الدالـيا.. قصة معاناة ليبية
حسن تربي
.
خليفة: أي دين؟ استغفر الله العظيم.. محمد ولد الحاج بوداليا معاكم تّوا في السيارة؟ وشني حاله؟ لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.. متأكدين يا جماعه؟
المخبر: متأكدين ونص.. هيا بالك نوض معانا بيش نفرّحو عيلة بوداليا
خليفة: يا شينك سلاطه وخلاص.. اتفرّحو عيلة بوداليا الفزاني والعزى عند عيلة الفرجاني؟! بلغتوهم والا مازال؟ حسبنا الله ونعم الوكيل.. حسبنا الله ونعم الوكيل
المخبر: يا حاج خليفة خلّيك برّه الموضوع وفي حالك وما تدخلش في عمل الحكومه.. اصلكم انتم مش عارفين هالفروخ المزقليف شنو كانو يخططو وشنو كانو ناويين
خليفة: ماهمش صغار مزقلّيف.. هادو صغارنا واحنى اللى مربيينهم.. اسمعوني جاي، الحاج بوداليا وعزوزته راهم مرضى وصحتهم بالهون وانكان ولدهم محمد حي بالحق وبالصحيح راهو ممكن اتجيهم خضه يمشو فيها هما الزوز ويموتو من الصدمة والفرحة.. وبدل من عزى عند عيلة الفرجاني ايصير فيه عزى ثاني عند عيلة الفزاني.. لازم نعرفو كيف نبلغوهم
استدعى الحاج خليفة ابنه صلاح وأبلغه بما سمع واتفق معه على أن يذهب صلاح الى البيت ويأخذ أمه مريم الى بيت الحاج بوداليا بدون أن يبلغها بما سمع، وأن يكتفي بتبيلغ الجميع هناك بأن والده الحاج خليفة قادم اليهم بموضوع يهمهم جميعاً. كذلك أمر الحاج خليفة مساعده بلقاسم بضرورة الاسراع في قفل المحلين.
خليفة: وتوّا نقدر نتوكل معاكم انشوف محمد في الاول وبعدين انوصلوه لحوشه.. وين سيارتكم؟
المخبر: آهي ورا السور
تطلّع الحاج خليفة باتجاه ” الداليا” التي تظلل رصيف محل الحاج بوداليا.. ربما ليتأكد من أن الكيس البلاستيكي الأسود لا يزال مربوطا بأحد أغصانها.
عند وصول الحاج خليفة الى السيارة الحكومية، لم يكن من السهل عليه التعرف على ما تبقى من محمد ابن صديقه وجاره مصباح الفزاني. كان محمد القابع بالكرسي الخلفي لسيارة تويوتا لاند كروزر قديمة يتطلع الى الفراغ والى جواره أحد أفراد الشرطة بالملابس الثورية…. لم يعد الحاج خليفة يتذكر كم مضى من الوقت على آخر مرة رأى فيها محمد ابن الحاج بوداليا.. عشرة سنوات؟ اثني عشرة؟ أكثر من ذلك بكثير. الله يلعنك يا زمن النسيان الثوري! خلال سنوات غياب محمد في أقبية سجون “الفاتح”، تلك السنوات الكئيبة من عمر الوطن وعمر الشعب، فقد محمد الكثير من وزنه وأصبح كالهيكل العظمي الذي نسى الموت اختطاف روحه.غياب دماء وحيوية الشباب عن وجه محمد وفقدانه للكثير من وزن جسمه ليس كل ما خسره هذا الليبي منكوب الحظ. فقائمة مفقوداته طويلة جدا.. فقد شعر رأسه وربع أسنانه.. اصبع من أصابع يده اليمنى.. اصبعين من أصابع يده اليسرى.. نصف سمعه.. فقد الكثير من جلد ظهره وجلد قدميه.. فقد أجمل سنين شبابه وعمره فقد ذكريات طفولته.. فقد الاحساس بقيمة الزمن وحتى الاحساس بقيمة الرجولة.. فقد القدرة على التركيز والشعور بالانتماء.. فقد الكثير مقابل تحصله من السجّان الثوري على المزيد من الالتهابات.. الاهانات.. والجروح الغائرة في جسده وروحه. محمد ابن الحاج بوداليا لم يعد يفكر بجروح الجسد.. لم يعد يأبه بالألم الجسدي.. لكنه يلقى الصعاب في مواجهة الجروح التى نحتها مشجعي الرأي الوحيد المحتكر للسلطة والقرار في عقلة الباطن.. في روحه وفي داخل كيانه.
