>
البعيد الليلة .. لومانك ناوية تمشيلة ..أيش خطره صوب ..
كانت هذه الأغنية الشعبية تطرق رأسه بحدة .. ربما لأن هيامه بحبيبته يواصل صقل مشاعره .. وربما لأن الحزن من أجل مئات الأميال التي تفصله عن نجواه يجعل أي حزن آخر بلا معنى .. ولأنه ليس له إلا الذكريات الخاطفة التي تجلس شامخة في خياله .. فقد قرر أن يقطع المسافات نحو (نجوى) .. في أقل من لحظة قابلته بإطلالة كإطلالة الميدوزا .. وحضور كحضور أمازونية محاربة .. احتضنته واحتضنها .. تعانقا طويلاً .. غابا في قبلة عميقة .. أنفاسه في أنفاسها .. كانت على أقل تقدير محاولة لاحتواء احتياجه ولإطفاء حنينها إليه ..
قالت له : أقاتل بما أملك .. أضحي بدمعي .. بالحرقة اللاهبة في صدري .. وأتخلى عن ساعات نومي القليلة كي أكون وهما مقدساً لديك.. لا حقيقة مبتذلة ..
كان يتمتم بكلمات غير مفهومة .. فيما كان يمارس شبقه بعنف .. وهي تبكي دون أن تدري أنها تبكي ..
قال لها : لن أحدثك عن تعب الرحلة .. ولا عن أطرافي التي تيبست في السيارة ولا عن الساعات التي قضيتها أمام بوابات التفتيش حيث كنت في أثنائها أرسم عينيك على زجاج السيارة .. هل تدرين معنى البكاء في سيارة مسرعة ؟ لم أكن قادراً على الشهيق ولا حتى على مسح دموعي .. حين خيم الظلام خطر لي أنك تقضين أوقاتاً طيبة .. حاولت المكابرة لكن دموعي لم تتفهم أنك حبيبتي ..
رشفت دموعه بشفتيها ودعته إلى حضنها وقالت سأنام بفرح .. لأنك هنا .. لأن أنفاسك تتردد معي وهذا أقصى انتصار أحققه في حياتي .. بينما كان يبحث عن بعض الدفء وعن زاوية صغيرة في قلب نجوى وركنا قصياً في ذاكرتها .. نهرته لفحة برد في الوقت الذي كان يرسم فيه صورة لقاء وهمي .. ليجد أنسام الليل تداعب حلمه .. بامبراطورية الخيال التي شيدتها سنوات عمره على أنغام أغنية شعبية .. أيش خطره البعيد الليلة .. لو مانك ناوية تمشيله ..