لا شيءَ يَقْبِضُ على اليَوميِّ بكلِّ تفاصيلِهِ كما تفعلُ قصيدَةُ النَّثرِ، فهي تفخِّخُ أعيُنَهَا المتلصِّصَةَ على كلِّ الأشيَاءِ لأسرِ تفاصيلِهَا الهارباتِ .. لقنصِ المعاني السَّائبَةِ .. وتوثيقِ المغفولِ عنهُ .. المتغافَلِ عن أَهمَّيتِهِ .. لكنَّها مُرَاوِغَةٌ .. هذهِ الفرسُ الجموحُ المربِكَةُ غيرُ المرتبِكَةُ .. الواهِمَةُ الواهِمِينَ بَبَسِاطتِها .. المغرِقَةُ السَّذَّجَ في عمقِ شساعِتها .. الطَّافِحَةُ بِعُشِّاقِهَا الحقيقيِّينَ على سطحِ إبهارِها .. الواشِيَةُ بهؤلاءِ وهؤلاءِ .. الطَّالِعَةُ من رَحِمِ الصُّعوبَةِ بركانًا وحقلَ جحيمِ .. وجزرَ أسرارٍ .. الشَّاهِرَةُ سيفَ تحدِّيها في وَجْهِ الزَّمنِ والأمسِ .. المناوئةِ للمُكَرورِ والمُعَادِ والمَمْضُوغِ .. لم تزلْ ترفلُ في فساتينِ عذريِّتِهَا .. مُجَاهِرَةً بحداثَةٍ لم يفضَّ بَكَّارَتها خَيَالٌ .. صَادِحَةً باختِلافِها .. بتحدِّيها .. معتزَّةً بأنوثَتِهَا .. بعطرِها وغنجِهَا .. وَوَهْجِهَا.. بِوَجْهِهَا الذي تلتقِي على قَسَمَاتِهِ تَفَاصِيلُ قُزَحِيَّةٌ فاتنةٌ .. وتنطلقُ منه ملايينُ الحمَائِمِ والفراشَاتِ والنَّحْلاتِ مُعْلِنَةً اندلاعَ ربيعِ الشِّعْرِ .. مُبشِّرَةً بِنُبُوءَةِ القصيدَةِ .. ومن خِصْرِهَا المُتَثَنِّي تَفِرُّ ملايينُ اليمَامَاتِ .. وَتَعْزِفُ موسيقا الحياةِ لحنَهَا الخالدَ العَصِيَّ.
قصيدَةُ النَّثْرِ لا تُسَمِّي الأشياءَ بأسمائِها المستهلَكَةِ الكَسِيحَةِ؛ لذا فهي تقترحُ للشَّيءِ الواحدِ ألفَ مُسَمًّى أو يزيدُ .. ذلك مُبْهِرٌ حَقًّا .. إنها تمنحُ الخيالَ فرصَةَ الانفِلاتِ من عِقَالِ المعقولِ الضَّيِّقِ إلى فَسَاحَةِ المطلقِ الفاتنِ .. وتُتيحُ فخامَةَ التَّسرُّبِ المثيرِ من عَقَالَةِ الوَاقِعِ الرَّصِينِ إلى جُنُونِ التَّخَيُّلِ والحلمِ وَالدَّهْشَةِ .. إِنَّهَا تُعِيدُ إِلَينَا أَشْيَاءَ نعرفُهَا بطريقةٍ لم نكنْ نعرِفُهَا.. لنعرِفَهَا .. نتعرَّفُ عليها بسيمَاءَ جديدَةٍ .. ووجوهٍ جديدةٍ .. ودهشَةٍ جديدَةٍ .. ذلكَ مدهشٌ حقًّا ومثيرٌ حدَّ الفتنةِ ..
لكن في المقابلِ هي ليست فرسًا مطواعًا يمكنُ لكلِّ متشاعرٍ أن يمتطيَها، ولكلِّ مستسهلٍ أن يستبيحَ ظهرَها، ويلجَ فضاءاتها .. ستوهِمُهُ أنها سهلةٌ كما اعتقَدَهَا .. حتَّى تسقطَهُ.. حتَّى تُعَرِّيَهُ .. فاحذروا ..
إنها لا تلينُ لغيرِ فارسِ شعرٍ حقيقيٍّ يمكنُهُ أن يقودَهَا ليرودَ بها الآفاقَ العَصِيَّةَ.. ويقتنصَ بها المجازاتِ الآسِرَةَ، إِنَّها كجوادِ المتنبيِّ:
على قَلِقٍ كَأَنَّ الرِّيحَ تَحْتِي …. أُوجِّهُهَا يمينًا أَوْ شِمَالَا
قصيدَةُ النَّثْرِ مِثَالٌ للتَّمَرُّدِ لا يَخُونُ .. ووعدٌ أخضرُ مَعَ الانطلاقِ لا يَخِيبُ ..