ركب الحاج خليفة السيارة وجلس الى جوار محمد واحتضن يده في عفوية وحنان.. كحنان الأب المشتاق لابنه.. لكنه لم يقوى على الغوص في اعماق عيون محمد.. ربما لأنه خاف أن تواجهه نظرات محمد بعتاب ولوم يكنه كل من زار وتمتع بضيافة سجون “الفاتح” تجاه الشعب الليبي الذي ادمن تلقى الصفعات والركلات ولم يصرخ في وجه الطاغية: أين أبنائنا يا قائد مسيرة الظلم والمذلة؟ الحاج خليفة يدرك ان لكل سجناء الرأي وضحايا سجون القذافي الحق في اللوم على الشعب الليبي.. لأن هذا الشعب خذل شبابه في حروب تشاد واغندا وفي الجامعات.. خذل الشعب نفسه وتخلى عن احلامه ورضي بخطابات زواره والمثابات وابر تخذير سلطة الشعب والثورة الاشتراكية الشعبية وقبِلَ بتحريضات عقيمة واعدامات علنية بدون محاكم عادلة.. الحاج خليفة يدرك أن الشعب الليبي بأكمله هو الملام على كل ما حدث لمحمد ولغيره.. الحاج خليفة يدرك انها لم تكن قوة القذافي التي فعلت كل تلك الكبائر بالشعب الليبي بل هو ضعف الشعب الليبي المتجسد في سلبية عتيقة ادمن هذا الشعب طعمها.. ولهذا لم يجرؤ الحاج خليفة على النظر في عيون بقايا هذا الشاب الليبي المحطم، بل اكتفى بالنحيب سراً وفي صمت كعادة الأغلبية من الليبيين.
خليفة: الصبر يا اوليدي.. حمد الله على سلامتك يا اوليدي.. الله ايصبرك ويصبّرنا يا اوليدي.. سامحنا يا محمد.. سامحنا يا احميده.
مرت التويوتا لاند كروزر بشارع الثورة، تطلع الحاج خليفة باتجاه محل الحاج الفرجاني.. رأى كيساً بلاستيكياً اسود اللون يعانق مقبض باب محل الفرجاني، فعرف أن الغراب الأسود نذير النحس الثوري قد زار ضحيته. وصلت السيارة الى المنطقة القريبة من الشارع الواقع به بيت محمد مصباح الفزاني. أعتصر الألم ما تبقى من جسد محمد وروحه فأخذ يرتعش بقوة وهو يبكي. احتضن الحاج خليفة يد محمد في ود وشفقة محاولا مساعدته في التخلص من بعض هموم المحنة التي يمر بها.. وليساعده على تحمل رؤية منطقته.. شارعه.. بيته الذي ولد به.. وما تبقى من افراد عائلته.
رفع محمد يده ببطء مشيرا الى مبني.. ثم مشيرا الى شارع.. وبعد ذلك الى شجرة. ارتعشت شفتاه.. تساقطت دموعه على خذيه النحيلين.. حاول أن يقول شيئاً لكنه لم يستطع. اصوات السجّان الثوري.. صرخات المساجين المرعبة.. توسلات مرضى عرايا.. أصداء ارتطام ابواب الزنازن الحديدية.. بكاء ليبي وعلني لم يألفه من قبل.. كل تلك الاصوات لاتزال تسيطر على داخله. حاول محمد الاقتراب من ذكرياته مع هذا الوطن.. مع هذا الشارع.. وهذه الوجوه التي يراها، لكن مكسور الخاطر لا يجد القدرة على ذلك. كل شئ بات يختلف عما كان عليه قبل اختطافه. اسند محمد رأسه على كتف الحاج خليفة وواصل بكائه بصوتٍ عالٍ كالطفل الصغير.
