إشبيليا الجبوري – العراق
….تابع
ولقد عبرت الشاعرة برأيها عن هذا التداخل والتلاقح في الأمتزاج (قضايا الشعر الحديث، 1974م) وذلك من خلال وقفات وامضة ـ إن جاز القول ـ، استعمالها عند بداية الدراسة حول الشعر والتقابلات الحضارية البابلية والفرعونية والصينية والهندية والعربية الإسلامية ـ العمق الفلسفي الشرقي من جهة، و الادبيات الأغريقية والغربية والميتافيزيقيا من جهة أخرى، بين مفهوم النفس الجوهر والعمل، بين الروح و الفعل ـ الحياة ضمن إطار التجديد والتحديث، الذات والموضوع، التفكير والوجود، مما رأيناها بتقريب البعيد، وإنسحاب التأثير الأستراجعية على مستوى التفكير، في تقريب الإشياء إلينا، الذي جعلتنا نندهش بعض الشيء من فكرة شغف الابداع الواعي بين الزمان والمكان من تفكيرها، وخصوبة عمق التماثلات في المتشابه والاختلاف، الاختلال والاستكمال، حين أخذة فيها التكوينات وتأطرها بتأملات مقضبة، شيئا متفاعلا الابعاد، مراجعة حصيلة “للكوليرا” قبل وفرة أتساعها، وأيضا أخذت تنظمها وتيسرها الدراسات هنا وهناك “بطرح خجول” قبل وفاتها. وكما يمكن إقرارها بعد فوات الأوان ـ بكل أسف ـ فإن هذا الحال، هو في الواقع، إلزام إمكانية تهيأ قيام التجديد/التحديث. ونعتقد ، هنا، بأن هذا الإجراء ما كان له أن يقر ويتأكد إلا في وقتنا هذا، لولا الفعالية الفكرية والإبداعية لنازك الملائكة. إن هذا التفكير، يشكل أنفتاح في القدرات والمواهب لها، تفكير تقابلي، جلادة في صلب بنية التفكير الجاد، الذي أنطلقت تفعله كمخيال الهوى أكثر من مجرد تنبه، لتندفع صيغه مذكرة القضايا الضرورية المنبثقة من هذا التغير، أي، مذكرة التفلسف الخلاق في هذا العالم، تنضيج القدرات، وتأهيل المواهب في التجديد/ التحديث عن تحمل المسؤليات القادمة التي ستنبثق الأنساق؛ في هذا الوجود من إرادة تنظمه، وتيسره، ضمن إطاره الحي شيئا فشيئا؛ في التفكير الإبداعي والمشاريع المشاركة في الاستعمال و المشتركة في الإقرار والتفكير والابحاث، شرط إرادة قيام تأهيل واحتضان نتائجه شعريا/فلسفيا/علميا/عملياتيا، وفقا للتقابلات القديمة ضمن المشيد لاكتشافه بطريقة نقدية، متعقبة التفكير فيه مما يحيا في فعالية إرادة الكائن الحي في التفكير الذي ينطلق بين العقل/الروج، والجسد/ الحرية والتحرر والاعمار/ الأبحاث والدراسات/التدريب والتنمية من هدم وبناء .
