المقالة

أيتها الحرية… ألا يكفي هذا الدم !!!؟

.

ما حدث في ليبيا من ثورة شعبية سيسجلها التاريخ كحالة استثنائية كونها انطلقت شعبياً دون قيادة، مثلما يحصل في الثورات المفبركة، والتي عادة ما يمهد لها الساسة أو قادة الأحزاب أو أصحاب الأفكار السياسية التي تتنوع بتنوع أهدافها ومراميها.

ما حدث في ليبيا هو دفق من الدماء لإرضاء السيدة (الحرية) مقابل تلطفها وتفضلها بالقدوم إلى ليبيا، فهي ما فتئت تطلب المزيد وكأنها تتآمر على الشعب الليبي إلى جانب القهر والظلم والتجبر، وكأنها تخالف قوانينها التي بنيت عليها وكأنها تطلب أن يكون ثمن تواضعها وعودتها إلى الوطن ليبيا أغلى بكثير مما دفعه هذا الشعب، ولم نعد ندري لماذا.

فالسيدة (الحرية) تم اغتيال مبادئها في كل البلاد العربية، وتم دفن تلك المبادئ، أو تم تزويرها إلى قيم لا تمت لها بصلة، وكأن الذي يحدث الآن مجرد زوبعة في فنجان هذه السيدة التي لم تعد تعترف بعد بما قدمناه نحن الليبيون من زهور شبابنا وعقول شيابنا وزنابق فتياتنا، على مدى اثنين وأربعين عاماً من القهر والعسف، وما تم دفعه من ثمن باهظ منذ يوم 17 فبراير 2011 وحتى هذه اللحظات التي تصدر فيها هذه الصحيفة.

أيتها السيدة (الحرية) ألا يكفيك كل هذا الدم؟

أم أنك مثل الكثيرين ممن ظنوا يقيناً زائفاً بأن الظلم بات أقوى من الحق؟

أو أنك كالذين سلّموا بأن القذافي وأبنائه صاروا في حصن من عدل الله؟

أو أنك صدقت بأن العالم صار يقاد من ورائك ومن وراء الحزانى والحيارى والمظلومين، وأنهم استكانوا حتى صارت رقابهم أقدامهم؟

ولكننا نظن أنك قد جافيت الحقيقة، ولويت رأسك عنا كونك اعتقدت أن ما جرى في ليبيا مجرد هنة شعبية مصيرها إلى البتر والمحو بل والإزالة من الوجود.

ثقي أيتها الحرية أننا مهما كان موقفك منا، علينا ولست لنا، تقبعين خلف الطغيان من أثر قوته التي استطالت زمناً غير مقاس ولا محسوب، تصدقين أننا غير أكفاء لنيل رضاك، وحمل رايتك، وتحمل أعباء ذلك، بأنك قد جافيت الحقيقة، وتجاهلت هذا الشعب، وغفوت عما يمكن أن يقدمه لك، في سبيل لحظة منك مهما قصرت، وومضة فيك مهما صغرت، فالدماء التي أريقت لست علينا رخيصة، ومهما تعاظمت وتكبرت علينا فإننا سننالك بهذه الدماء التي نؤمن أنها صارت ثمناً ليس فقط لك، إنما هي لبقية شعوب العرب المضطهدة، بل وللكثير من شعوب الأرض التي لازالت ترزح تحت نير الطغاة عباد الكراسي، ملاك السلطة، جبابرة العصر.

فكفي عنا ما دفعناه لك من دماء لأنها ليست رخيصة علينا، وتواضعي لنا حتى ننعم بثمن هذه الدماء من رحيقك وعذب حياة في كنفك.

وإلا فإننا نعلنها وعلى الملء العربي والعالمي بأننا مستعدون لدفع كل الدم الليبي، وكل ما نملك قبله من ثروة مهما تعاظمت في سبيل ضمك إلينا، والتفاتك لنا حتى نسعد كما يسعد العالم، ونرتقي كما ارتقى العالم في سلم المجد والعلا والسؤدد.

أيتها الحرية ذكري الطغاة والجبابرة والمهووسين بقهر الشعوب بأنك لازلت على قوانينك لم تحيدي، وأنك تعلنين للجميع بأن ثمنك يتعاظم بتعاظم الجبابرة الذين سرقوك من الشعوب، ويعلوا بقدر الشر الذي مارسوه على أبناء أوطانهم، ويسموا بقدر الظلم الذي ساد طيلة كبتك وسجنك ولجمك، وأن تعلنين العودة إلى من دفع أغلى وأغلى، وأنك تنحنين إلى من ضحى أكبر وأكبر، وأنك تحضنين كل من انتصر أو استشهد في سبيل لحظة يعيشها فيك أو يقدمها شهادة بنفس زكية لأهله.

عموماً نحن الشعب الليبي نعلنها عالية مدوية بأننا مستعدون بأن ندفع ثمنك أنهاراً من الدموع، ومن الحرمان، ومن الدم، كعي ننعم بلحظات ولو قصيرة في براحك الحر الذي لا يقاس.

فهل وعيت تماماً بأن ثمنك مهما تعاظم فإنه عندنا قابل للدفع؟؟؟

أم أنك لازلت لم تعِ بعد؟؟؟

فيا أيتها الحرية… كفي عنا هذا الدم !!!

كفي عنا هذا الدم !!!

مقالات ذات علاقة

من مقالات منتصف اللّيل

المشرف العام

أسئلة مشروعة

عادل بشير الصاري

نبوءات الأرض

منصور أبوشناف

اترك تعليق