محمد: بالله عليك يا عمي.. الله يسترك يا عمي.. ما ترفعونيش لاهلي.. مانبيش نمشي لحوشنا.. ارفعوني لأي جيهه ثانيه.. الله يربحك يا سي الحاج.. راني خايف.. خايف من الغوله اللى تجرى وراي.
هز الحاج خليفة رأسه في أسى وحزن وجاهد في داخل نفسه بحثا عن رد مناسب لمحمد.
خليفة: الصبر يا اوليدي.. هدّي روحك.. ما فيش حد لايمك على شئ يا اوليدي.. خللى عندك ثقة في الله.. ناسك هم ناسك واهلك هم اهلك يا اوليدي.. اهلك المساكين قاعدين ايراجو فيك.. لا حول ولا قوة الا بالله.
وصلت السيارة الى الساحة القريبة من بيت الحاج بوداليا فذرفت مآقي من قضى أكثر من اثني عشرة سنة في سجن “محرر الشعوب” بدون محاكمة وبدون أبسط الحقوق المدنية والانسانية المزيد من الدموع. رأى الحاج خليفة سيارة ابنه صلاح أمام بيت الحاج بوداليا، فاطمأن قلبه الى فكرة وجود زوجته مريم وابنه صلاح مع عائلة الحاج بوداليا ليساعداه في شرح ماحدث وليجعل من عودة محمد الى بيته والى اهله تمر بمراحل تدريجية بدون ردود فعل سلبية. اتفق الحاج خليفة مع المخبر على منحه ربع ساعة من الوقت يحاول فيها تمهيد الطريق امام خبر عودة محمد.
المخبر: باهي باهي.. غير ما تنسوناش بالزردة والشاهي واللي علي بالك عاد.. رانا والله حتى الغذا ما تغذينا وقاعدين نراجو في المرتب من خمسة شهور.. كان هادا الواحد مشى لمحل شاورما والا هامبورقه.
دخل الحاج خليفة منزل الحاج بوداليا، الذي فتح له بابه ابنه صلاح.
صلاح: ايوا يا بوي.. لقيته محمد؟ خير انشا الله
خليفة: ايه لقيته.. غير اسكت توّا.. وين عمك مصباح؟
صلاح: في المربوعه يا بوي.. كلهم قاعدين يراجو فيك.. حتى امي قاعده مع الحاجه صالحة وبناويتها
خليفة: احم.. السلام عليكم يا حاج مصباح.. كيف حالك يا ولد بلادي؟ كيف حالك اليوم يا حاج؟
بوداليا: السلام ورحمة الله.. مرحبتين يا حاج خليفة.. تفضل تفضل.. البيت بيتك.. خش خش.. آنستنا وشرّفتنا. كيف حالي؟ حال القهره يا صاحبي.. خير يا حاج لاباس شني فيه؟
خليفة: جيت نطمّن عليك ونبّي انزهيّك يا صاحبي.. فيه موضوع مستعجل شويه نبيّك فيه.. ونبيّك تسمعني كويس انت وعيلتك..
بوداليا: انا وعيلتي؟ والله حسك شغلتني يا حاج.. تخير انشا الله
الحاج خليفة: صلي ع النبي يا حاج مصباح واسمعني.. معرفتنا قديمه يا حاج مصباح والا لا؟ عندك فيا الثقه والا لا؟
بوداليا: تخير انشا الله.. تعاد انت في عوض خوي ونعرفو بعضنا من زمان ونشهد بالله انك راجل دغري وولد حلال واللى ما يعرفك ما يعرفش التريس
خليفة: باهي.. امّالا ترا ضبّح على عيالي وعيالك
بوداليا: تبالك انخلّو الموضوع والكلام بين التريس بس.. وبعدين انقولو للنساوين
خليفة: يا ودّي هالمرة هادي لا.. ضبّح عليهن تربح وفيها الخيره ان شاء الله.. ناديهن
بوداليا: اللى اتقوله يا حاج خليفة.. باهي.. يا هناء.. صالحة يا صالحة.. تعالن تعالن
خليفة: يا حاجة مريم ويا حاجة صالحة ويا هناء تعالن هنا بالله..