غير أن الذي يجعلنا، رغم فوات الأون، إبانة مرجوة ترتب تفكر منطلقة متعقبة خطى المعنى المتداول والسائد ضمن كل ما هو موجود، بمعنى، استعمال ما يمكنها أيضا ألا يتوفر على غاية نهائية تتمثل في المعارف التربوية والتعليمة ومجالات الحقول العلمية، ولقاء ما تكون خارج التعريف الدقيق للحياة نفسها. أي، فهي تحيا شروط التفكير فيه قيام فلسفي، فالشعر والعلم غاية متمثلة في المعارف الحية، غاية لا تتوفر للشعر إلا الحياة ضمن أعتبار الشعر داخل الحياة نفسها. اشتغال الشاعرة وشغلها الشاغل، إقرار يؤكد الحياة كما هو عند بداية السومريين والبابليين، وكذلك ما شرع فيه ميل اليونان، أو عند أفلاطون أو أرسطو، من مغايرات جدلية فيه، تجاه فرض محجة الإرادة القوية في التفكير الإبداعي، أبانت خلال همة التفكير سعيا كاشفة خفايا المألوف في التفكير شرط إمكانية التفكير في بناء القصيدة. فالشعر حياة الشاعر/ة وكائنه/ا الحي في المفكر فيه والمتأمل إليه٫ الإمتزاج الذي يترتب من خلال ذلك، فعالية الانطلاق، وتجعل من الإرادة الواعية، الهادفة تحقيق نتيجة ما، كيفما كان نوعها، لكنه ـ أي ـ الشعر ـ تفكيرها به، تحمل نتائجه الخاصة، بطريقة نقدية بناءة.
من المؤكد أن السائد القديم؛ في صيغة التجديد كمفهوم، في التماثلات الفلسفية بين الروح والمادة، والعقل والنفس، والميل والهوى، المعرفة والعلم تستنبط من التفكير منابت مجردة، ما يجعل النظر إليه ـ للشعر ـ في نماء نقديته إلى مخرجات هدامة٫ ككائن مكرس في تصرف التفكير ونفاذه خارج نوعه بين العقل والحياة، وهذا ما ترتب عليه الفلاسغة من أنبثاق نظرات عن ميل حتمي لبناء التفكير في الأنساق، وغالبا ما نجد مشقة طروحات الشاعرة مواجهة التحديات، ومحن الصعوبة في تفكيك الصروحات المشيدة لأكتشاف ما تم التفكير فيه شعريا، عند التحديد وتقريبه في خلق القدرات لدى ابداع الادوات والاساليب لدى شاعرتنا من إمكانية قيام تشغيل واستعمال؛ حول آفاق بعيدة أبانت طرحها لتشخيص “ما التجديد؟” ضمن المدارس الفلسفية الغربية في نظرتهم المشيدة “لمفهوم الحداثة” تحديا متمثلا في “الخارج”، عن نظرة الشرق وما تم التصرف في تكونه تحديا “داخل” المحتوى/الجوهر للحياة. ومع ذلك قإن هذا الميل لا يوجد مصدره في التفكير، ولكن ضمن حاجات شغوفة، مقتضية قدرات ومواهب خالصة مغايرة كلية من أجل تحقيق تعلم التفكير الإبداعي، ثم تعقب المجرب والنتائج المشروعة في حد ذاتها بشكل تام.
وإذا ما أردنا أن نفاضل، ضمن مفارنة التفكير لتلك الحاجيات والرغبات في عصمتها الإبداعية المباشرة والشغوفة، ترتب بالنتائج التي توصلت إليها، فإن الأمر لا يعدو أن يكون المشروع ـ حسب نظرتها ـ أن يكون شبيها بنسيج معلق “تابع بمتبوع غربي”، هذا لتجديد/التحديث الذي نال عليه الغرب، فإنما شاعرتنا نظرت إليه، وبنفسها، من عمق التراث العربي، نسجت تجديده، بل رأت أن يحل بشكل صارم في “شظايا ورماد”، لجعلنا نندهش بتلمس القبول بالشيء من فكرة أنفتاح على القدرات والمواهبضمن فرة تفكير شغوف التقابلات المعرفية الإبداعية وأنشطة خلاصلاتها الصارمة في النتائج، كي يحدد تعلم التفكير الإبداعي الخلاق؛ ليصبح ضمن إطاره التفكير المنتظم والميسر التعليمي؛ في تسيير تجريب النفكير والوجود الحي للكيان المعرفي والثقافي، نشاط الأنا الخالص “المفكر العربي المتذاوت به” شيئا فشيئا، لكي تسرع في العمل، لتثبت المحنة من جديد، دهشة شغف عزائها؛ فكرتها في تحقيق وتحقق ما لا يخنق عنوة (سبق علمي/ استكشاف شيدته وجاهز لعرض غايته النهائية)، له سمات الهوية، و اشتغال قبول خصائص أنسجته وأنساق فكرته منها، كما فرضت تحقيقه حين أنجزته، ثم تعقبته في الأمر الإبداعي المجرب، وأشبعته تفكيرا وتأملات بشكله التام، لكي يشرع العمل في التدريب والممارسة عليه مستقبلا.
