شخصيات

د.عمرو النامي

الكاتب .. عمرو النامي

.

هو مثقف واسع الإطلاع تخرج من كامبردج عام 1971م وعاد إلى بلاده داعية للحرية ومدافعآ عن الثقافة الإسلامية.

لكنه سرعان ما ذاق كلفة اختياراته، وتنقل بين السجون والمنافي، وحتى عندما هجر التدريس جملة واحدة وعاد إلى قريته راعيا للأغنام، لاحقته الأجهزة وضاع خبره عندها منذ 1986م، فلا أحد يعرف مكانه أو مصيره.. وهذه لفتة وفاء لكاتب كريم وشاعر حالم، وخاطرة أمل بان يذوق طعم الحرية من جديد.

ولد في مدينة “نالوت” في ليبيا، ونشأ في أسرة محافظة تحرص على العلم، وتتمسك بأهداب الدين.

عندما أنهى الدكتور عمرو النامي دراسته في جامعة كامبردج سنة 1971م كان يحلم بمكانة مرموقة في الجامعة الليبية.

وهو حلم يتناسب مع قدراته العلمية، ومواهبه الفنية، وتطلعاته الفكرية. إنه مثقف واسع الاطلاع، متنوع القراءات.

ويتمتع بذكاء أهله إلى درجة المتفوقين – في الدراسات الأدبية في كلية الآداب والتربية، الجامعة الليبية، ومقرها مدينة بنغازي سنة 1962م.

ووقع اختياره لبعثة دراسية لاستكمال الدارسات العليا.. كانت الجامعة الليبية في تلك السنوات في بداية عمرها الذهبي، إذ افتتحت أول جامعة ليبية في زمن الاستقلال سنة 1955م. (استقلت ليبيا سنة 1951م).

و أهدى الملك إدريس قصره المتواضع، واسمه “قصر المنار” ليكون منارة لطلاب الدراسات الجامعية.

ومن حسن الحظ، وحسن السياسة تمكنت الجامعة في عقدي الخمسينات والستينات من الاتفاق مع عدد من الأساتذة الجامعيين اللامعين وجلهم من جامعتي القاهرة، والإسكندرية.

وكان بينهم الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين، أستاذ الأدب العربي الحديث. وهو شخصية مثيرة، بأسلوبه النقدي، وبتمسكه ببعض القديم بما في ذلك “طربوشه” الذي يميزه عن سائر المدرسين الآخرين.

الأستاذ وتلميذه

كان الدكتور محمد محمد حسين شديد الإعجاب بذكاء عمرو النامي، فاهتم به وشجعه على المضي في طريق البحث والدراسة حتى يصبح يوما ما أستاذا جامعيا. وجمعت بين الأستاذ وتلميذه رابطة المنطلق والتوجه الإسلامي.. ومن الصدف الطريفة أن قسم اللغة العربية في تلك السنوات (1959-1962) جمع بين ثلاثة من الطلاب الأذكياء، وهم عمرو النامي، ومصطفى الهنقاري، وصادق النيهوم.

وفي حين جمعت الصدفة بينهم في الدراسة، فقد كان لكل واحد منهم شخصيته الثقافية، وسلوكه الاجتماعي واختياره الفكري، وتباعدت بينهم الآراء والمعايير والمواقف حتى انعكست في أعمالهم الأدبية والنقدية، والتي سنذكرها فيما بعد، وبالتحديد بين عمرو النامي، وصادق النيهوم.

أحداث اعتقالات ” الإخوان” وخروج النامي من مصر

الاخوان المسلمين

في سنة 1962م أكمل عمرو النامي تعليمه الجامعي في ليبيا، وبدأ يستعد لمرحلة الدراسات العليا.

وتوجه في بداية الأمر نحو مصر، وبينما كان في تلك المرحلة وقعت أحداث 1965م وهي أحداث اعتقالات ” الإخوان” ومن بينهم محمد قطب وسيد .

ونظرا لأن عمرو النامي يقع في نفس الدائرة من حيث التوجه الفكري، وخشية من أن تمتد إليه يد الاعتقال ترك مصر، وترك شأن الدراسات العليا بها، وعاد إلى ليبيا لبعض الوقت، واستطاع إن يقنع إدارة الجامعة الليبية بتغيير مكان الدراسة من مصر إلى بريطانيا. وكان مدير الجامعة في ذلك الوقت المرحوم الأستاذ مصطفى بعيّو الذي قدر ظروف عمرو النامي، ووافق على إجراءات التغيير.

غربة والدكتوراه

جامعة كامبردج

في بريطانيا، وفي جامعة كامبردج قضي عمرو قرابة خمس سنوات كان حصادها التعليمي درجة الدكتوراه في الدراسات: ” العربية والإسلامية” وحصادها العام ثقافة واسعة، وتجربة حضارية، وعلاقات متنوعة مع أهل العلم والفكر ورواد الحركات الإسلامية من مختلف الأجناس واللغات والقارات.

بينما كان عمرو النامي في غربته تلك من أجل العلم والدراسة (1967-1971م) كان يتابع أخبار الوطن وما يجري فيه من تفاعلات ثقافية وسياسية.

وظل يرصد بعض ما تنشره الصحف الليبية من مقالات فكرية و أدبية، أو ما تنشره من شعر.

ولا يفوته أن يقيمها، وإن عبر عن موقفه من اتجاهاتها وما تعكسه من دلالات لا يرضى عنها في بعض الأوقات، وفي بعض ذلك الإنتاج.

النامي يكتب من الغربة

كنت أنا في تلك السنوات صحافيا في صحيفة “العلم” أكتب عادة عمودا يوميا.

واكتب أحيانا مقالات في بعض الصحف والمجلات الأخرى، بعضها حكومية، وبعضها مستقلة.

ونظرا لعلاقة الصداقة بيني وبين عمرو النامي، ونظرا لاهتماماتنا بالفكر والثقافة، وحواراتنا المتواصلة أحيانا، والمتقطعة أحيانا أخرى منذ كنا في الجامعة، فقد اتفقنا أن يكتب مقالات تنشر بصحيفة “العلم” ويمكن وصف عقد الستينات بالعصر الذهبي للصحافة الليبية، وحرية التعبير على صفحاتها، ما كان منها ناطقا باسم الدولة، أو ما كان منها قطاعا خاصا، وغالبا يعيش بدعم من الدولة.

فصول من الجد الهازل

ليبيا

نشرت صحيفة “العلم” ما بين سنة 1968-1969م عددا من المقالات النقدية لعمرو النامي.

كانت تدور حول: “الحضارة الغربية وموقفها من الإسلام والعالم الإسلامي”. “الشعر الحديث” نماذج ليبية، واختار لها عنوان “فصول من الجد الهازل” وعكست نقدا ساخرا ولاذعا لبعض الإنتاج الشعري الليبي الذى انفات من موازين الشعر العربي، وانفلت من ثقافة وقيم وصور البيئة العربية الإسلامية، وكثرت فيه على حد إشارات النامي “النواقيس” و “الصلبان وأشياء اخرى، وهي ثقافة تعلمها الشبان الليبيون من مجلات: الطليعة والكاتب والداب البيروتية.. وغيرهم.

أما المقالات التي أثارت دويا هائلا في تلك الأيام، فهي المقالات التي أنشأها عمرو النامي بعنوان “رمز أم غمز في القرآن” وفيها رد على كتابات للصادق النيهوم، والتي نشرها في صحيفة الحقيقة.