صالحة: مساء الخير يا حاج خليفة.. خير ان شاء الله.. يا ودّي غير خلّونا انجيبو حتى طويسة شاهي للحاج خليفة وصلاح قبل
مريم: السلام عليكم.. خير انشا الله.. شني فيه.. منعيد جاني صلاح وقلبي يصطفق وجينا نجرو جرى
خليفة: يا ودّي مش وقت شاهي توّا.. بعدين.. قعمزن قعمزن.. الموضوع يا حاج مصباح ان.. عمري كذبت عليك يا حاج بوداليا؟
صالحة: حاشاك من الكذب
بوداليا: غير اسكتي انتِ.. حاشاك يا صاحبي.. انت من معدن ليبي اصيل.. ومن اصدق ما نعرف من ناس
خليفة: بالله عليكم كلكم خلّوني انكمل كلامي وما تقاطعونيش.. الموضوع يخص محمد.. ايه محمد.. ياحاج مصباح تذكر ولد الحاج مفتاح الفرجاني شني سماه؟
بوداليا: سماه محمد.. وحتى هو المسكين محبوس في نفس الحبس اللى كان فيه ولدي المرحوم محمد.
خليفة: زي ماتعرف يا حاج بوداليا ويا حاجّه صالحة ان هالحكومه الفاسده عمرها ما دارت حاجه مزبوطه وديما يلخبطو في كل شي.. احنا ناس مسلمين والحمد لله نومنو بالقضاء والقدر ومن يوم ما جينا لهالدنيا واحنا عارفين ان عمر البنادم في يد الله مش في يد الحكومة
بوداليا: ونعم بالله
خليفة: لو قلتلكم توّا يا حاج مصباح ويا حاجه صالحة ان اللجنه الفاسده امتاعة حبس بوسليم لخبطو ما بين اسم ولدكم محمد ومابين اسم ولد الحاج الفرجاني، شني اتقولو؟ هذا اسمه محمد مصباح الفزاني وهذا اسمه محمد مفتاح الفرجاني.. والباين عليهم كانو دايخين ومش عارفين من اللى قتلوه ومن اللى مازال في ضويّقة الفاتح.. أه شني قولكم؟
صالحة: انا راني ما فهمتش.. شني قال الحاج خليفة؟
هناء: غير اسكتي يا امي.. الحاج خليفة قال آهو محمد قاعد هنا حي زي ما انا قلتلكم.. محمد ما ماتش يا امي.. غير انتم اللى ماتبوش تصدقوني.. آهو محمد واقف في جنب الباب
لطفية: استني يا هناء.. ريّح بالنا يا حاج خليفة الله يريح بالك.. رانا خلاص قريب ننجنو كلنا
مريم: زعما يا بنيتي؟ زعما يا حاج خليفة؟ هذا حلم والا علم؟
بوداليا: شني قاعد اتقول يا حاج خليفة؟ ولدنا محمد حي؟
خليفة: ايوا يا حاج بوداليا ايوا.. وعليا اليمين الا زي ما قلتلك.. اللى قتلوه العسكرسوسه في الحبس هو محمد ولد الحاج الفرجاني مش محمد ولدك.. ولدكم محمد عندي كلام اكيد انه قاعد حي
بوداليا: اوليدي محمد حي؟ تتكلم بجديات يا حاج؟
خليفة: وهو الموضوع هذا فيه بصاره يا حاج؟ يا حاج بوداليا ويا حاجه صالحة ولدكم محمد حي حي والله العظيم حي.. ونبيكم تجهزو روحكم بيش اتشوفوه الليله.. راهو تغير هلبه.. فوق العشرة سنين في حبس بوسليم ايديرن في البنادم عمايل هلبه
مريم: انزغرط ياحاج؟ انزغرط؟ هيا هيا يا صالحة
خليفة: يا حاج بوداليا انا جيت بيش نبلغكم ان محمد شفته انا اليوم بعيوني هادين اللى حياكلهن الدود والتراب ونبيكم توّا تجهزو روحكم.. وهيا نوض معاي يا حاج بوداليا.. ولدك محمد حي ويراجي فيكم في سيارة الحكومه قدام باب حوشكم توّا.. قولو الحمد لله.. هيا نوض معاي اندخلو الولد لحوشه..
