، من يدري. ولكن لغاية في نفسي جعلته مذكر…

مقالات ذات علاقة

صرت مؤمنا!

عبدالمنعم المحجوب

شظايا

محمد دربي

زفرة العاشق

حسن المغربي

اترك تعليق