قصة

مبروكة

من لا يعرف “مبروكة”؟

لاشك ان الحي كله يعرفها كبيره وصغيره وليس مرد ذلك لسوء خلقها بالرغم من انها مطلقة وهذا وحده علامة استفهام كبيرة وكبير جداً في مجتمع يعتبر الطلاق قريناً بسوء الخلق ولأنها ايضا لم تكمل عامها الاول مع زوجها او بالأحرى ان زوجها لم يتمكن من استبقائها مدة اطول على ذمته فهو كالقابض على الجمر مع علمه بانها على خلق ولا زالت رغم كل الظروف ولكن ألسنة السوء وشقيقته لم يتركا له مجالاً، فآثر فراقها مكرها وهنا دعونا نتعرف على الحكاية من اولها.

من أعمال التشكيلية حميدة صقر.
من أعمال التشكيلية حميدة صقر.

عاشت مع اقرانها من اولاد الحي حياة شظف بين الحواري والازقة حتى اشتد عودها وبدت عليها مظاهر الانوثة المبكرة فقد كانت كالزنبقة السوداء التي خرجت من التربة العفنة وهكذا قللت والدتها من خروجها خوفاً عليها وبدعوى انها يجب ان تساعد شقيقتها المتذمرة دوماً من اعمال المنزل وعليها ان تتعلم فن الطهي منذ الان وهي عادة العوائل العربية في ذلك الوقت فوجدت نفسها ممنوعة من الخروج واللعب مع اقرانها واذا ما خرجت فيجب ان يكون ذلك بصحبة شقيقها المشاكس والحارس الامين ” رجب ” الذي دائماً ما كان يجبرها على حث الخطى لإيصالها الى المكان المنشود وبالتالي يسترد حريته وينطلق الى اصحابه لاستكمال مقالبهم التي لا تنتهي.

لم يدم الوقت طويلاً فنظرات الرجال الشبقة أثناء تنقلها تحاول اختراق ملابسها لتستشف ذلك القوام الجميل وما يحمله من كنوز وكانوا يتندرون فيما بينهم متسائلين عمن سيكون سعيد الحظ وصاحب النصيب في قطف الثمرة الناضجة الشهية وكان “ميلود” جليسهم الجريء بطبعه والكتوم ايضا يملك تلك الاجابة ولكنه لم يصرح لهم بمكنون صدره وان اقر بان الوقت قد ازف ويجب ايقاف كل هذا اللغط فسارع محملاً بالهدايا وفي ركابه اخته العانس “حليمة” ذات الطباع الحادة والشخصية القوية فما من أمر يستعصى عليها وقد اعلنت اكثر من مرة لأخيها “ميلود” بان لا يقلق ولن تكون لمبروكة داراً غير داره وليضع في بطنه وكما يقال بطيخة صيفي.

كانت “مبروكة” تجلس وسط حجرة متوسطة ذات نافذة بحرية وقد أُعيد طلاؤها مؤخراً وزودت بسرير جديد كما أن الفرش قد تم تغييره بتعليمات من “ميلود” شخصياً رغم أن اخته قد أعلنت متذمرة أن وقت الإسراف والتبذير قد أزف.

كان جو الغرفة مشبعاً برائحة البخور حتى أن “مبروكة” قد شعرت بخدر في أطرافها جراء الإجهاد والسهر فصويحباتها قد قمن بدلكها جيداً في الحمام البخاري منذ الصباح الباكر وهن يتغامزن ويتمنين لها ليلة صاخبة واخيراً انفضت النسوة وخرجن من الحجرة بعد أن زودنها بالنصائح الثمينة التي ستعينها على ليلتها هذه واُعلن عن قدوم العريس “ميلود” الذي سارع الى الدخول متلهفاً بعد أن قام أحدهم بكسر جرة جرياً على العادة في تلك الفترة ونهل من معين لا ينضب حتى الثمالة.

فاض الكيل “بحليمة” العانس وهي التي حُرمت متعة الزواج فقد تآكلها الحسد وهي ترى “مبروكة” محل اهتمام أخيها بل أنه بالغ في دلالها فكانت الهدايا والأطعمة المختلفة التي لم تكن تجد طريقها الى المنزل قد أصبحت محل تندر منها وكانت تعليقاتها القاسية والجارحة لا تنتهي وبهذا بدأت في وضع الدسائس والخطط لتنغص بها حياة “مبروكة” التي وجدت نفسها بين مطرقة “حليمة” بكراهيتها وغيرتها وسندان “ميلود” بغيرته العمياء فقد كان يحكم عليها الخناق ويمنع عنها الخروج بدعوى خوفه عليها من كلام الناس الذي لا ينتهي فهو غير مستعد لأن يكون حديث المجالس وهو العارف بها وهكذا استفحل الشقاق بينهما وكانت تلك نهاية طبيعية لحياة غير طبيعية لا تتوافر فيها الثقة فضلاً عن افتقارها للتفاهم والاستقرار وتتخللها الدسائس فكانت النهاية بأن قام “ميلود” بتطليقها رغم رغبته القوية في ابقائها ولكن سيف أخته المسلط على رقبته ووعودها بتزويجه من أخرى وغيرته العمياء حالا دون ذلك.

مقالات ذات علاقة

هــــذيان

عبدالواحد حركات

المدنية

المشرف العام

الزلفوت

جلال عثمان

اترك تعليق