إدواردو غاليانو
المقالة

النمر الأزرق أو إدواردو غاليانو


“في الأوروغواي قام المستجوبون بتحديث أنفسهم.مزيج غريب من العصور الوسطى و المفهوم الرأسمالي للعمل.الجيش لم يعد يحرق الكتب:بل يبيعونها إلى مصانع الورق،شركات الورق خدمتهم جيدا،تم إعادة تصنيعها ورجع الورق إلى سوق الاستهلاك من جديد.أصبح ماركس و فرويد و بياجيه غير متاحين للقراء في شكل كتب،بل في شكل مناديل ورقية”
إدواردو غالينو

عندما أفكر في كتابات إدواردو غاليانو تظهر أمامي لوحة كبيرة من الألعاب النارية،ترسم الألعاب الناريه بورتريها لكاتب جعل من الكتابة أداة ثورية،يجلس على الأريكة الصغيرة،يشعل سيجارته الفرنسية الداكنة،و يبتسم لشعوره بهذه الجودة الهائلة لعقله الذي يعمل كمستكشف،هذا العقل الذي كتب ذاكرة النار،حوّل التاريخ الذي تشبه فصول دراسته في المدارس و الجامعات و زيارة المستشفى أو المقبرة،تاريخ الماضي بلا حياة،التاريخ الأجوف،التاريخ الأخرس،تاريخ بضمير مستنزف،تاريخ بلا إحساس تتم خيانته كل صباح،و مسجون في كتب تشعر أن من كتبها كاهن و ليس مؤرخ،هذا هو حال التاريخ المدفون تحت أسماء أشخاص أو تحت تماثيلهم الآثرية،كتب غاليانو هي أكبر مساعدة قد يقدمها كاتب للتاريخ،في كتبه يشعر التاريخ بالحرية،و أنه قادر على التنفس و ينظر إلى الحياة وهي تجري في عروقه،لا أحد يعرف إذا ما كان أيا من كتب غاليانو رواية أو مقال أو قصيدة او شاهدة على وقائع،ذاكرة النار هو ذاكرة النار،مرايا هو مرايا،أطفال الأيام هو أطفال الأيام..إلخ،لا تنتمي هذه الكتب إلى اي شكل أدبي،لكن هي أروع ما كُتب عن تاريخ و جغرافيا أمريكا اللاتينية،هي تاريخ مع عاطفة غنية و حميمة تتحوّل فيه كل المفاهيم المهجور إلى إبداع،كتب غاليانو تتحدث عن اليومي و المألوف و المعتاد،وربما نجد أفضل تمثيل لها في كتاب “كرة القدم في الشمس و الظل” يكتب فيه غاليانو تاريخ كرة القدم في أمريكا اللاتينية و لحظاتها و أسمائها التي لا تنسى،مثل هذا التاريخ مرفوض من قِبل المؤرخين و المثقفين المحافظين،بينما كل الكتاب يؤكد على أن أسلوب اللعب هو طريقة في الوجود،و هذا الأسلوب يؤكد حق المجتمع في الأختلاف “القميص السماوي دليل على وجود الأمة”،و يشير إلى الكيفية التي سمحت بها كرة القدم للفقراء و العمال و ذوي البشرة الداكنة من الصعود في السلم الاجتماعي،كشف بشكل جميل كيف أن تطور كرة القدم في أمريكا اللاتينية جعلها تدخل في النظام العالمي الجديد من خلال الأندية و الوسطاء و المقاولين،يقول عن نفسه:”مثل كل أولاد الأوروغواي،أردت أن أكون لاعب كرة