لكم ان تتوقعوا ما حدث بعد ذلك في بيت الحاج بوداليا. فرحة رؤية الغائب اختلطت بالحزن على رؤيته في تلك الحالة. وفي ساعة من الزمن اكتظ بيت الحاج بوداليا بالمهنئين بسلامة وعودة محمد وبالفضوليين كذلك. تحول الفناء الترابي امام بيتهم الى صالة استقبال ضخمة وتابعت عجلة الايام دورانها في قسوة. احضرت هناء ثياباً لمحمد من تلك الملابس التي داومت على غسلها والاعتناء بها طيلة فترة غياب شقيقها.
هناء: ما سمنتش بُكل يا اوخيي.. قاعد زي السباقيتي.. امتى تجيبلي حلوى شاميه؟ غدواه؟
محمد: باهي باهي
ويبكي قلب لطفية دما لغياب شقيقتها هناء عن الواقع وتتألم لحال محمد ولما فعله بهم فرسان المثابات الثورية.
لطفية: سباقيتي والا رشده.. الحمد لله اللى اوخينا روّحلنا ولا نبّو لا حلوى ولا جيلاطي
هناء: صدقتي يا اوخيتي.. لا نبّي لا حلوى ولا جيلاطي بعد ما شفت اوخيي محمد.. الله ينجّيك ليا يا غالي
محمد: باهي باهي
لطفية: غدواه اتجي اوخيتنا نجاة.. من زمان ما جاتناش.. وقاعدين نراجو فيها.. لكن اكيد غدواه تجينا من مصراته هي وصغارها بيش يشوفو خالهم
محمد: باهي باهي.. نجاة في مصراته؟ لا لا.. يا أمي يا أمي.. باهي باهي.. مصراته.. نجاة مش في مصراته.. أهى نجاة واقفه قدامنا.. من هادي اللى واقفه غادي؟ هى والله الا هي نجاة! هي والا لا؟ باهي باهي.. لا انا ما نبيش نمشي لمصراته.. درنه قريّبه.. نمشو لدرنه خير.. الغوله المهبوله طاحت في البير.. هيا نمشو لدرنه.. باهي باهي.. لا لا.. ما نبيش نمشي لدرنه
هناء: هادي مش نجاة يا محمد.. هادي عيشه.. اوخيتنا عويشه جت تباركلنا وتشوفك.. شوفي شوفي يا أمي ويا لطفية آهي حتى عيشة جتنا
احتضنت لطفية والدتها في حزن وأسى على ما حدث لمحمد ولأخته هناء التى لا تتذكر او لا تريد أن تتذكر أن عائشة متوفية.
الحاجّه صالحة: استغفر الله العظيم.. الله يجازي اللى كان السبب.. مقادير يا دنيا مقادير.. غير شني درنا للقذافي من سيّه بس؟
لطفية: الله غالب علينا يا أمي وخلاص
محمد: القذافي؟ باهي باهي.. الغوله مهبوله طاحت في البير.. .. .. .
غاصت هناء اكثر واكثر في اعماق امراضها النفسية المتراكمة وداوم محمد العيش في عالم متناقض يجمع بين الحقيقة والخيال وذكريات مرعبة الصقها بعقله الباطن سجّان ثوري لايزال يستمتع في سادية باِذلال من يريد متى يريد وكيفما يريد. ومع ازدحام بيت الحاج الفزاني بالمهنئين وازدحام بيت الحاج الفرجاني بالمعزين، تتواصل فصول المأساة الليبية في “جماهيرية” الآلهة الثورية التي أدمنت نهش الجسد الليبي. ويستمر الدجل الثوري لتثمر “الداليا” أكياساً بلاستيكية سوداء اللون مليئة بهواء ثوري ملوث.