ونشر بعضها الآخر في صحيفة الرائد وكانت عن “الرمز في القرآن” ومن أكثرها جدلا مقالته بعنوان “إلى متى يظل المسيح بدون أب” حيث أحدثت ردود أفعال في عدة دوائر دينية وصحافية و أدبية.

ومن بين ردود الفعل تلك كانت مقالة عمرو النامي التي أرسلها من مدينة كامبردج ونشرت بـ”العلم” بتاريخ 18/4/1969م وجاء فيها: “ولو إنني اعرف الصادق النيهوم جيدا لكتبت غير هذا عن هذا الامر، فأنا اعرف الصادق شخصا لا ينطلق من أسس واضحة فيما يفعل أو يكتب، وهو يصنع ذلك استجابة لما يقرأ أو يطرأ عليه من أحوال تكتنف حياته التي لا يحكمها تصور واضح للحياة، أو سلوك ثابت محدود. ولذلك فعندما نشر بعض فصوله عن الرمز في القرآن، حسبت ذلك على ما قدمته من أحواله.

وقلت نوبة ستمضي بما جاءت، وهو شئ غير ذي قيمة في الواقع لا من ناحية الجهل والدراسة والبحث العلمي السليم، ولا من حيث آثاره ونتائجه”.

وكشف النامي أن ما يردده النيهوم قد سبقه إليه الباطنية نظريا وتطبيقيا.

ولعله من المناسب أن نلاحظ أن النيهوم الذي يكتب مقالات في مجلة “الناقد” ما يزال يستخدم نفس الأسلوب، ونفس العناوين الاستفزازية فيما يصدر عنه من آراء بشأن قضايا الفكر الإسلامي.

ويبدو أن جو كامبردج، ومناخها الأكاديمي قد أشاع الاطمئنان والارتياح عند الدكتور عمرو النامي.

فعندما حدث التغيير في ليبيا في 1/9/1969م، وانتهى النظام الملكي، وحل محله النظام الجمهوري كتب مقالة بعنوان: ” كلمات للثورة” نشرت بصحيفة “الثورة” في 14/11/1969م.

ووضع فيها مبررات الثورة، ومهمة الجيش، وهي مهمة استثنائية ضرورية محدودة، يعقبها تسليم السلطة إلى الشعب، وهو الذي يختار أسلوب حياته السياسي والاجتماعي في الفترة القادمة.

وتناولت المقالة الاتجاهات الفكرية السياسية القائمة في البلاد في ذلك الوقت ورتبها في الشكل الآتي: 1- القوميون العرب، 2- البعثيون، 3- الناصريون، 4- الشيوعيون، 5- الإسلاميون.

ووصفها بأنها تجمعات عقائدية ولذلك حسب تعبيره”فغالب الظن إنها لن تتخلى عن اتجاهاتها القائمة بل ستستمر في ارتباطها بهذه الاتجاهات والدعوة إليها، ونحن نعتقد أن لها جميعا حقا كاملا في اعتناق أفكارها وعرضها في نطاق الأخلاق العامة للشعب، بعيد عن التراشق بالتهم والكذب والإرجاف.. ويجب أن تتاح الفرصة الكاملة لهذه التجمعات للتعبير عن أفكارها وعرضها بكل الصور المشروعة التي تختارها.

كما يجب الاستفادة من خبرات هذه الفئات جميعا على النطاق الفردي في الجهاز الإداري للدولة مع تجنب تمكين أي فئة منها من كل المراكز الحيوية التي تجعلها تستغل مرافق الدولة في سبيل أهدافها الخاصة”.

كما تحدث في مقالته الطويلة عن الثورة والإسلام، وأكد أن الإسلام هو الأصل وهو الأساس في أحداث الإصلاح المنشود في ليبيا. فلا توجد في ليبيا عقيدة غير عقيدة الإسلام.

في صيف عام 1971م حزم الدكتور عمرو النامي كتبه و أمتعته وعاد إلى وطنه ليبيا ليحقق حلمه وليقف على منابر الفكر والعلم كاتبا وشاعرا وأستاذا جامعيا.

وبدل أن تفتح أمامه أبواب هذه المنابر، استقبلته مراكز الشرطة وغرف التحقيق ومنها إلى المعتقل.

وجاء أول اعتقال كحالة إنذار وتحذير ولم تستغرق مدته إلا بضعة أيام، واستأنف حياته العادية، وبدأ نشاطه كأستاذ في الجامعة في بنغازي ثم نقل إلى طرابلس. وعندما جرت الاعتقالات الموسعة سنة 1973م تحت شعارات: “الثورة الثقافية” “من تحزب خان” “الثورة الإدارية” كان عمرو النامي، واحدا من مثات المعتقلين من المثقفين والطلبة. وكنت أنا أحد المعتقلين في السجن الذي دام قرابة سنتين.. وبعد الإفراج عنان طلب من الدكتور عمرو النامي أن يغادر البلاد، وأعطي حق اختيار منفاه في اليابان، أو أميركا اللاتينية، أو أفريقيا. فاتجه أولا إلى الولايات المتحدة لتدريس اللغة العربية والإسلام في جامعة أميركية. ثم طلب منه الذهاب إلى اليابان في سنة 1979م وفيها أنشد يقول:

ودعت دارك رغم الشوق للدار

والدار ذات أحاديثٍ وأخبارِ

يا دار أمسيت بالأحزان غامرةً

تهدي همومك من دار إلى دارِ

نفسي الفداء لأرض عشت محنتها

ثم ارتحلت وحيدًا غير مختارِ

مبدَّد الحول لا زاد ولا أملٌ

إلا علالات أفكار وأشعارِ

أنى ارتحلت فإن القلب يعطفني

إلى الأحبة في شوق وإصرارِ

بالأمس كنتَ عرينَ المجدِ يا وطني وتدرج الفضل في سهل وأوعارِ

رفعت ألوية للفخر عاليةً

وصغتَ آثار مجدٍ أيَّ آثارِ

وأمهرتْ أرضك الأبطال من دمها

تسخو به بين أنجاد وأغوارِ

واليوم لا شيء غير الحزن يا وطني

وغير أناتِ أطيار لأطيارِ

لأنه شديد الحب لوطنه ولاهله ولمرابع طفولته وشبابه وذكرياته لم يطق حياة الاغتراب، وغلبته جاذبية الوطن، فعاد إلى ليبيا قبل أن يدور العام دورته. وقرر أن يهجر العلم والتدريس وأن يترك المدن الكبيرة وأن يتحول من مهنة التدريس إلى مهنة رعي الأغنام لعل ذلك يجعل سدا بينه وبين “منكرات السياية”.. وكان جادا في هذا الاتجاه، واشترى قطيعا من الأغنام، وذهب إلى ظاهر “نالوت” مسقط رأسه، ومقر أسرته و أهله. وفي قصيدة في هذا الموضوع يقول:

يكفي أباكِ لكي يعيش مكرمًا

عجفاء ثاغية وتيس أجربُ

ونعيش في قنن الجبال تظلنا

ويحيطنا بالحفظ قفر سبسبُ

جيراننا وحش الفلاة فلا يرى

فيها سوى سبع يسيح وثعلبُ

وهناك لا نخشى سوى ذئب الغضا

يعدو على تلك الشياه فينهبُ

والوحش وحش لا يلام لبطشه

هو في طبيعته يغير ويغصبُ

فلقد نعيش هناك عيشة هانئ

ولقد يسالمنا الشجاع المرعبُ

لم يتمكن الشاعر، والأستاذ الجامعي من تحقيق أمنيته، ومن إنجاز مشروعه، وليعيش حرا عزيزا كريما كما تطلعت نفسه.