قدم،لقد لعبت بشكل جيد،لقد كنت رائعا،لكن فقط في الليل،أثناء النوم،خلال النهار كنت أسوأ ساق خشبية على الإطلاق”هذه القصة المستبعدة من التاريخ هي قصة كل طفل في الأوروغواي و أمريكا اللاتينية،كل ما كتبه غاليانو ينم عن روح المثقف الملتزم فكريا،و يعبر عن ضمير يقف في وجه الإنهيار النهائي لمعنى الحياة،لقد كان لديه إلتزاما بالخاسرين وحدهم،وبحث عن الكلمات التي تنصفهم،لكن من هو إدواردو جاليانو؟
ولد إدواردو هيوز غاليانو في مونتيفيديو يوم 3 سبتمبر 1940 (هيوز هو اسم جده الويلزي الأصل)،بدأ العمل كصحفي في سن الرابعة عشر في صحيفة الشمس الاشتراكية الاسبوعية،و في وقت لاحق أصبح رئيس تحرير مجلة المسيرة الأسبوعية،و بعدها في عام 1973 مدير تحرير صحيفة الوقت،هذا غير العمل كرسام كركاتير،مصمم،صراف في بنك،عامل في مصنع مبيد للحشرات،بعد الإنقلاب العسكري في الأروغواي فر إلى الأرجنتين،وقع انقلاب عسكري في الأرجنتين كان هناك خطر على حياته فهرب إلى أسبانيا،في عام 1985 و بعد الانتخابات الديمقراطية في بلاده الأوروغواي عاد إلى مونتيفيديو و استقر هناك،عاش حياة مفزعة في الجامعة التي يوقع فيها الطالب على إقرار بأنه سيبلغ عن أي طالب له نشاط بعيد عن موضوع الدراسة الجامعية،و الإبلاغ عن أي اجتماع من أي نوع حدث في حضوره،رجال المخابرات في كل مكان،في الشوارع،المقاهي،الحانات،في المصانع،الحافلات،الصالات الرياضية و مكاتب العمل الرسمية،مونتيفيديو هي مدينة الأذنين و الشك،البيوت فيها ما هي إلا سجون متنقلة،الناس يقتلون كل يوم دون محاكمة،وفي أغلب الحالات لا وجود لجثة،الرجال تبتلعهم الأرض،أو السجون أو الثكنات و ما يتبقى منهم هو الرعب و عدم اليقين،هذه الحياة في ظل الدكتاتورية جعلت غاليانو يكتب صفحات تنويرية بوحشية و مرارة تزيد مع الأيام،لكنه لم يحقق الشهرة الواسعة جدا إلا في عام 1971 بعد نشر الأوردة المفتوحة لأمريكا اللاتينية،الكتاب الذي أثار ضجة كبيرة وتم استقباله بترحاب كبير لدرجة أن الكاتبة إيزابيل الليندي تقول:”بعد انقلاب عام 1973 في تشيلي،لم أستطع أخذ الكثير من الأشياء معي:بعض الملابس و الصور العائلية،كيس طين من أرض حديقتي و اثنين من الكتب:طبعة قديمة من ديوان بابلو نيرودا و الأوردة المفتوحة لأمريكا اللاتينية”،كان يطلق على الكتاب :”مفارقة تاريخية للأدب اليساري”،لقد نظرت أمريكا اللاتينية إلى وجهها الحقيقي في هذا الكتاب ولم تنظر إليه في وجه أجنبي يجب أن يكون هو النموذج،لقد فضح غاليانو تاريخ طويل من الخسارة،لقد أصبح غاليانو باب واسع للهروب من النسيان.