إن كل كتابات شاعرتنا المبدعة، رغم الإحالات الظرفية على الأعمال الشعرية المنشورة لها سابقا، تقرأ وكأن صاحبته تمتثل من جديد، تتعقب بين كل شيء من تقابلات خطى المعنى، ينظم فكرة التفكير، حال هدف وغاية الجديد، وتستعيد فيه اللغة الضابطة المتماسكة، والمسبوكة، الذي ينطلق في تقبل من طرفه فكريا قبليا، أي يفرض متأمل أشتغالها قرائن معرفية تتمثل في المعارف والعلم، لبناء الميل العميق في تخصصها، يمدد اتساع تنسيج التفكير، شروط إمكانية التحصين البناء في استكشفها ما يحل الصارم في نتائجه صروح التشيد عن ميل التجديد بين العقل والشعر وناقديتهما عن مصادر التفكير ءا ما أردنا القول الغاية في ترتيب ذلك ذلك، هو، فكرة عمل التفكير، أحالات النتائج التي توصلت إليها، بصرامة الظرفية الشغوفة بنفسها في سمات “الشعر الحر”، أي في اللغة الاصطلاحية بين الروح والحياة، شاغل همها، لكن كتاباتها النقدية عن المفاهيم هنا، تعتبر تحديد “معالم” لا مجرد أن يسري القبول بفضلها مجرى جديد للتفكير بل التعميق في الابحاث والدراسات الموسعة المتقدمة.
وقد لمحت نازك الملائكة إلى خاصية مسح التفكير هاته، حينما أكدت على مدى ميل حاضنة السؤال النقدي التالي: على أي عتبة تبنى مقومات التفكير والتأمل في التجديد الشعري؟ بالضرورة وعلى الدوام، إلى فعل التفكير الإبداعي، وحينما تحدثت بصدد السياب عن “جماعة شعر البيروتية”، لفتت محنتها عن غياب الأعتبارات القيمية للشاعر والشعر، هذا الغياب الذي تبتدئ به التفكير مرواحة ومجيئا إلى مشقتها، ودافع عزلتها، وأيضا حينما نقرأ بأن التفكير الإبداعي، الخلق والأبتكار فيه، يتوفر على خاصية العودة إلى الخلف قليلا، للتذكر بالقيم المغيبة في الأعتراف والإشهار، الذي مارسته جهات أيديولوجية لغايات سياسية منظمة، وآجندات خاضعة لتكتلات حزبية من جهة، وشخصية انفعالية من جهة أخرى، “مسخ حقيقي للمثقف” قائم على التفكير الضيق والمزاحمة المريضة، المثقلة بأمراض المجتمع المتهافت، والثقافة الرثة وخفايا التخلف الاجتماعي القائمة على (الحسد والانتقام والغيرة…) غير أن الشاعرة نازك الملائكة عملت صقل في رجوعها للتراث في التجديد، والعودة للوراء، حينما أخضعت كتابها: (التجزيئية في المجتمع العربي، 1974 م)، وهي دراسة في رؤية أنعكاس الإبداع من منظور أجتماعي، كرست صفحات كشف المظالم المحن، العقل التربوي الاجتماعي، أخضعت مسألة التفكير فيه إلى تجنب الأمراض تلك ومحاربة التخلف، من خلال مراجعة التفكير بما يتوفر من خاصية لعلاج ما تغيب فيه الاعتبار، وبالضرورة هو الرجوع إلى أخضاع التحديث إلى المكان والزمان، لغرض ممارسة النقد المحايث، أو حينما أقرت بأن تأويلا محددا للحقيقة المثالية في القيم الجمعية التراثية، لن تقوم لها قائمة من قبل “بعض”(جماعة شعر)، وتلك القائمة معروفة بأسماء وشائجها، ودعواتها القائمة على التنكيل والتحريض، والتزييف في إضاعة الحقيقة من صلب الحق وعدالة