وفوجئ مرة ثالثة بأبواب السجن تفتح أمامه سنة 1981م انقطعت أخباره عن أهله وأصدقائه.

ولا يعرف مصيره حتى الآن

عرفت عمرو النامي يوم كنا في مرحلة الدراسة الإعدادية الثانوية بمدينة غريان.

وجمعت بيننا مرحلة الدراسة الجامعية في بنغازي.

وتوثقت علاقتنا بروابط العقيدة والفكرة والوجهة الإسلامية الواحدة.

وعشنا محنة السجن معا في سنة 1973-1974م. وعرفت فيه الذكاء، والإيمان العميق، والشجاعة، وصلابة الموقف. والرجل كان فعلا يريد أن يعتني بوالديه، وأن يعيش بعيدا عن السياسة ومآسيها، وهو يدرك تماما الأبعاد الدولية للصراع في المنطقة.. ولكن يبدو أنه لم يفهم من قبل الأجهزة في ليبيا.

ودفع ثمن حسن نواياه. كما دفع نفس الثمن كثيرون آخرون. إن الدكتور عمرو خليفة النامي مثل للإنسان المثقف الجاد، وشديد الإخلاص لوطنه و أمته.

ولو كانت السلطة السياسية تتصرف بمنطق العقل والحكمة والنظر البعيد لما وقفت منهم موقف المطاردة والملاحقة والاعتقال. بعد أن أكد أنه لا ينوي الانخراط في حركة معارضة. واختار أن يتفرغ للعلم والتدريس أولا، ثم بعد ان حيل بينه وبين ذلك اختار أن يعيش في عزلة يرعى شويهاته في أرض ليبيا الواسعة.. ولكن يبدوا أن ليبيا صارت ضيقة‍‍

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها

ولكن أخلاق الرجال تضيق

هذه خطرات في سيرة رجل ارتبط بالفكر والثقافة،و كانت له مواقفه الصارمة التي لا تقبل الاحتواء، وإن قبلت الانزواء في وديان وشعاب نالوت..كان عمرو النامي كاتبا وناقدا ومحاضرا وشاعرا.

وخلال سنوات الاعتقال كتب عشرات القصائد. وألف في السجن(1973-1974م) كتابه الوحيد “ظاهرة النفاق في إطار الموازين السلامية” وصدرت طبعته الأولى سنة 1979م.. وشاءت الأقدار أن يغيب عن مسرح الحياة الثقافية في ليبيا، قبل أن ينجز أعماله الفكرية، بل شاءت الأقدار أن يغيب عن الأنظار والأسماع منذ سنة 1986م. والسؤال المطروح: أين الدكتور عمرو النامي؟

عمرو النامي بين هذه الكلمات

الدكتور عمرو خليفة النامي

انا لم أكن يوما صنيعة سيد يرمي إلي بكسرة فأرحب

رفض.. أستاذنا.. الدكتور عمرو خليفة النامي.. وهو خارج معتقلات “الثورة”.. أن يكتب.. كلمة واحدة.. يؤيد.. أو.. يساند.. أو يمدح.. أو يداهن بها.. “القائد”.. او “الانقلاب”.. او “النظام”.. وهو يعلم.. أنه لو فعل.. لفُتحت بين يديه.. خزائن “قارون”.. رفض ذلك.. بينما.. نظم.. وهو تحت سياط الجلاد.. وداخل المعتقلات.. وفي أتون القمع.. والتنكيل.. والاضطهاد.. نظم قصائد.. أحيت.. روح المقاومة ضد النظام الدموي الفاشستي.. في ليبيا.. بل وكان من ضمن قصائده.. قصيدة.. يمدح فيها رسولنا الكريم.. محمد.. صلى الله عليه وسلم.. وهو يعلم.. أنه بما فعل.. سيُصب عليه العذاب صبا.

والدكتور النامي.. أديب.. وكاتب.. وشاعر.. ومحاضر.. ومبدع.. وناقد.. وصاحب فكر.. وثقافة.. وأدب.. يدعو للأمن.. والأمان.. والسلام.. وهو.. متواضع.. هين.. لين.. يكفي تواجده.. في مكان ما.. ليضيف على ذلك المكان.. هيبة ممزوجة.. بالطمأنينة.. والود.. والسلام.

ويتمتع.. الأستاذ النامي.. فوق كل ذلك.. بطاقة هائلة من التحدي.. والصراحة.. وطاقة هائلة من الإبداع.. والإيثار.. والعطاء.. والوفاء.. لبلده.. وأهله.. وأمته.. وأرحامه.. كما كان.. مع كل ذلك.. واضح الرؤية.. والفكرة.. والهدف.. لم يتنازل.. عن مبادئه.. مقدار.. حبة من خردل.. أو أدنى من ذلك.. هكذا عرفت الدكتور النامي، عندما كان يحاضر، في مادة الدراسات الاسلامية، في مدرج كلية العلوم بالجامعة الليبية بطرابلس.

وكعادة ثورتنا “البيضاء”.. التي يحسدنا عليها التاريخ.. دُرج الاستاذ النامي ضمن قائمة “المغضوب عليهم”.. فتعرض للمراقبة.. والمضايقة.. والنفي.. والسجن.. والاعتقال.. والمطاردة.. وهُدم.. فوق ذلك.. بيته.. ووظف.. للتنكيد.. والضغط عليه.. شخصيات عديدة من علية القوم الظالمين.. وتنقل.. من معتقل الى اخر.. داخل الوطن الواحد.. الذي عاش من أجله.. وقاتل بكلماته.. من اجله.. فمن مركز الأوسط.. إلى السجن المركزي.. إلى سجن المخابرات العسكرية.. إلى سجن المباحث العامة.. إلى معتقل آخر.. الله وحده.. يعلم موقعه وكنيته.. ليس ذلك فحسب.. بل تبادل اعتقاله.. وبتنافس شديد جدا.. ومريب جدا.. مختلف أجهزة “الجماهيرية العظمى”.. من مخابرات عسكرية.. ومخابرات عامة.. ولجان ثورية.. ومباحث عليا.. وعامة.. وسفلى.. وضل.. فوق كل ما سبق.. مخطوفا.. ومغيبا.. تغييبا قسريا.. وذلك بدلا من أن يتنقل بين مؤسسات “الدولة”.. التعليمية.. والثقافية.. والاجتماعية.. لينهل من علمه.. أبناء الوطن.. والذين.. هم.. في امس الحاجة الي ثقافته وعلمه وحكمته.. حتى يومنا هذا.

كل ذلك.. بالرغم من أنه تخلى عن الدراسة في مصر.. وترك.. أمريكا.. وبريطانيا.. واليابان.. ورحل عن بنغازي.. وطرابلس.. وترك السياسة.. والوظائف.. والتدريس.. وترك مغريات الدنيا.. التي تهافت.. ويتهافت عليها.. وبدون مبالغة.. الملايين من البشر.. تخلى الأستاذ النامي.. عن كل ذلك.. وانطلق يرعى “الغنم”.. في شعاب قريته.. بعيدا عن ضجيج المدينة.. وبعيدا.. عن الظلم.. والظالمين.. والنفاق.. والتملق.. والمنافقين.. اتباعا.. لقول رسولنا الكريم.. صلى الله عليه وسلم: “يوشك أن يكون خير مال المسلم، غنم يتبع بها شغف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن” ( البخاري ومسلم).

