MEO
رواية غسان شبارو صدرت في مرحلة شديدة التعقيد من السيطرة المباشرة للغرب على العالم الثالث إثر تشييد نمط من الخطاب الموجه صوب المجتمع العربي وخاصة فئة الشباب.
صدرت رواية “النحلة والغول” للكاتب غسان شبارو في مرحلة شديدة التعقيد من السيطرة المباشرة للغرب على العالم الثالث إثر تشييد نمط من الخطاب الموجه صوب المجتمع العربي وخاصة فئة الشباب، بأسلوب استبطانيّ لعوب وانتقائي وتعدّدي، يميّع الحدود بين الثقافة التقليدية “الرفيعة” والثقافة المعاصرة “الاستهلاكية”، ويقوم بإعادة إنتاجها واختلاقها بشكل جديد للبرهنة على تفوقه.
والرواية هنا تستكشف هذا الخطاب وتكشف عما ينطوي عليه من تجاذب وتناقض، وينصبّ اهتمامها الرئيس على تفكيك الوعي الزائف الذي شيده الغرب الرأسمالي – لعقود طويلة – عن التفوق الحضاري للغرب بواسطة جمعياته السرية التي تعمل في الخفاء والذي أكمل مسيره اليوم مع ثورة الاتصالات وما ولّدته من فوضى مرعبة اخترقت أكثر ما اخترقت عقول شبابنا الذين صدّقوا قدْراً كبيراً من الزيف في هذا الخصوص فتحولت اهتماماتهم صوب السوشيال ميديا وألعاب الفيديو والأغاني الهابطة والأفلام الخيالية، وغير ذلك من السلوكيات التي تهدر الوقت وتبعد الشباب عن قيمهم وتاريخهم وقضاياهم الوطنية وأهدافهم المستقبلية.
في “النحلة والغول” ثمة عوالم مرجعية أربعة يُحيل إليها الكاتب غسان شبارو
بنِسَب مختلفة وهي: عالم الشباب والعلاقة مع وسائل التواصل الاجتماعي
“الإنترنت”، وعالم معايير “النشر” وحقوق “الناشر”، وعالم العلاقات الأسرية
والزواجية، وعالم تجار الحروب وضحاياها على مستوى العالم أجمع. وتتمظهر
إحالاته إلى العالم الأوّل من خلال شخصية الشاب “مراد”، الذي عانى من
التنمُّر فوجد في ألعاب الفيديو الإلكترونية تعويضاً عن العلاقات المباشرة
مع الأهل والأصدقاء فانضمَّ إلى لعبة “بيجي” ثم ما لبث أن تركها بسبب عدم
وضوح رؤيته البصرية، وتنمُّر أعضاء اللعبة على حاله. ثم وجد في لعبة
“فورتنايت” ملاذه المفضّل للهروب من واقعه، هكذا ظن وهو يعيش حياته
الافتراضية إلى أن اختبر الحقيقة المؤلمة بنفسه. وهنا تنُبّه الرواية إلى
ضرورة مراقبة السلطات المختصة والأهل لمواقع التواصل الخاصة بالأولاد
واختيارها على أسس تربوية سليمة.
وتتمظهر إحالته إلى العالم الثاني من واقع مهنته في كونه كاتباً روائيّاً
وناشراً فاتخذ من مسيرة دار “البصيرة للنشر والتوزيع”، في مجال النشر
والتوزيع والتسويق فضاءً للتعبير عن حقوق الناشرين تجاه ما يواجهونه من
قرصنة للكتب عبر مواقع جاهزة للتنزيل المجاني، والأمر الأشد خطورة كان في
تزوير إصدارات الدار الورقية وبيعها في بعض المكتبات دون أي احترام لحقوق
الملكية الفكرية، وهنا تلفت الرواية انتباه السلطات القانونية المختصة
لاتخاذ التدابير اللازمة التي تحمي الكاتب والناشر معاً.
وتتمظهر إحالته إلى العالم الثالث في تركيزه على العلاقات الأسرية من خلال
العلاقة الزواجية المتينة التي تربط بين شاهين أفندي ومي نادر اللذين نجحا
على الرغم من الفروق الطبقية التي تفصل بين عائلتيهما، فالزوجة “مي” على
الرغم من كونها نشأت في عائلة ميسورة إلا أنها اعتمدت على نفسها بعيداً عن
مال عائلتها، وتزوجت من شاهين أفندي الذي تحدَّرَ من عائلة عريقة وغنية حط
بها الدهر مما اضطره إلى التضحية بأهدافه ومستقبله الذي رسمه ليحافظ على
كرامة عائلته، ولكن الحب والتفاهم كان الأقوى فنجحا معاً وأخذا بيد ابنهما
مراد قبل أن يأخذه تيار “الإنترنت” وألعابه الإلكترونيّة إلى غير رجعة.
وأما إحالته إلى العالم الرابع فتتمظهر في كشفه السياسات الدولية المعولمة
الباحثة عن السيطرة والربح على حساب البشر.
وتأتي مقالة الدكتور مجدي سالم في الرواية لتكشف عن الوجه القذر لأميركا في
حربها مع فيتنام من خلال التفاعل الذي رافق صورة “فتاة النابالم” على
وسائل التواصل الاجتماعي، وهي الفتاة الفيتنامية “فان ثي كيم فوكب” ذات
الأعوام التسعة، وهي تجري عارية تصرخ ألماً والدموع تجري على خديها، وقد
احترق ظهرها نتيجة ضرب الطيران قريتها بقنابل النابالم الحارقة، وليس
بعيداً عن هذه المأساة ما يحصل اليوم في دول ما تزال ترزح تحت سيادة تجار
الحروب وأدواتهم في بلدان مثل فلسطين والعراق واليمن والصومال والسودان
وسورية ولبنان وغيرها.
هذه العوالم الأربعة يُدخلها الكاتب شبارو في شبكة من العلاقات الروائية
يتداخل فيها الواقعي بالمتخيل، والمُعاش بالافتراضي، وإن كان الأخير يستأثر
بالحيز الأكبر في هذه الشبكة. وهو يوزع هذه العوالم برؤية واضحة تُدين
المجرم وتقف إلى جانب الضحية أياً كان جنسها ولونها ودينها. وبهذا الاشتغال
الفني الفريد تحقّق “النحلة والغول” روائيتها وتبعث برسالتها ليس إلى فئة
الشباب فحسب بل إلى العالم أجمع. وقد عرف مؤلفها كيف يقدم أفكاره بشكل فني
مجرد من الخطابية والمباشرة التي قد يقع فيها بعض كتّاب الرواية.