طيوب البراح

يا صديقي

منال بوشعالة

من أعمال التشكيلي عادل الفورتية
من أعمال التشكيلي عادل الفورتية

 
يسألني صديقي البعيد
هل لا زلتم في حرب؟
فتوقفني الذاكرة بضحكة
الحرب التي أصبحت نمط حياة
والسلام الذي استيقظنا في الصباح
فلم نجد حقائبه
ولم يقل إلى أين؟
والدمار الذي أصبح يزين خلفية صورنا
لم نعد نراه دمار
قالت عنه أمي
” ديكور الحضارة “
أما الموت
فأصبح أكثر من الحياة
لا تَعُد
ولا تعتب على الدموع
لأنها سُرقت
لم يعد يحزننا الموت يا صديقي
أصبحت تحزننا الحياة
حتى نظرنا اعتاد على الدم
نراه في عروقنا ولا نبالي
وأمهاتنا باتت كلها فلسطينية
تلد طفلها وتعلم أنه سيذهب
لكنها تلده.
 

 
يا صديقي
صوت الرصاص تحول لموسيقى
سيمفونية صاخبة
أتعلم أننا بدلنا نشيدنا القومي
بأصوات الانفجارات
حتى يتعود عليها سمع أطفالنا
نحن نعتز بانفجاراتنا يا صديقي
ونعتز بعدد ضحايانا
أيضاً
كم عدد ضحاياكم؟
كم عدد غطاءاتكم البيضاء
اليومية؟
أتعرف أن بائعي الأقمشة
أصبحوا الأغنى لدينا
لونوا كل أقمشتهم باللون الأبيض
وأصبح من الضروري
أن تجد في نهاية كل شارع
محل بلافتة كبيرة مكتوب عليها
” أغطية قبور “
نبتاع العديد منها كل ليلة
لنلف بها أجسادنا
سهلة ..
كلف السيجارة تماماً
ولف الحلوى لدى الاطفال
أيضاً
أصبحنا نوزع الهدايا
دون مواسم
كخيمة كبيرة
وشاية عن ذهاب قادم
وأنت تعرف أن الهدايا لا تُرد
ومن المؤكد أنك تعرف أيضاً
أن الأشباح احتلت الوطن
فأصبحنا وطن للأشباح
وللنوم الباكر
يا للمتعة.
 

 
يا صديقي
نحن نعيش باعتياد
كل الذي ذكرته لك
لا شيء منه يوجعنا
فنحن كل يوم نصلي لنضع أكياس الحلوى
في قبورها
ونغسل أيدينا من أثر الموت
ثم نمضي إلى الحياة
الكذبة،
الإنسان يعتاد يا صديقي
يعتاد حتى على دفن أخيه
والحرب التي تستمر كل هذه السنوات
ليست سوى حرب سخيفة
أخذت إنسياتنا
فأصبحنا غابة
لا تلمني يوماً إن أكلتك
كما أكلت أصدقائنا الذين كنا نلعب معهم في الحي
بالرصاص
بالمناسبة.. لقد هُدِمَ الحي
لعبنا ببعض القنابل
فوقع على رؤوسنا.
 

 
لا تبكي
نحن اعتدنا يا صديقي
أقسم لك بأننا اعتدنا دون أن ننتبه
ونمنا على الدرب
لذلك أعذرني
فأنا الذي أريد أن أسألك الآن
أما زلنا في حرب؟
 

مقالات ذات علاقة

على ضفاف الجهل

المشرف العام

رعشة عند اللقاء

المشرف العام

أقراُ عينيك من خلف المرايا

المشرف العام

اترك تعليق