فما هي الجرائم التي اقترفها هذا المواطن.. الليبي.. وقد ترك لهم الارض.. وما فيها.. وما فوقها.. وما عليها؟.. ذلك ما سنحاول.. أن نجيب عليه.. ن استطعنا.. اثناء رحلتنا مع هذا العملاق الحاضر دوما.

ولد الدكتور عمرو خليفة النامي، حسب اغلب المصادر، في عام 1939م، بمدينة “نالوت” بجبل نفوسة، وأتم دراسته الابتدائية والإعدادية بنفس المدينة التي ولد فيها. ثم أتم دراسته الثانوية بمدرسة “غريان” بمدينة “غريان” .

التحق بعدها وبالتحديد في 1958م، بكلية “الآداب والتربية” بالجامعة الليبية بمدينة “بنغازي”، قسم “اللغة العربية”، وتخرج منها عام 1962م .

سافر بعدها إلى مصر لاتمام دراسته العليا، لكنه عاد قبل أن يكمل دراسته بسبب المحنة التي تعرض لها الإخوان المسلمون في مصر، أثناء حكم عبد الناصر، فقد القي القبض، اثناء تلك المحنة، على قادة الاخوان المسلمين، كما القي القبض على كل من له صلة بهم وبقادتهم، وكان الدكتور عمرو النامي، على صلة وثيقة بهم، كما التقى، اكثر من مرة، بشهيد الامة “سيد قطب”، بل ويذكر ان حكما غيابيا، بالسجن لمدة خمس عشرة سنة، قد صدر فعلا في مصر، ضد الدكتور عمرو النامي، لعلاقته بالاخوان المسلمين من جهة، واتصاله المباشر بالشهيد “سيد قطب” من جهة اخرى.1 لذلك.. غادر الدكتور النامي مصر، وعاد الى ليبيا عام 1965م، قبل اتمام دراسته.

اختار الدكتور النامي بعد ذلك، جامعة كمبريدج ببريطانيا، لاتمام دراسته العليا، فالتحق بها في عام 1967م، ونال منها في1971م درجة الدكتوراة في “الدراسات العربية والاسلامية”، ثم عاد الى ليبيا، ليستقبله “ارهاب الدولة”، فيعتقل، ليطلق سراحه بعد ايام معدودة . وعين، بعد فترة، كاستاذ للدراسات الاسلامية في جامعة بنغازي، ثم في كلية التربية وكلية العلوم بالجامعة الليبية بطرابلس.

وعقب.. ما عُرف.. بـخطاب زوارة (ابريل 1973م) والذي الغيت فيه القوانين في ليبيا، وحُكمت البلاد بعده بالاحكام العرفية.. اعتقل.. عقب ذلك الخطاب.. الكُتاب والمثقفين والمفكرين والنخب، وكان الدكتور عمرو النامي، من بين ضحايا هذه الحملة.

بقى الدكتور النامي في السجن لمدة سنتين تقريبا، بتهمة الانتماء الى تنظيم الاخوان المسلمين، ثم اطلق سراحه في 1974م، ليطرد بعدها من وطنه، حيث ارغم على ترك البلاد (ربما كشرط لاطلاق سراحه)، وخُير بين السفر الى اليابان او امريكا اللاتينية او احدى الدول الافريقية، فاختار، بعد مشاورات اخرى، الولايات المتحدة الامريكية، حيث قام بتدريس اللغة العربية والدراسات الاسلامية في جامعة “ميتشغان”، بولاية “ميتشغان”، وعندما عاد الى ليبيا، اُرغم في 1979م، على السفر الى اليابان، فاستمر هناك في تدريس اللغة العربية والدراسات الاسلامية، لكنه عاد الى ارض الوطن بعد عام تقريبا.1 و2 و3.

استمرت “الجماهيرية العظمى” في مضايقة الدكتور عمرو النامي.. ومحاولة اذلاله.. وتحطيم ارادته.. حتى بعد.. النفي.. والمطاردة.. والاعتقال.. فعين على سبيل المثال.. في “جمعية الدعوة الاسلامية”.. ولكن.. ليس للمساهمة في مجال الدعوة.. بل.. للاشراف على “البحوث” المضحكة التي كان المنافقون يعدونها عن “الكتاب الاخضر”، وهي اهانة ما بعدها اهانة، فرفض الدكتور النامي هذا العرض “الاهانة”، بكل حزم وصراحة وادب، بل وباستغراب شديد جدا. 4

ورفض الدكتور النامي في موقف اخر، ان يمدح “معمر” او “القائد” او “الثورة” او “الانقلاب” او “الثوار”، او غير ذلك من هذه الخزعبلات.. رفض ذلك.. بتصميم.. وعزة نفس.. حتى بعد ان طلب منه “خليفة حنيش” (وهو من علية القوم) قائلا: اننا لم نر منك شيئا.. اشارة الى عدم مشاركة الاستاذ النامي.. في مهرجانات “النفاق” و”التطبيل” و”الهز” و”الاطراء” و”التزمير”.. للظلم والطغاة والظالمين.. همسا.. وكتاية.. وقولا.. فرد عليه الدكتور النامي قائلا: انني اقوم بواجي (تعليم الاسلام) في الجامعة وهذا يكفي . وعندما زار معمر مدينة “نالوت” في احد المرات، لم يشارك الاستاذ النامي في استقباله.. كما لم يأت للسلام عليه.. ولم يحضر احاديثه.. بالرغم من علم معمر بوجود السيد النامي في نالوت في ذلك الوقت.. بالرغم من ادراك الاستاذ النامي لذلك.. كما رفض في مناسبة اخرى دعوة احد الاصدقاء.. عندما علم ان معمر سيكون ضمن الحاضرين.4 تلك نماذج بسيطة من محاولات الاذلال.. ونماذج من ثبات وصمود وحزم الدكتور النامي.

لقد كان.. عزيز النفس.. لا يخاف في الله لومة لائم.. فعزة نفسه.. مستمدة من ثقته بالله سبحانه وتعالى.. لذلك.. انحاز بعقله وروحه وفؤاده.. الى صف الضحايا.. ولذلك ايضا.. انحاز قلمه الى الشعب.. ولم ينحاز الى الطغاة.

قرر الدكتور النامي بعد النفي.. والتضييق.. والاهانات.. والسجون.. وبعد كل هذه الترهات.. والمهازل.. قرر.. ان يتخلى عن كل شيء.. الا عن دينه وعزته ووالديه وكرامته.. فانعزل.. كما ذكرنا.. مع “غنمه” في شعاب منطقته.

لكن.. هيهات.. فـ”ثورتنا” الساهرة على مصالح الشعب لا تنام.. فقد اعتقل مرة ثالثة.. في سنة 1981م.. وزج به.. في احد سجون المخابرات العسكرية، وبقى فيها.. فترة طويلة.. في حذاء واحد.. وقميص واحد.. وملابس داخلية واحدة..4 كمحاولة للنيل من ارادته.. التي لم ترضخ.. لارادة الطاغوت.. ثم نقل.. بعد ذلك.. الى مقر المباحث العامة.. ثم الى احد السجون التي ازدحمت بها “الجماهير” في دولة “الجماهير”.

وبعد احداث “باب العزيزية”، في مايو1984م، والتي اندلع فيها التصادم العسكري بين “مجموعة بدر”التابعة “للجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا”، وقوات النظام.. بعد تلك الاحداث.. هُدم بيته.. وسُرقت كتبه.. واوراقه الخاصة.. ونقل الى سجن مجهول.. ثم.. انقطعت اخباره منذ 1986م.1 و2 و3 و4.