الاعتراف بحقوق المبدع باصداء “تغييب الاعتبار”، وإضاعة الجهود لصاحبته، أو عندما تعتبر المعالم نسجه هو تبعية لحداثة الغربية الكلية، في نسج الإذابة في المشروع الغربي، بينما مشروعها في حد ذاته؛ تحدث ـ بشكل عام ـ عن النظرة للتراث “والتجديد”، وهنا، قصديتها، أحياء الأصالة لبناء الأنساق” لا التحديث كأصطلاح للتداول خارج حفرياته المباشرة في التراث، لتقويم مسألة التفكير “جديد الأركان” بأتجاه تقويم ممارسة عملية البناء في الرجوع والتقيم، والاسترجاعية تتخذ تواصل النقد والبناء والاستدامة في الابحاث والدراسات، والتي أصبحت قابلة للمراجعة دوما ـ بأعتراف السياب نفسه، والتي يمكن على الباحث الرجوع إلى تلك البدايات للسياب والكتابات والاراء التي كانت تنقلها دوما التوكيدات عن “الشعر الحر”، غير أن أعمال الشاعر التي أصبحت مشجعة لإعادة النظر للأسف بشكل متأخر في أنصافها، ولا يعني ذلك إلغاءا، بل تفكيرا من جديد في ما تم التفكير فيه بأصول جذور التأسيس ومؤسسته الحقيقة التي أقرها الزمن بأخضاع المقارنة للدقة والتحقيق والصرامة بالقرار والحق بآهلية تحدث بصدد المؤسس والتأسيس لها.
وأخيرا، إن كل مبدع، حينما يبلغ من المشقة عزاءا أنتماء السؤال والمعالم، يكون مطالبا ما يعتبر بمثابة حصيلة لتفكيرها، لأنه ببساطة سيتأمل في هذه الخلاصة بتغذية حداثية، ما دفع أن تصبح للسياب مسار أعمق خلدا بأتجاه أعماله للمراجعة دوما، والآن، مما يجعل ماتم التفكير فيه قبلا، حال ما يرتبط بالنخبة السياسية، من تلقاء يشرع مباركة في اخذه الحصيلة الفضلى للسياب، يراد خلاله البدء في “إنشودة المطر”، رغم الاحالات المنتقودة والمنشورة من قبل، قرأت وكأن صاحبها بدأ أخد كل حجياته مغايرة كليات وبشكل تام تم تشييدة مستقلا، حقا أول الأمر”كما فرضها الصراع السياسي” أو “القوى المتصارعة” شروع تفكير أول الأمر، وفرض استعارة سياسة الأمر الواقع ـ على الواقع الثقافي، و”الجمهور المحايد” هو مجرد لمح التقويم عليه ليستعيد طرفه للتفكير، لا أن يؤخذ صاحبته في العمل، وهذا الميل نحو الجمهور، لهو وطرافة على التأسيس، و أن يجعل التصرف بالضرورة وعلي الدوام لا يعدوا أن يكون في التشبيهات بنسيج اللغة وخاصية التفكير هذه في لمح التجديد والحداثة، أي من جديد الظرفية في معالم الكتابات بمراجعة التفكير إلى حال سبيلينا، في غياب الأعتبار والحقائق في تجريفها المحايث الأقرب إلى الإلغاء، ما تم صنعة أيديولوجيا، لعله ميل الهوى والاستحواذ التبعية للغرب أو دون المساس بما آلت إليه التكتلات الحزبية على أعتبار أن الغرب و العقل الفطني السباق “إيدث ستول” لا التمسك بما حظيت به “شاعرتنا” من جادة الصواب في “التجديد” الذي يرتبط بالتراث وباقي العمق لميزات حضارة العراق أو المنطقة بحضارتنا وخزينها الإبداعي المرتبط بتفكيرها الخاصة بالهوية الفاعلة للإنتماء، والخضوع لمميزت سمات “المفكر فيه” أصلا، ليس إلا، إن شئتم.