وَبَحْرٌ هَادِرٌ لا يَعْبَأُ بِالْعَوَائِقِ .. إِنَّهَا وُلِدَتْ لِتَكُونَ .. لم تَسْأَلْ نَفْسَهَا من تَكُون.
وَالشِّعْرُ لا يُخْلِفُ وَعْدَهُ، ولا يَخُونُ عهدَهُ ..
شكرًا أَيَّتهَا القصيدَةُ العَاصَفَةُ والرَّعْدُ وَالْمَطَرُ وَالرَّبيعُ وَالشَّتَاءِ .. أَيَّتُهَا الأُنْثَى الجَمُوحُ، أَيَّتهَا الْجُمُوحُ وَالْجُنُوحُ وَالإِمْتَاعُ ..
______________________________
# نشرت بمجلة الفصول الأربعة، الصادرة عن رابطة الأدباء والكتاب الليبين، العدد 122 – يوليو صيف 2019.
المنشور السابق
المنشور التالي
جمعة الفاخري
جمعة سعيد محمَّد الفاخري. شاعرٌ وقاصٌّ وصحفيٌّ ومذيعٌ وإذاعيٌّ ، وباحثٌ في المأثور الشَّعبيِّ. مـواليـد : 1966م. اجدابيا / ليبيا. رئيس تحرير صحيفة المأثور الشعبي. مستشارٌ ثقافيٌّ للرَّابطةِ العربيَّةِ للقصَّةِ القصيرَةِ جِدًّا، وهو عضوٌ مؤسِّسٌ ونشطٌ بها. عضو لجنة الحكماء والعقلاء ببلديَّة اجدابيا ـ سابقًا. عضو لجنة الخبراء باجدابيا.
أعدَّ وقدَّم البرامج التلفزيونيَّة للتلفزيون الليبيِّ مرئيًّا: برنامج (ميعاد أجواد) جزءان. برنامج (من ذاكرة راوٍ) جزءان. برنامج (مقارناتٌ شعريَّةٌ). برنامج (في رحابِ قصيدَة). برنامج (مساء الوطن) برنامجٌ أدبيٌّ مسموعٌ يُعنى بأدب الثورةِ، عبرَ أثيرِ إذاعتي: الجبل الأخضر المحليَّة، واجدابيا الحرَّة المحليَّة). أعدَّ وقدَّمَ برنامج (بريدُ الثُّوَّار) برنامجٌ أدبيٌّ مسموعٌ يُعنى برسائل المستمعين للثُّوَّار في الجبهات أثناءَ الأيَّام الأولى للثورة. أُذيعَ عبرَ قناةَ (ليبيا الحرَّة) المسموعة بالجبل الأخضر. أعدَّ برنامجَ (دروب وطيوب) برنامجٌ مسموعٌ قدَّمتْهُ الإذاعيَّةُ عزيزة عبد المحسن. قدَّمَ برنامجَ (رحاب فصيحة) برنامجٌ مسموعٌ قدَّمته إذاعة اجدابيا المحليَّة، من إعداد الدكتورة إبتسام عامر. أَعَدَّ وقدَّمَ بعضَ التحقيقاتِ المرئيَّة. عَمِلَ مُحَلِّلاً سياسيًّا مع قناة الحدث الفضائيَّة أثناء ثورة فبراير. عَمِلَ مراسلاً لقناةِ (بلادي) الفضائيَّة أثناء ثورة فبراير. أَعَدَّ ودرَّسَ في دوراتٍ تدريبيَّة لرفعِ كفاءَةٍ الإذاعيِّين والإعلاميِّين، بمدن البيضاء، اجدابيا، جالو، طرابلس. كما أَعَدَّ ودرَّسَ دوراتٍ في دقائقِ اللُّغةِ العربيَّةِ، والأخطاءِ اللُّغَوِيَّةِ الشَّائِعَةِ، وفنِّ الإلقاءِ.
غنَّى لَهُ كثيرٌ منَ المطربين والمنشدينَ قصائدَ فصيحةً وعامِّيَّةً، منها قصيدة هي ليبيا، وطني، قلوب للوطنِ، وطن الفوارس، إلى أمِّي، أميرة ذاتي، كن قريبًا، رسالة من شهيدٍ، من شهيدٍ لأمِّه، تفوُّق، يا بلادنا (ملحمة غنائيَّة وطنيَّة) مشاغيل، عدِّي الملامة، نهديلك في عيدك زهر.).وغيرها.