“الحياة،بلا اسم،بلا ذاكرة،كانت وحيدة.كانت لها يدان،ولكن لا وجود لمن تلمسه.وكان لها فم،ولكن لم يكن هناك من تكلمه.كانت الحياة واحدة،ولأنها لا أحد.عندئذ أطلقت الرغبة قوسها.فشطر سهم الرغبة الحياة نصفين،وصارت الحياة اثنين.التقى الاثنان وضحكا.أضحكتهما رؤية أحدهما الآخر،و ملامسة أحدهما الآخر ايضا.”،هكذا يبدأ كتاب “مرايا:ما يشبه تاريخا للعالم”،كان الأدب في زمن ما ينظر إليه على أنه ابتسامة المجتمع،لكن في ستينتات و سبعينيات القرن العشرين عرف الأدب بأنه مقاتل و منخرط في الحرب الدائرة،ومع البعد المعقد الذي وصلت له البشرية استعان التاريخ بهذا الأدب لمشاركته المعركة،”في الكونغو،تركت بلجيكا ما مجموعه ثلاثة زنوج في مناصب مسؤولية في الإدارة العامة.وفي تنزانيا،تركت بريطانيا العظمى مهندسين اثنين و اثني عشر طبيبا.في الصحراء الغربية تركت إسبانيا طبيبا واحدا،ومحاميا وخبير محاسبة واحدا.وفي موزمبيق،تركت البرتغال تسعة وتسعين بالمئة من السكان أميين،ودون حاصل واحد على الثانوية،ودون جامعي واحد”،هذه الرواية بعيدة كل البعد عن الرواية الرسمية للتاريخ،لقد اخترق غاليانو قلب العالم،واخترق جراحه و أشباحه اليومية،و الأستثنائي حقا هو كتابة هذه الجروح و الأشباح بجودة أدبية لا يمكن إنكارها،و مع ذلك نجد فراغ نقدي لأعمال غاليانو و كأن النقد أغمض عينه أمام كتاباته،لقد تم تجاهلها بتعمد،تاريخ العالم بالنسبة لغاليانو هو تاريخ الغرباء،المهمشين،المنفيين،المضطهدين،المهزومين،يكتب هذا التاريخ الأدبي مدعوما بمصادر صارمة من السجلات التاريخية مع لمسته الأدبية الفاخرة،هذه اللمسة التي تجلب الرجل العادي من الشارع إلى قلب الحقائق العظيمة،وهذا ما يسمه هو “قوس قزح الأرضي”،هذا القوس يحتوي على أسوأ الألوان في قوس قزح السماوي،هذا القوس هو أنا و أنت و البشر جميعا،هذا القوس الأرضي تم تخريبه بالدكتاتوريات و الإضطهاد و العسف و القمع و العنصرية،تاريخ هذا التخريب هو ما يكتب عنه غاليانو،”في العام 1998 تلقت الإدارة العامة لنظام السجون في جمهورية بوليفيا رسالة موقعة من جميع سجناء سجن وادي كوتشابامبا.السجناء يطلبون من السلطات بأن تتفضل بزيادة ارتفاع سور السجن،لأن الجيران يقفزون بسهولة و يسرقون لهم ملابسهم التي يعلقونها في الفناء لتجف.و لأنه لم تكن هنالك ميزانية متوفرة،لم يجد السجناء بدا من العمل بأنفسهم.وقد رفعوا السور جيدا،بطوب من الطين و القش،كي يحموا أنفسهم من المواطنين الذين يعيشون في محيط السجن”،عندما يكتب هذا التاريخ يتوقف غاليانو عن أن يكون من الارغواي،يصبح كائنا عالميا من الفقراء و الكادحين و المظلومين،يتحول تاريخه إلى ضوء يتسرب من خلال ضباب التعاسة و الحزن،يتحدث عن هذا الشفق الإنساني المصبوغ بلون الدم،يقدم هذا التاريخ الكراهية و النفور و ليس العزاء فقط.