إن ما يبلغ الحصيلة التفكير هو ان الأنا المفكر أو حصيلة التفكير الريادي الابداعي لا يخضع لسقف زمني أو عمر له إلا وقابلته مراجعة باتجاه أعماله دوما، ولعل من يضر المفكرين أو من ميزة تصاحبهم في عملية الإعادة والمبادهة في اخضاع أعمالهم لوفرة التفكير، ممارسة حسن حظهم إن جاز التعبير، وذلك بالقدر الذي يلزم حقائق تقويمهم الفعلي بالتفكير، أي أنهم في عملية صيرورة وإستدامة مستمرة في تجديد حيويتهم. وينطبق نفس الأمر على ميل النفس في التفكير وأنصراف باقي التأملات بإدامة الأعمال افعالها الأخرى. فما نعرفه عادة كخيار مميزات خاصية المفكر فيه بالشخص عينه ـ الذي تشكل كلية السياق، ميزاته المنتظمة لاحقا بفعل الإرادة في تحصيل ما هو بجديده يتوالد، شيئا فشيئا ماتم التفكير فيه يأخذ تأويلا محددا، حتى يبتديء التفكير الفعلي بالسجية ممارسته ـ بمعنى، لا يمكن أن يصمد عتيا، وقائمة التحديات تطرق به أمام أنقضاض وتبدل الميول وتحديث النظرة التي أخضعت للمراجعة وهذا لا يعني الألغاء، بل التفكير الذي يمسك ويستحوذ بمعنى ما، على هذا الإنسان بأعتباره شخصا محددا بوفرة التفكير الريادي والممارسة فيه قبلا.
إن إرادة الريادي، (أو) قوة الأنا المفكرة فيه التي تبقى صارمة الاتجاه من تلقاء معايير بنية ثوابت ذاته، تواجه تحديا أمام العصف الذهني الثقافي، لاحقا بفعل تكوينات فكرية ريح التغيير الهوجاء، والتي توقف الاستحواذ الزمني فعليا بالنسبة إليه، ليس فقط منفلتة التجربة بالافعال، إنه بدون تمييز أبان خصائص تنظيمه أيضا رغم كونه في محاولة السيطرة على التدوير والتدبير في الانشطة الفاعلة، أنا الريادي مختلفا المفكر فيه بشكل خاص. فالذات المفكر للريادي الإبداعي هي شيء آخر غير الذات الشبيهة الواعية. علاوة على ذلك، فإن ضرب التفكير الريادي، وكما لاحظته (شاعرتنا المبدعة) مرة بصدد القصيدة التحديثية/النظم الحر (قضايا الشعر الحديث، 1974م) هو ضرب من التوحيد والتفرد. ولا يرجع ذلك فحسب إلى أنها كانت وحيدة ضمن ما يدعوه النقاد “بحوار الأنا المفكرة الريادية الهادئة” إن جاز القول، أو تماسك إيقاعات الصموت مع ميل الذات بسجية فعل الإرداة المخبئة ” مخاض فعل التفكير السجي ـالصيرورة على ميزة استحواذ المعنى”، بل المحنة، لأن هناك تدخلا ضمن هذا الحوار هو تلقاء كينونة العصف الذهني الإبداعي، لشيء يفوق الوصف الذات المفكرة، لشيء لا يمكنها أن تظل ثابتة في تماسك يصمد أمام الذات العاصفة، وبالرغم من أعتماد ذلك التفكير المختلف في اللغة هو ضرب من التوحيد/الإبداع الريادي الخلاق، أن يرتكز بشكل تام على إيقاعات الصوت