المُؤَلَّفَاتُ الأدبيَّةُ: 1 ) صفرٌ على شمالِ الحبِّ " مجموعةٌ قصصيَّة ". 2 ) رمادُ السَّنواتِ المحترقَةِ "مجموعةٌ قصصيَّة". 3) اِمرأةٌ متراميةُ الأطرافِ مجموعةٌ قصصيَّة. 4) اِعترافاتُ شرقيٍّ معاصر. ديوان شعر. 5) حَدَثَ في مثلِ هذا القلبِ. ديوان شعر. 6) شيءٌ من وهجِ القلبِ. "تأمُّلاتٌ في الأدبِ والحُبِّ والحيَاة". 7 ) عناقُ ظلالٍ مراوغَةٍ. قصصٌ قصيرةٌ جِدًّا. 8 ) توقيعاتٌ على وَجْنَةِ القَمَرِ. ديوان شعر. 9 ) تقمَّصتني امرأةٌ. " ديوان شعر ". 10 ) التَّرَبُّصُ بوجْهٍ القمرٍ. مجموعة قصصيَّة. 11 ) رفيف أسئلةٍ أخرى. قصصٌ قصيرةٌ جِدًّا. 12 ) ربيعٌ على جناحي فراشة. خطراتٌ أدبيَّة. 13 ) حبيباتي. قصصٌ قصيرةٌ جِدًّا. 14 ) أسيرُ بقلبٍ ملتفتٍ. شَذَرَاتٌ جَمَاليَّةٌ. 15 ) مراسِمُ اقترافِ وطنٍ. قصصٌ قصيرةٌ جِدًّا. 16 ) ظلال ومرايا. قصصٌ قصيرةٌ جِدًّا. 17 ) عِطرُ الشَّمسِ قصصٌ قصيرةٌ جِدًّا. 18 ) قَهْقَهةٌ شَهِيَّةٌ قصصٌ قصيرةٌ جِدًّا. 19 ) عصيرُ ثرثرةٍ قصصٌ قصيرةٌ جِدًّا. 20 ) سطرُ روايتي الأخير قصصٌ قصيرةٌ.
التَّكريماتُ/ منحتَهُ الخرطومُ عاصمةُ الثَّقافَةِ العربيَّةِ 2005 ( درع الثقافة العربيَّة ). كرَّمتْهُ صحيفة أخبار اجدابيا بدرع التَّميُّز.. كرَّمَهُ ملتقى القصَّةِ القصيرةِ جدًّا بحلب في دوراته ( 5/6/7/8). كرَّمهُ ملتقى القصَّةِ القصيرَةِ بالرَّقَّةِ - سوريا، في الملتقى العربي للقصَّة القصيرة 2009م. كرَّمَهُ نادي الاتحاد الرياضي بدرع 2010 م. اختاره موقع بلال الثقافي بالبيضاء شخصيَّةَ العام الثقافيَّة بليبيا 2010 م. كرَّمَهُ فرعُ المؤسَّسَةِ العَامَّةِ للثَّقَافَةِ بالمنطقةِ الوسطى 2010 م. أهدى إليهِ فرع كشافة اجدابيا درعًا تذكاريَّةً في الذِّكرى الخمسين لتأسيس الحركة الكشفيَّة ، 2009م. كرَّمه المهرجانُ الوطنيُّ للإبداعِ الثَّقَافِيِّ المغاربي ، تونس 2014م. كرَّمته جامعة الحاج لخضر بباتنة - الجزائر 2014م. كرَّمته جمعيَّة شروق الثقافيَّة بباتنة – الجزائر2014م. فضلاً عن تكريماتٍ أخرى من عددٍ كبيرٍ من مؤسَّساتٍ ثقافيَّةٍ وتربويَّةٍ، ومهرجاناتٍ وملتقياتٍ أدبيَّةٍ وفكريَّةٍ محليَّةٍ وعربيَّةٍ.
الدِّراساتُ والأبحاثُ / أُجْرِيَتْ على إبداعِهِ القصصيِّ والشِّعريِّ دراساتٌ أكاديميَّةٌ عدَّةٌ في جامعاتٍ ليبيَّةٍ مختلفةٍ ، فضلاً عن دراساتٍ وأبحاثٍ أدبيَّةٍ أُخْرَى.. أصدرَ عنه الدكتورُ مسلك ميمون كتابًا نقديًّا عنونَه بــ( إواليات التَّخييل في قصص جمعة الفاخري ) 2014.
التَّرجماتُ / تُرْجِمَتْ بعضُ قصائدِهِ وقصصِهِ للِّغةِ الإنجليزيَّةِ، وتُرْجِمَ ديوانُهُ (اعترافاتُ شرقيٍّ معاصرٍ ) للفرنسيَّة. كما تُرْجِمَتْ بعضُ نصوصِهِ الأدبيَّةِ للِّغَةِ السُّويديَّةِ والفارسيَّةِ والفرنسيَّةِ والإنجليزيَّةِ والأمازيغيَّةِ.
مقالات ذات علاقة
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك