طيوب الفيسبوك

مسألة…

من أعمال التشكيلية الفلسطينية جهاد (فرح) إسماعيل
من أعمال التشكيلية الفلسطينية جهاد (فرح) إسماعيل


أثناء تفكري في مسألة ما، وجدت نفسي أنزع إلى تبني موقف بعينه، وما أن شرعت في تدوين هذا الموقف، حتى استبان لي خطؤه، فما كان مني إلا أن عدلت عن رأيي، مضيفا أساليب النفي للعبارات التي بدأت بها مقالتي، وفي النهاية خلصت إلى تبني موقف نقيض. حين تكون الأفكار حبيسة الذهن، لا يتضح عوارها كما يتضح حين تتلطخ بالمداد. قدرات الذهن على تتبع النقلات الاستدلالية التي يقوم بها تظل محدودة، لكن الأفكار تصبح أسهل على النقد حين تتجسد في ألفاظ مدوّنة. ذلك أن النقلات الاستدلالية غالبا ما تكون ملتبسة وغائمة في الذهن، وحين يشرع الكاتب في التعبير عنها كتابة، تتناسل وتتكاثر الأفكار، فيما يمارس هاجس الفشل في توصيلها إلى القارئ المقصود وإقناعه بها سطوته الجبارة، ما يجعل الكاتب يعمد إلى توضيحها وتحصين منطقها. وفي حين أن المرء لا يجد غضاضة في تعديل آرائه أثناء الكتابة، ولا يجد غضاضة حتى في الخلاص إلى نقيض ما كان بدأ به، فإنه يجدها حين يحاور الآخر شفاهة أو كتابة. وعلى الرغم من حديثنا المكرور عن قبول الآخر، يبدو أنه لا أقسى على النفس البشرية من الاعتراف بأن نفسا بشرية أخرى قد بينت لها أنها أخطأت في تقدير الأمور، ولا أصعب عليها من رؤية بريق الانتصار في عيون محاوريها. وحين يكون الآخر مجازا هو الذات، فيما يعرف بالحوار الداخلي، لا يهم كثيرا من يحقق الانتصار، لأنه سوف يتماهى في النهاية مع الأنا المنتصرة. ولكن حين يكون الآخر آخر حقيقيا، فإن الأمر مختلف تماما. أقبل لأن أثبت لنفسي أني مخطئ، لكني لا أقبل أن يثبت الآخر لي أني مخطئ. الإنسان مجبول على التظاهر بالانتصار، وحتى حين يثبت لنفسه أنها أخطأت، لا يعترف بالهزيمة، بل يقول إنه انتصر على نفسه.





مقالات ذات علاقة

طـيـن

المشرف العام

عالم افتراضي

المشرف العام

معارف مغلوطة

المشرف العام

اترك تعليق