المقالة

حرية التعبير.. أكذوبة باهظة الثمن

كتابة
كتابة

 
في هذا الزمن الرديء، ارادوا ان يقتلوا الكلمات، فشلوا في اسرها، وجعلها حبيسة اصحابها، لم يهنأ لهم بال، طاردوها بما استطاعوا، امطروا اصحابها بوابل من التهم، رفضوا سماعها، لكنها اخترقت خطوط الدفاع الاولى، اناملي تنتظر اشارة مني، حيث الكم الهائل من الكلمات المتراصة بأعماقي عبر السنين، ليكتب قلمي كلمات من رصاص عجز اللسان عن النطق بها، سعوا بكل ما اوتوا من قوة الى تكميم الافواه، الى بتر الانامل التي تكتب كلمات غير مألوفة لديهم.
 
يتحدثون عن سجناء الرأي في زمن الحكم الشمولي، يقيمون العالم ولا يقعدونه، تتحرك المنظمات الحقوقية الرسمية والأهلية، تخفف عنهم المحكومية، يخرجون الى الحرية المزعومة، لا يطيقون البقاء متفرجين دون القاء كلمة، هم على استعداد لنكث العهد الذي قطعوه على انفسهم بخط يدهم، يعادون مجددا الى غياهب السجون، تلك المكان الوحيد الذي يمكن للسجين ان يعيش بها حرا، غير مبال بما يحدث بالخارج، لأنه لم يعد منه، يعيش في عالم اخر، يوفر له المأكل والمشرب والمسكن والتلفاز بلا مقابل، قد يسمح له بقلم وقرطاس ليدوّن بعض مما يجول في خاطره.
 
حرية الرأي والتعبير صارت علكة يتلهّون بها، يريدونك ان تعبر عما يجول في صدورهم، لأنهم عاجزون عن الافصاح بلغتهم التي لن يتقبلها الغير، يطلبون منك ان تكتب ما يريدون، فتزينهم في نظر الاخرين، فيبدون وكأنهم ملائكة في صورة بشر، تطهير البلاد العربية من كافة مخلفات الحقبة الاستعمارية البغيضة ومن درناتها السرطانية. التي أنبتت كائنات حية انتشرت في كل الارجاء، تحاول تشويه الكائنات الاخرى، الوطنية لم تعد معيارا للشهامة والنخوة، بل صارت تباع وتشترى في سوق النخاسة.
 
مسكين من يمسك قلمه، ليخط اماله، ليعبر عن غيره من الجماهير المقهورة، مطبوعاته ستفلس لأنها لن تجد من يشتريها ليقرأها، الكلمات تعتبرها العامة انها مجرد “فشت خلق” لا اكثر ولا اقل، الاعلامي تطاله لعنات وشتائم القراء، يعتبرونه يمثل الرأي الاخر الذي يعادون، في احسن الاحوال يقولون عنه بأنه ينفخ في قربة مثقوبة (مشروكة)، لن يجد المساندة المطلوبة للاستمرار في الكتابة، يثبطونه، يدجنونه، يبقى رهبن “المحبسين” باختياره وان كان قسريا، هكذا هو المجتمع المتخلف، يقتل روح الابداع لدى ابنائه، يغيب النقد الذي حتما سيؤدي الى تصحيح المسار لأجل الصالح العام. كلمات الاعلامي الصادق ليست كالكلمات.
 
انها ولا شك البيئة التي اوجدها الاستعمار ومن زرعهم في المجتمع العربي انطلاقا من مبدأ من يخالفك الرأي فهو عدوك، يريد اسقاطك، ليأخذ مكانك، فأسقطه، تطبيقا للمثل القائل: (تغذّى به قبل ان يتعشّى بك) ليخلوا لهم وجه ابيهم، ليفعلوا ما يريدون.
 
في كثير من الاحيان يعمد اولئك المتسلطون المهيمنون على عقول العامة، وعندما يعجزون عن إثناء القلة من الكتاب والإعلاميين والانصياع لأوامرهم، يعمدون الى خطف احد افراد العائلة للضغط عليه وقد يصل الامر الى اطلاق زخات من الرصاص(احيانا ذخائر من العيار الثقيل) على الذين يجاهرون بقول الحقيقة، حيث لم تنفع معهم اساليب الترغيب والترهيب، لقد آلى الشرفاء من الاعلاميين على انفسهم ألا يهادنوا بعد اليوم، لن يعبئوا بتهديداتهم، فالمقاتل في زمن الحرب عندما يشتد اوارها، لا يبحث عن اوسمة او نياشين او انواط، كما انه لم يعد يفكر في تذاكر مجانية مع الاقامة لتأدية فرائض دينية او جولات سياحية، بل يبحث عن عدوه ليهديه رصاصه.
 
نخلص الى القول الى ان حرية التعبير هي اكذوبة ابتدعها الغرب وانطلت على الجماهير المغفلة، فإما ان يعبر الاعلامي عما يريده الحاكم وإما ان يكون مصيره السجن.
 

مقالات ذات علاقة

حكمة من الأدب الصيني!!

ناجي الحربي

الموسيقى التصويرية.. من “غزو الجنة” إلى عمر المختار

المشرف العام

تكفير الكُتَّاب وتحليل الإرهاب

عمر أبوالقاسم الككلي

اترك تعليق