ويعتبر الدكتور عمرو النامي.. بذلك.. من المختطفين او المختفيين قسرا.. حتى يومنا هذا.

وتستمر رحلتنا.. مع استاذنا النامي.. فنتعرف على بعض اصدقائه وزملائه ومعاصريه، ونطلع على شيء مما قيل فيه.. مع شيء.. من الجهود التي بُذلت لاحياء ومتابعة قضيته.. نتحدث بعدها عن اعماله.. وعن عطائه.. ثم.. نتركه.. يحدثنا.. عن شيء من افكاره.. وارائه.. واقواله.. وخواطره.. وتصوراته.. عن الامة.. والحرية.. والوطن.. فلعلنا نجد في ذلك.. ما يبرر مقت النظام.. لهذا الرجل.. الامة.

لقد كان الدكتور النامي، على صلة وثيقة بنخبة من العلماء والمفكرين والكتاب والمثقفين، من بينهم الشيخ علي يحي معمر(رحمه الله)، والذي كان الدكتور النامي يلازم حلقاته منذ صغره، كما تبادل معه، في اوقات لاحقة، العديد من الرسائل المختلفة، وكان ايضاً على صلة وثيقة بالاستاذ محمود الناكوع، فقد ربطت بينهما صداقة متينة عندما جمعتهما ثانوية غريان، ثم جمعتهما كلية الاداب، كما قُبض عليهما عقب خطاب زوارة، وسجنا معا لمدة سنتين تقريبا، وكان الاستاذ النامي على صلة ايضا بالشهيد محمد مصطفى رمضان، وعلى علاقة وثيقة بالكاتب والمفكر الاسلامي الاستاذ محمد محمد حسين، رئيس قسم اللغة العربية، بكلية الاداب ببنغازي، في ذلك الوقت، والتقى، كما ذكرنا، بالشهيد “سيد قطب” رحمه الله، اكثر من مرة، كما التقى كذلك ب محمد قطب ،1 و2 وكان ايضا على علاقة مباشرة او غير مباشرة مع الامام بيوض ابراهيم (شيخ الحركة الاصلاحية في الجزائر)1 وعاصر ايضا الشيخ محمد على دبوز(الذي كان يهتم بالحركة الاصلاحية وبتاريخ المغرب الاسلامي)1، كما كان على صلة بالشيخ ابي اسحاق ابراهيم اطفيش(الذي نفاه الاستعمار الفرنسي الى مصر)1، وعلى صلة بالشيخ ابو اليقضان ابراهيم، وهو داعية على مستوى العالم الاسلامي، وصل نشاطه الدعوي الى ليبيا والمغرب وتونس والجزائر ومصر، وكان من اهداف هذا الشيخ، ايقاظ شعوب العالم الاسلامي، وحثهم على محاربة الاستعمار والتنصير والالحاد والتغريب (انظر الشيخ أبو اليقظان ومعالم في جهاده الإسلامي لقاسم أحمد الشيخ بلحاج).

وننتقل من هذه النخبة الطيبة المباركة، التي احاطت بالاستاذ عمرو النامي، مباشرة او غير مباشرة، الى باقة مما قيل فيه.. فلعلنا.. نقف.. عبرها.. على ابعاد اخرى من شخصيته لم نتطرق اليها حتى الان:

يقول الاستاذ “محمود الناكوع”:

لقد عرفت فيه الذكاء، والإيمان العميق بعقيدة الاسلام، وعرفت فيه صفات الشجاعة، وصلابة الموقف.. وكان من المتميزين في الدراسة.. وكان رجل فكر وثقافة.. واسع الاطلاع.. ومتحدث جيد.. ولبق.. يتمتع بقبول اجتماعي متميز.. كما كان واضح العقيدة وواضح التكوين الاسلامي.. وكان يجاهر ضد الفكرة القومية العربية.. كما كان شديد الإخلاص لوطنه وأمته . وهو رجل قوي الشخصية.. صلب القناعات.. على استعدا لتقبل كل المخاطر والمشاق في سبيل افكاره ومبادئه ومعتقداته.. وهو من عشاق الحرية.. بكل ما تعنيه من قيم انسانية وسياسية واجتماعية.. كما انه عنيد في كل مواقفه وقناعاته وشديد الوضوح فيما يريد ويقبل.. وما لا يريد ويرفض.2

ويقول الدكتور”محمد صالح ناصر”

الذي دقق وراجع رسالة الدكتوراة، التي اعدها الدكتور النامي بعنوان “دراسات عن الاباضية”، يقول الدكتور محمد:

لقد تربى الدكتور عمرو النامي في احضان عائلة فقيرة، مثل اغلب عائلات الجبل، ولكنها غنية بقيمها، وبمحافظتها على الدين الاسلامي، والاخلاق الفاضلة، واختلف الدكتور النامي الى الكتاب، يحفظ القرآن، ويتعلم مباديء اللغة العربية، والعلوم الشرعية، كما كان يختلف، عندما كان فتى يافعا، الى مجالس الشيخ “على يحيى معمر”، يسمع منه فصولا من تاريخ الفاتحين والمجاهدين الاوائل البواسل الذين رفعوا لواء الاسلام عاليا.1

ويواصل الدكتور “محمد صالح ناصر” قائلا:

لقد ترك الدكتور النامي في ذاكرتي انطباعا ملؤه الاعجاب برصانته وذكائه واجتهاده، وتطلعه الى المشاركة بقلمه في الدرس والبحث في مجال العلوم الاسلامية، وعرفت فيه ايضا شاعرا حساسا، وكان يقدر تاريخ السلف تقديرا عظيما، كما رأيت فيه شغفا واضحا بالتراث فكرا ورجالاً.1

وتتحدث مجلة الانقاذ.. التي تصدر عن “الجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا”.. عن الدكتور النامي فتقول:

انه رجل من القلائل في ليبيا.. اديب عرفته مجالس الادب والشعر والنقد.. وصحفي عرفت الصحف مقالاته منذ ان كان طالبا بالجامعة.. وهو كاتب ومفكر يحمل هموم وطنه الليبي وامته الاسلامية.. وشاعر رقيق الشعر فصيح العبارة.. وشخصية اجتماعية محببة تترك اثرها في جلسائها بسرعة عجيبة.. لا تملك الا ان تحبه.. واذا كنت من مخالفيه فلا تملك الا ان تحترمه.. وتقدر ما يحمله من مواهب.5

ويقول الشهيد “محمد علي يحي معمر” ابن الشيخ “على يحي معمر”(رحمهما الله)، وقد ربطته مع الدكتور النامي صلة التلميذ باستاذه، وقد كانا يتبادلان الرسائل:

يقول.. الشهيد.. موجها حديثه الى الدكتور عمرو النامي: لقد كان نصيبي للاخذ منك قليلا.. ولكن هذا القليل ملك قلوبنا وشحن نفوسنا وزودنا بكثير مما لا يجده غيرنا . ويواصل الشهيد محمد قائلا: استاذنا.. عمرو.. ان لرسائلك روحا قوية مؤمنة.. وان فيها لجوهرا اخاذا.. وهي وسيلتنا للاجتماع بك.. لتشد من عزائمنا وتقوي من سلوكنا.. ولقد والله كثيرا ما تمنيت ان يقرأها جميع شبابنا6.

كما جاء في مجلة “شؤؤن ليبية” التي تصدر عن “الحركة الليبية للتغيير والاصلاح”:

ان الدكتور عمرو النامي، كان استاذا باحثا وسياسيا ملتزما، واديبا وكاتبا صحفيا ذا حيوية وجرأة وحضور، وكان شاعرا مجيدا متمكنا3.

ويقول الاستاذ “حسني ادهم جرار” عن الدكتور النامي، في ” قصائد عن الام والاسرة”:

ان الاستاذ النامي، داعية اسلامي، وقف في وجه الظلم والطاغوت، وتعرض لالوان من التعذيب.. وكان من الدعاة الصابرين المحتسبين، الذين تحررت قلوبهم من كل خوف، واستعدوا لمقارعة الباطل، ووطنوا نفوسهم على الصبر والمصابرة، والبذل والتضحية، وثبتوا على طريق الحق، وهو ايضا، داعية مجاهد، جاهد من اجل دعوته بصلابة وثبات.. وآمن بقضاء الله وقدره7.

ونُشرت، بجانب ذلك، عشرات المقالات التي ابرزت جهود واعمال ومواقف ومحنة.. الدكتور النامي.. نُشرت.. في العديد من ادبيات ومطبوعات المقاومة الليبية، وفي العديد من المواقع الالكترونية الليبية، وغير الليبية.. وذلك.. كجزء من الجهود التي تبذل لاحياء ومتابعة قضيته.

كما نظم المؤتمر الليبي للأمازيغية، بالتعاون مع مؤسسة تاولت الثقافية8، مسابقة ثقافية خُصصت لها جائزتين، احداهما للقصة القصيرة والشعر، وسميت بجائزة الشهيد “سعيد سيفاو المحروق” للأدب، والاخرى في مجال المقال البحثي، وسُميت بجائزة الشهيد “د. عمرو النامي”.

كما طالب المؤتمر الليبي للامازيغية، بجانب جميع التنظيمات والجماعات والاحزاب الاخرى8، بضرورة التحقيق في قضية الدكتور “عمرو النامي”، والكشف عن نتائج هذا التحقيق، وتقديم الجناة إلى القضاء العادل.

ونظم موقع “المنارة للاعلام”، سلسلة من الاحاديث تحت عنوان “ذكريات حول عمرو النامي”4، شارك فيها كل من الاستاذ “محمود الناكوع” والاستاذ “عبد الله ابوسن” والاستاذ “سالم سالم”.

تحدث فيها المشاركون عن ذكريات واحداث ومواقف عاصروها مع الدكتور النامي، وكان لهذه السلسة الصوتية، مع غيرها من الاعمال، الاثر الفعال في احياء قضية الدكتور عمرو النامي (انظر الرابط لهذه السلسلة ضمن المرجع رقم4).

والقى الاستاذ “محمد بن سعيد المعمري”، من سلطنة عمان، محاضرة عن الدكتور عمرو النامي، بعنوان ” قصة شهيد”9، تصب هي الاخرى في محصلة الجهود التي تبذل لمتابعة واحياء هذه القضية الحساسة. ويمكن الاستماع الى هذه المحاضرة، من موقع مؤسسة “المنارة للاعلام”. وسيجد القاريء الكريم، الرابط لهذه المحاضرة، ضمن مراجع هذا العرض (المرجع رقم 9).

ويعتبر كتاب الاستاذ محمود الناكوع “الدكتور عمرو النامي، سيرته، ومواقفه، وأعماله الفكرية والأدبية”2، من الجهود الرئيسية التي بُذلت لاحياء وتكريم الاستاذ النامي ومتابعة قضيته، والكتاب من احدث واهم الاعمال التي تمت في هذا الصدد، وقد احتوى على مقدمة، وسيرة موجزة عن الدكتور عمرو النامي، واعماله ومراسلاته وبعض مقالاته، بالاضافة إلى سبعة وعشرين قصيدة من قصائده.

وتصل بنا الرحلة الى اعمال الدكتور النامي.. لنطلع.. معا.. على ما كتبه من كتب ومقالات وما نظمه من قصائد واشعار وما حققه من كتب ورسائل وابحاث.

فقد كتب الاستاذ النامي مجموعة من المقالات كسلسلة تحت عنوان ” فصول من الجد الهازل”، وسلسلة اخرى تحت عنوان “رمز ام غمز في القران”، وتدور اغلب هذه المقالات حول الحضارة الغربية، واساليب محاربتها للاسلام، وحول خطاب الحداثة، الذي تسرب الى الصحف والمطبوعات الليبية عبر “الشعر الحر”، كما كتب ضد التيار اليساري في البلاد العربية، وكتب عن نوادي الروتاري ودورها واهدافها وعن سيطرة اليهود عليها. 1 و2 و10. .

يقول الدكتور النامي في رسالة بعث بها الى الشيخ “ابو اليقضان ابراهيم”، يعلمه ويشاركه فيها ببعض نشاطاته، يقول: لقد شغلت نفسي فترة من الوقت بكتابة عدة فصول في النقد، عرضت فيها لقضية الشعر الحر، وتتبعت بعض دعاته، واوضحت خطره على اللغة والفكر الاسلامي، بما يحمله من سم زعاف في طياته من الافكار المسمومة والمباديء الهدامة.1

وجاء في موقع “ليبيا جيل” وهو من المواقع الليبية الثقافية المتميزة، جاء فيه، عن مقالات الاستاذ النامي وقصائده: لقد تناولت مقالات وقصائد الدكتور النامي مواضيع مختلفة، تراوحت بين نقد الحضارة الغربية، ودفاعه عن القرآن، إلى تذمره من الواقع السياسي، ورؤيته الاستشرافية للمستقبل10.

كما راجع الدكتور النامي وحقق وقدم لكتب ورسائل هامة عديدة منها: كتاب “قناطر الخيرات” للجيطالي، وكتاب”اجوبة ابن خلفون”، ورسائل الامام “جابر بن زيد”، وكتاب “مشائخ نفوسة” وكتاب “العدل والانصاف”، وكتاب “الرد على جميع المخالفين”، وكتاب الشيخ سليمان داوود بن يوسف (ثورة ابي يزيد) 1 و 2

وكتب كتاب “ظاهرة النفاق في اطار الموازين الاسلامية”11، وردت منه فقرة على الغلاف الخارجي تقول: النفاق مرض عضال، قلما سلمت منه أمة من الامم.. وحتى يكون التزام المسلمين بدينهم، وقيامهم عليه هو قيام أهل الجد والاخلاص، وليس قيام المداهنة والهوى والكسل.. كان هذا الكتاب”.

كما تعتبر رسالة الدكتوراة التي اعدها، تحت عنوان “دراسات عن الاباضية”1، من اهم اعمال الدكتور النامي الرئيسية.

تقول فقرة عن هذه الدراسة، نُشرت في موقع “من ثمرات المطابع”: ان الغرض من هذه الرسالة، هو عرض صورة واضحة للمذهب الإباضي، مبنية على موادٍ إباضية لكنها مكتشفة حديثاً .

وإذا كانت هذه الدراسة معنية بالإباضية في شمال إفريقية من حيث المنطقة، إلا أنه كان لابدّ من دراسة أصول الحركة الإباضية ومؤسسيها الأوائل في البصرة، وعلاقتها بحركة الخوارج، وصلتها بالأحداث الأولى للتاريخ الإسلامي والتطور السياسي، والتأثير الذي كان لهاتين الناحيتين الأخيرتين على المذهب الإباضي بالنسبة لآرائه الفقهية والكلامية، ثم توسّعه في شمالي أفريقية. كما تهدف الرسالة ايضا، الى تقديم نظرة واضحة للفقه وعلم الكلام الإباضيين؛ ونقاط الاتفاق والاختلاف مع حركات المعارضة المعاصرة لها، والمدارس الفقهية وبعض الخصائص المميزة للعقيدة الإباضية وتحديدا “نظام الولاية والبراءة”، ومراحل تطور الجماعة الإباضية.

وجاءت رسالة الدكتوراة (دراسات عن الاباضية) في سبعة فصول هي: “نشأة الاباضية”، و”آراء الاباضية في الخوارج”، و”الامام الاول للمذهب الاباضي”، و”الامام الثاني للجماعة الاباضية في البصرة”، و”الفقه الاباضي”، و”علم الكلام الاباضي”، و”نظام الولاية والبراءة”، و”مسالك الدين” (مراحل المجتمع الاباضي)، وذلك بالاضافة الى تمهيد عام سبق هذه الفصول.

كما شارك الدكتور النامي في وضع كتاب لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، تحت عنوان “القراءة العربية.. لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها” وذلك بالاشتراك مع د. راجي راموني و محمد ابراهيم بن احمد . وقد صدر الكتاب في 1978م في مدينة “ان اربر”، بولاية “متشغان” وربما كان ذلك اثناء اقامته بالولايات المتحدةالامريكية.

اما بالنسبة للشعر، فقد نظم الدكتور عمرو النامي، قصائد كثيرة جدا، نظم اغلبها داخل اقبية ومعتقلات وسجون “الثورة الحكيمة”.2

جاء عن هذه القصائد في موقع ” ليبيا جيل”: .. ويتبين من خلال قصائد الاستاذ النامي.. المعاناة التي تعرض لها الشاعر في حياته، كما قد يصح تصنيف أغلب قصائده ضمن أدب المحنة، أو أدب السجون، لاسيما وأن الشاعر قضى زهرة عمره في السجون لمواقفه السياسية، فنظم العديد منها داخل تلك الأقبية التي لم تستطع أن تمنع إبداع الكلمة.10

ولا يسعني الا ان اكرر، ما ذكرته في مشاركة سابقة، بعنوان “احزانكم.. أيها العملاق.. هي احزان ليبيا”، اكرر: ان قصائد الدكتور النامي.. قد تربعت.. في عالم النضال بالكلمة.. على قمة الشعر المقفى.

واضيف هنا: ان قصائد الدكتور النامي.. قد جسدت.. مأساته، ومأساة الشعب الليبي، بل مأسة الامة الاسلامية بكاملها. وكان طوال مسيرة المقاومة الليبية.. حاضرا معنا.. بكلماته.. وقصائده.. ومحنته.. تزودنا قصائده بالامل.. وتحيي فينا.. روح الاستعلاء على الظلم.. والظالمين.. ونتعلم من محنته.. الصبر.. والانتصار على الالم.. ونستشهد.. دائما.. به.. وبكلماته.. وصموده.

لقد دارت اغلب قصائده حول “الظلم” و”التحدي” و”الامل” . فنرى.. الامل.. في اغلب قصائده.. واشتهرت.. في هذا الصدد.. الابيات الاربعة الاخيرة من قصيدة “خواطر سجين”، التي كتبها في17 يونيو 1974م، في السجن المركزي بطرابلس (عنبر رقم 1)، وجسد فيها وطأة المحنة وشدتها ايما تجسيد، ثم ختمها بهذه الابيات المفعمة بالامل في الله، فيقول:

سيزهر روض الحياة العشيب وتسعد بالزهر فوق الكثيب

وتسطع شمس الرضى في رياض اضر بها ليل كيد عصيب

وينفرج السجن بعد انغلاق وينزاح ظل الضلال المريب

هنالك خلف الجدار الكئيب تباشير فجر منير قريب

وانفاس صبح وضيء السمات وانسام روح رخي الهبوب

ونرى.. الامل.. ايضا.. في قصيدته “كلمات الى زينب”2 (احدى كريماته) حيث يقول:

ابنيتي لا تيأسي من عودتـي فابوك في سعي يجيء ويذهب

ساعود يوما والرجاء يحثني ولسوف تؤنسني حنان وزينب

اما.. الالام.. والاحزان.. فقد جسدها استاذنا النامي في اكثر من قصيدة.. منها.. “يا ليلة العيد”.. التي تملأ النفس بمزيج من الالم والحزن والغضب، وقد نظمها في ليلة احد الاعياد التي قضاها.. كغيرها من الليالي.. داخل السجن المركزي بطرابلس.. بعيدا عن فلذات كبده الذين ارهقهم انتظار والدهم.. وارهقهم البحث عنه.. حتى فقدوا الامل في رؤيته ليلة ذلك العيد الحزين.. تقول بعض ابيات القصيدة:

يا ليلة العيد كم اقررت مضطربا لكن حظ بني الحزن والارق

اكاد ابصرهم والدمع يطفر من اجفانهم ودعاء الحب يختنق

يا عيد، يا فرحة الاطفال، ما صنعت اطفالنا نحن والاقفال تنغلق

ما كنت احسب ان العيد يطرقنا والقيد في الرسغ والابواب تصطفق

يقول الدكتور “عز الدين فرحات”، عضو رابطة الادب الاسلامي العالمية، في مقالة له بعنوان “العيد في عيون الشعراء”: ان بعض الشعراء يتعرضون لمحنة السجن والانقطاع عن الأهل والأحباب والأبناء، ويأتي العيد؛ وهم خلف القضبان، فتثور في نفوسهم الذكريات والشجون، فهذا الشاعر عمرو خليفة النامي الذي كتب قصيدته (يا ليلة العيد) وهو بين قضبان السجون، يصوّر فيها ما يعانيه، هو وأحباؤه من مأساة الظلم والطغيان، فما أشد ما يلاقيه الشاعر وهو في زنزانة ضيقة تطوف بخاطره وخياله صورة أطفاله وأبنائه وهم ينتظرونه ليلة العيد، حتى يصور الشاعر نفسه كأنه يبصر أولاده والدمع ينهمر من أعينهم شوقًا إليه، فكيف تكون فرحة الأطفال بالعيد والآباء يرسفون في السلاسل والقيود؟ ‍12

اما قصيدة “أُماه”.. وهي احدى روائع.. الاستاذ النامي.. التي انتشرت عالميا.. فتدور حول العزة والصمود والاستعلاء.. وحول.. المحن.. والمعاناة.. التي يتعرض لها الدعاة.. في سبيل دعوتهم.. وما يتطلبه ذلك.. من صبر وعزم وتصميم.. وتوكل على الله سبحانه وتعالى.. وايمان عميق به.. تقول بعض ابيات هذ القصيدة:

أماه لا تجزعي فالحافظ الله انا سلكنا طريقا قد خبرناه

في موكب من دعاة الحق نتبعهم على طريق الهدى إنا وجدناه

على حفافيه يا أماه مرقدنا ومن جماجمنا ترس زواياه

ومن دماء الشهيد الحر يسفحها على ضفافيه نسقي ما غرسناه

أماه لا تجزعي بل وابسمي فرحا فحزن قلبك ضعف لست ارضاه

إنا شمخنا على الطاغوت في شمم نحن الرجال وهم يا ام اشباه

نذيقهم من سياط الصبر محنتهم فلم يروا للذي يرجون معناه

أماه لا تشعريهم انهم غلبوا أماه لا تسمعيهم منك – اواه-

ويحدثنا الاستاذ “حسني ادهم جرار” عن قصيدة “اماه” فيقول: لقد آمن النامي بهذه المباديء الاصيلة والقواعد الثايتة، فبايع ربه عليها، واعتصم بحبله المتين، وسار في موكب الدعاة الصادقين، واستعد لتحمل النتيجة، بلا وهن ولا جزع، ولو كانت النتيجة مفارقة هذه الحياة، فـ”الموت في الله اسمى ما تمناه”13.

وتظهر ايضا عزة نفسه وكرامته واعتزازه بالله، وصبره وقبوله للتحدي، في قصيدته “كلمات الى زينب”2 ، حيث يقول:

والحر تفجأه الحوادث ان اتت فيخوض لجتها ولا يتهيب

انا لم اكن يوما صنيعة سيد يرمي إلي بكسرة فارحب

انت المؤمل يا كريم فكن لنا يا من اليك صمودنا والمهرب

ابواب جودك لم تزل مطروقة وقلوبنا في لهفة تترقب

والسجن عند رضاك اهون محنة ويهون ان نُلقى به ونغيب

ويقول على نفس المنوال في قصيدة “السجن اهون من تقبيل الاحذية”2:

والسجن اهون من تقبيل احذية تردى الانوف بريح منتن عفن

والسجن اطهر من ارض يدنسها نير الطغاة من الدرن

ويقول، ساخرا من المحن، في قصيدة “نفحة من ذوب القلب”2:

ياهموم الاحزان دونك غيري فسهام الردى تكسرت دوني

ويشجع ويحث رفاق المعتقل على الصبر، ونبذ اليأس، فيقول في قصيدة ” يا دموع العين”2،:

يا رفاق السجن.. لا تكتئبوا

ويعبر عما يحس به من هموم الامة والامها فيقول في قصيدة “دموع”2:

ولو كان هما قد احاط بمفرد من الناس هانت دونه صور البذل

ولكنه شر احاط بامة واوقعها الرعيان في حماة التوحل

ولاتُنسيه.. المحن.. والمعتقلات.. والسجون.. ان ينظم.. في رسولنا الكريم.. محمد صلى الله عليه وسلم.. قصيدة.. في مائة وخمسة عشر بيتا.. بعنوان “يا رسول الله”2 جاء في بعض ابياتها:

علوت فليس يدركك الثناء فانت النور يسطع والضياء

وانت الشمس ليس لها حجاب وانت البدر ليس به خفاء

وانت المصطفى يجلوك فيض من الانوار جلله السناء

تباه الارض أن اوتك فخرا وتغبطك لموضعها السماء

ومن النادر ان تخلو مطبوعة ما، من مطبوعات المقاومة الليبية، او موقع ما، من مواقع الانترنت الليبية المعارضة، من قصائد الدكتور النامي، او من الاشارة اليها، على اقل تقدير.

واخص بالذكر مجلة “الشروق الاسلامي” والتي من النادر ان يصدر عدد من اعدادها، دون نشر قصيدة من قصائده. كما نشر موقع “ليبيا المهجر”، وهو احد مواقع “منتدى ليبيا للتنمية البشرية والسياسية”، اغلب قصائد الدكتور النامي. وقد اوردت الرابط لهذا الموقع، ضمن مراجع هذا العرض (المرجع رقم 17).

واظن ان الوقت قد حان، ليحدثنا الدكتور النامي عن شيء من افكاره، وما يجول في خاطره، وما كان يؤرق مضجعه من حال الامة والبلاد، وما مرت، وتمر به، من فتن ومعاناة ودسائس وهجوم.. من داخلها.. ومن خارجها. والدكتور النامي لا يحدثنا فقط عن الام الامة والوطن، دون ان يساهم بما من شأنه، العودة بها الى مكانتها ودورها في قيادة العالم والشهادة عليه، يقول الدكتور النامي:

لعل اشد ما تعرضت له هذه الامة هو وقوعها تحت السيطرة المباشرة للامم المسيحية التي حكمتها بنظم مخالفة للشرائع والنظم الاسلامية، وفرضت عليها انماطا من الحياة غير التي يصنعها الاسلام ويرضاها لاهله. ولعل اخطر ما في هذا الامر واشده، انه خضع لمخطط منظم دقيق يهدف الى محاربة الاسلام وسلخ المسلمين عن اسلامهم في كل مجال من مجالات الحياة.11 فقد تم ابعاد الانظمة الاسلامية عن الحكم والسياسة، وادخلت تراتيب ونظم غير اسلامية، وتم ذلك في نطاق ما عُرف بـ”فصل الدين عن الدولة”، واُبعد الاسلام عن التأثير في مناهج التربية والتعليم، فاصبح الاسلام مجرد اثر ، بدلا من ان يكون روحها (اي روح هذه المناهج).11

وكان نصيب البلاد العربية، وهي قلب هذه الامة ومادتها، ورصيد البيان الاسلامي الصحيح فيها، ومعقل لغة القرآن.. كان نصيبها.. من القهر والاخضاع.. اكبر نصيب.. زاد من ذلك.. ان هذه البقعة من الارض، وهي مهبط الهداية الربانية ومهد الاسلام ومنزل الوحي، قد دخلت في نطاق اطماع اليهودية العالمية، في عملها الجاد الطويل لاقامة دولة اسرائيل، وكان هذا الامر، بما استتبعه من تخطيط متصل دائب لتحطيم عنصرالمقاومة الاصيل في هذه الامة، وهي العقيدة الاسلامية الصحيحة، والتصور الاسلامي السليم.. وكان هذا الامر.. هو هدف مرصود عمل له اليهود ومن يدور في فلكهم في العداوة للاسلام والكيد له ولأهله منذ البدء حتى اليوم، متخذين لذلك ما امكن من وسائل، مستهدفين كل المجالات، حتى كانت نتيجة ذلك العمل الدائب المتصل، اجيالا من هذه الامة ممسوخة التصور غائمة الرؤية منحرفة الفكر، يحس فيها المفكر المسلم غربة حقيقية. 14

ويواصل الدكتور النامي، قائلا:

الدكتور عمرو خليفة النامى

وهذا في الواقع ما جعل هذه الامة تنقاد في مسيرتها، التي اعقبت معركة الاستقلال في غالب ديارها، في متاهات من الضياع السياسي والفكري، اعقبها الهزائم المتتالية، وحرمها من ان تلعب دورا حقيقيا، ذا وزن في قيادة امم الارض، فهي محسوبة عند اعدائها في عداد الركب المتخلف.. بل ويوجد في ابنائه وساسته من يلهث وراء هؤلاء الاعداء يلتمس عندهم العون والسند، ويتقرب اليهم بتنفيذ سياساتهم وارضائهم سرا وعلنا.14

ويوضح الدكتور النامي سبل الخروج من هذا المأزق، الذي وجدت الامة الاسلامية نفسها فيه، فيقول: وبداية الطريق.. في تصفية ميراث الفكر المنحرف المشوه، الذي مسخت به قوى الاعداء، فكر هذه الامة وتصوراتها، هي ان يوجد بين ابناء هذه الامة، من يملك من العزم والتصميم وصدق العقيدة ما يمكنه ان ينتشل نفسه من المستنقع، وان يطهرها من ادران كل تصور دخيل وان يتخذ من العدة والاداة ما يجعله “لسان” الفكر الاسلامي الاصيل، الذي يزن الامور بمقياسه الدقيق، ويقيسها على منهجه القويم، وسوف يتمثل دور هذا

مقالات ذات علاقة

عندما تغرد العنادل

المشرف العام

الاستشاري في النقل الجوي الدكتور أمين المرغني في ذمـة الله

شكري السنكي

الشيخ محمد الفيتوري

سالم الكبتي

اترك تعليق