في  كتابه “أطفال الأيام:تقويم للتاريخ البشري” يقول:”في سنة 1937 توفي جون دي. روكفيلر،مالك العالم،ملك النفط،مؤسس شركة ستاندارد أويل.عاش لمدة قرن تقريبا.لم يعثر تشريح الجثة على مبدأ أخلاقي واحد”،ثروة أمثال روكفيلر تزيد مع ياس الأخرين،لا تنبت أموالهم إلا في أرض سوداء،هؤلاء هم اللعنة في كل أركان العالم،تاريخ غاليانو يهتم بالتفاصيل الصغيرة لهذا يلمع في ليل هذا العالم كنجم حزين،لا وجود لأشياء كبيرة في هذا التاريخ،لا أسماء كبيرة و لا مدن كبيرة و لا تواريخ كبيرة،توجد فيه أصوات بلا وجوه،اصوات الوجوه المهملة و الصامتة و المفقودة،المستبعدة تاريخيا،المنسية في كل خطابات المجتمع،هؤلاء هم أطفال الأيام،أطفال لا أحد،”لا أدري إن كان فمي جديرا بهم،و أنا أعلم أن ليس هناك عمل أدبي يمكن أن يشملهم جميعا،لكن هذه الأصوات تبدو قوية،وفيها إغراء لا يقاوم”،هذه هي المهمة التي كلف بها غاليانو نفسه:كتابة تاريخ الغياب،التاريخ التقليدي يخفي و يتجاهل،لكن هو يرسم و يلون بالوان قوس قزح الأرضي لوحة حية و مثيرة لما يتجاهله التاريخ التقليدي،يكتب باسلوب ينتهك بسرور الحدود بين الأنواع الأدبية،وبين الأدب و التاريخ و الانثربولوجيا و علم الاجتماع و علم النفس و الاقتصاد و السياسة،نباح كلاب الصيد،الأبواق،صائد العبيد،الهارب يعبر النهر،يدخل أكوم القش،ركض إلى النهر،تقبيل الأرض،عض الأرض،احتضان الارض بحنان،بمثل هذه الكلمات يكتب غاليانو،كلمات تنتهك الصرامة و الحياد التاريخي،”أنا أكتب للناس الذين يعانون من سوء الحظ،أولئك الذين يأكلون بشكل سيء،أولئك الذين ينامون بشكل سيء،ومعظمهم لا يستطيعون القراءة،الذين ليس لديهم المال لشراء كتاب”،هذا التناقض الذي يفضحه غاليانو مسكوت عنه،ضميره اليقظ جعله يفكر في أن يكون هو كلمتهم المنسية،يروي قصصهم التي يتجاهلها التاريخ،لقد ظهر الأوردة المفتوحة لأمريكا اللاتينية في خضم صراع الأيديولوجيات و الدكتاتوريات الدموية و الحروب بين الدول المتجاورة،لكن ذاكرة النار ظهر في وقت تراجع الدكتاتوريات،و التغيير في هايكل السلطة،لكن لم يكن هناك تغيير حقيقي على الإطلاق،و نشوة الحلم بحياة أفضل سرقها النظام العالمي الجديد،هذا النظام الذي لا يتساهل مع الدول الضعيفة اقتصاديا و ثقافيا،لقد أعلن هذا النظام نهاية التاريخ و موت اليوتوبيا،و أغرقنا في تدفق هائل من الكذب في وسائل الإعلام،و كمية من المعلومات مفرطة في تفاهتها،كان من الصعب كتابة تاريخ يتم فيه تتبع أسباب ما حدث،المنتصر هو من يكتب التاريخ،لكن غاليانو قرر كتابة تاريخ للمهزومين،تاريخ لا يقترح علينا تمييزات واضحة بين الخيال و الواقع أو بين الأدب و التاريخ،تاريخ حي يعيش و يتنفس،تاريخ يرمز و لا يشرح،الأدب في هذا التاريخ لا يؤثر على الحقيقة التاريخية المسجلة في الوثائق،اسلوب غاليانو هو ترسيم أنيق للحدود بين الخطاب الخاص و المعلومة التاريخية المقتبسة بحرفيتها.