أو على ضخ الكلمة تحديدا ككتلة محمولات، لأن ذلك يشكل حوارا، يرجع بحسب عائديته، الجوهر/المحتوى/ المعنى، لب ما يمكن ما تدعوه بقوة الاتصال والتواصل الفاعل المؤثر والمتأثر لشيء يفوق وصفه بكليته المنتظمة في ظل العاصفة الهوجاء من الأصوات والصموت الإيقاعي لشيء آخر إلا بتماسك ما ثبت من الإنقضاض في ذاته، لذلك لا يتم ال بمراجعة إصالة الشيء من تفرد إلى حوارات الآخرين بأعاتماد المعنى في إقاعات الصوت والصموتات بصدد ضرب التوحيد، ولا حتى إلى الذات المعنية باللغة المحكية المستحوذة عليها معاني الإنسان إلا في النفس الخارجة عن العجز والملاحظات العابرة كظاهرة جامدة وإن تم اعتمادها بالحوار الريادي.
ومما لا شك فيه، أن الإبداع الريادي الذي يفوق أنظمته الواعية لغة الوصف، الوارد في القصيدة “الكوليـرا” ليس لانفتاح المعنى بدون مكانية محددة بل بزمانية لاحداث مدورة بحسب تبدل القوى محنة الإنسان العربي الذي جعلت الظاهرة منه ثابتا في عاصفة هوجاء من “حوارات الحداثة بالسجيته”، هو الذي يدل التفكير بهذا الشكل، وحوله إلى شيء متوحد، مشكلا مع ذلك، بلحوارات مع المطر والسماء والأرض المغذية و الشياء الوفيرة بأستمرار، والعزاءات المتكررة على الأرض التي يسمو استحواذها التفكير أنطلاقا منها ويتجدد على الدوام في ميادين الفلسفة والعلم بالرغم من أعتماد اللغة، فالإبداع الريادي في مجال البنية للتجديد الشعري، كما لاحظته مرة بصدد تجديد البناء وتحديث الإيقاع للذات المفكرة هو شيء آخر غير الذات الأوربية “الحداثة الغربية” في تعرفها له..
ويمكننا أن نتصور ـ وإن كان هذا لا ينطبق على نازك الملائكة في “الكوليرا”ـ بأن هو تعريف التفكير الغربي الريادي، في الذات المفكرة “مدعيا” الحداثة الإنسانية ـ التي قد أنقض فجأة على الإنسان الأسهل فيها، عزلة وقطيعة المخالطة، سيطرة استحواذية ولا تشاركية مع الآخر في تشبيه معناها في الميول والتعقل في النفس البشرية، مما جعل “الحداثج الغربية” تشكل بفعل نماء متبادل حوار الذات منفصلا المعاشرة، وبدون عمر حطمه من فرط العزلة التي وضعها فيها، وهذا بحسب الغربي في تعريفه الحداثوي في بناء النموذج والتفرد على أعتبار ضرب من التوحيد، على هذا النوذج الإنسان الريادي بأعتباره أنموذج فلسفي متطور.
ويمكننا في الحلقة الأخيرة القادمة، نذهب فيها إلى الخلاصة والتوصيات.
ــــــــــــــــــــــ
* كتبت هذه الورقة٬ والتي قد تم تقديمها لمركز نادي ثقافي عربي للجامعة ( …. ) بالقاهرة٬ والمشاركة جاءت بدعوة٬ احياء تاريخ ذكرى وفاة الشاعرة الـ 12 ٬ و المنعقدة بتاريخ 20 حزيران 2019.