يتبع غاليانو قول متشادو:”أنا أكتب للناس الذين أحبهم أكثر”،يختار غاليانو الحديث عن القصص اليومية للناس،عن تجاربهم الشخصية،عن أحلامهم و أساطيرهم،يتعامل غاليانو مع الحياة اليومية كمسرح حقيقي للتاريخ،كتب بلغة سهلة و قريبة من الشفاهية،وتعامل مع التقاليد السردية في أمريكا اللاتينة بمثابة مصدر للكلمات،غاليانو لا يرفض تقاليد الثقافة العليا لكنه يمطها لتصل إلى الأسفل،”سيحطم النمر الأزرق العالم.وستولد أرض أخرى دون شر أو موت من حطامه،هذه الأرض تريد ذلك،تطلب الموت،تطلب الولادة،إنها الأرض القديمة التي أسيء إليها،المنهكة و العمياء من البكاء الكثير خلف الجفنين المطبقين،على حافة الموت تتخطى الأيام،كومة الزمن القمامية،وفي الليل تستلهم الشفقة من النجوم.حالا سيسمع الأب الأول تضرعات العالم،الأرض تود أن تكون أرضا أخرى،عندئذ سيقفز النمر الأزرق الذي ينام تحت أرجوحته الشبكية.منتظرين تلك اللحظة،سافر الهنود الجوارانيون عبر الأرض الملعونة.
”أهناك شيء تقوله أيها الطائر الطنان؟”،رقصوا دون توقف،أكثر خفة ورشاقة،مترنمين بأغان مقدسة احتفلت بالولادة القادمة للأرض الأخرى.”وهج أشعتك،وهج أشعتك أيها الطائر الطنان!”،بحثوا عن الفردوس من سواحل البحر إلى وسط أمريكا،وصلوا إلى حواف الغابات و الجبال و الأنهار بحثا عن الأرض الجديدة التي سيجعلونها خالية من الشيخوخة أو المرض أو أي شيء يوقف مهرجان الحياة الأبدي،أعلنت الأغاني أن الذرة ستنمو بنفسها،أن السهام ستنطلق عبر الأدغال من تلقاء ذاتها ولن يكون العقاب أو الصفح ضروريين ذلك لأنه لن يكون هناك منع أو لوم”،هذا هو صوت أمريكا اليائسة حتى من اسمها،صوت الأمل لا الحنين إلى استرداد المجتمع البدائي أو الحياة التي كانت قائمة فيه،بل استرداد التضامن و الحرية و العلاقة بين الإنسان و الطبيعة،يقول أحد أفراد المايا من جبال اكسكان في غواتيمالا:”إنهم يقتلوننا لأننا نعمل معا،نتناول الطعام معا،نعيش معا،ونحلم معا”،ما التهديد الذي يجده الشر في هذا التضامن؟هذا التضامن يعارض التقدم و النظام العالمي الجديد،لهذا رمى يوما ما الرهب دييغو دي لاندا كتب المايا في النيران في يوكوتان،وقبلها سيسنيروس رئيس الأساقفة رمى بكتب المسلمين إلى النار في غرناطة،يقال أن الحريق استمر لعدة أيام،النظام العالمي الجديد لا يحرق الكتب،يعيد تصنيعها لنستخدمها كمناديل ورقية،لا شيء تغير خلال كل هذه القرون،لم يعد هناك قراصنة أو فاتحين،لا قائد أعور أو رجل خشبية،الآن لدينا شركات متعددة الجنسية و عولمة و الصين ورشة العالم،في كتاب “النساء” يتحدث غاليانو عن مرسيلا وهي امرأة من أوسلو تغني و تروي القصص،امرأة أوسلو تلبس تنورة ضخمة مليئة بالجيوب،الواحد تلو الآخر،تخرج منها أوراق،كل ورقة تحتوي على قصة جميلة،كل القصص تعتمد على اتساقها،في هذه القصص يريد الناس العودة إلى الحياة كما في السحر،عندما تحكي يعود الأموت من أعماق تنورتها،يعودون مع حبهم و رحلاتهم و يُسمح لهم بالعيش،هذا ما يفعله غاليانو يروي قصص تسمح للمهمشين و المنسيين و الموتى بالعودة إلى الحياة و العيش بيننا،غاليانو يؤكد بكل ما كتبه أن ليس في الحاضر ما لا يمكن تفسيره،الحاضر يحتوي على بصمة حقائق الماضي،غاليانو رجل من الأوروغواي،تشكل أدبيا في مقاهي مونتيفيديو الخمسينات،مكان العمال و العاهرات و البوهيميين و الهاربين من الحرب،سمع حكايات حياتهم المأساوية،هذه الحكايات الشفوية هي أساس كل كتبه،عندما استقر مع زوجته هيلانة فيلاجرا في كاليلا دي لاكوستا بالقرب من برشلونة،أخرج من الجيوب الواحد تلو الآخر الحكايات و القصص و كتب ذاكرة النار عام 1982،و في عام 1984 الوجوه و الأقنعة،كتب بلا خوف أو ندم،بلا تفكير في الأنواع الأدبية،قبلها كان قد نشر في الأيام التالية 1963،الأوردة المفتوحة لأمريكا اللاتينية 1971،فاجاموندو 1973،ايام و ليالي الحب و الحرب 1978،أغنية لنا 1980،وبعد العودة من المنفى،كتاب العناق 1989،نقول لا 1989،كن مثلهم 1992،كلمات المشي 1992،استخدمه و ارميه بعيدا 1993،كرة القدم في الشمس و الظل 1995،أفواه الوقت 2004،مرايا 2008،أطفال الأيام 2011،المرأة 2015 و قد نشر بعد وفاته في صباح يوم 13 ابريل 2015،كان إدواردو غاليانو يعاني من سرطان الرئة ،لقد عرف غاليانو الخذلان من كثيرين و على رأسهم ماريو فارغاس يوسا،الذي انتقد بشدة كتاب الأوردة المفتوحة لأمريكا اللاتينية،و قد رد عليه إدواردو غاليانو قائلا:”يقول الروائي ماريو فارجاس يوسا أنه لا يوجد خيار إلا تحديث الهنود،لإنقاذهم من الجوع و البؤس،حتى لو كان الثمن هو التضحية بثقافتهم”،لكن الكاتب الكوبي الكبير كارلوس البرتو مونتانير يرد على يوسا وغيره في مقالة له على صفحات النيويرك تايمز قائلا:”البلهاء يفقدون الكتاب المقدس”، لقد انتشرت كتب غاليانو و ترجمة إلى لغات كثيرة،لأنها كتب عنيدة مثل الصوت العنيد الذي تسمعه وأنت تمر بالقرب من نهر أوروغواي،الذي يقال عنه أنه نهر من الطيور المطلية وهذا يعني في اللغة الغوارنية نهر الحرية.

مقالات ذات علاقة

البصر والبصيرة

منصور أبوشناف

صمت الأجراف.. في رثاء داوود حلّاق

المشرف العام

فاطمة عثمان: خرابين يا وطن

سالم الكبتي

اترك تعليق