القاص الليبي فتحي نصيب
الناقد الرسمي كارثة الثقافة العربية
حوار: بسام الطعان
فتحي نصيب كاتب ليبي، يكتب القصة القصيرة والمقال والنقد ويعد البرامج الإذاعية، نحاول في هذا الحوار التعرض لتجربته بشكل خاص وتجربة الابداع الليبي بشكل عام وتقريبها أكثر أمام القارئ العربي في محاولة لكسر عزلتها والخيبة التي ترافق عادة المبدع الليبي في حياته الاجتماعية والابداعية.
ـ تحمل شهادة بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية، وتكتب القصة القصيرة والنقد وتعد البرامج الإذاعية، ما الذي ورطك في الكتابة، وخاصة القصة القصيرة؟
سؤال أو تساؤل كثيرا ما طرحته علي نفسي، ولعلني لا أجد له إجابة، ربما هو الحاجة لأن يعبر الإنسان عن نفسه، ويعلن عن وجوده، وانه ليس مجرد رقم مضاف إلي البشرية، وربما هو الدافع نفسه الذي دفع الإنسان – عبر تاريخه الطويل – لأن يجسد تساؤلاته الوجودية وحيرته وأحلامه وأشواقه وتطلعاته وأساطيره وخرافاته،من خلال الرسومات الحجرية والمنحوتات الصخرية علي جدران الكهوف منذ ميلاد الإنسان الأول.
أعتقد أنني (تورطت) في الكتابة لأفهم نفسي أولا، وأفهم الحياة والناس والمجتمع، ولأقول ما يجيش في خاطري.
أما القصة القصيرة فأنني أري أن الإنسان -بشكل عام- يميل إلي الحكاية، ملحمة كانت أو أساطير أو رواية أو قصة،أي أن بالإنسان نزوع فطري نحو (الحكي) علي اختلاف أجناسه الأدبية.
القصة القصيرة تعبر عن الواقع المعاش، وتختزل الأحداث،وهي وسيلة جيدة في المجتمعات الحالية، أي أن تقول رأيك بأقل عدد ممكن من الكلمات، لاسيما مع انتشار الصحف اليومية والأسبوعية وإيقاع الحياة المعاصرة.والقصة القصيرة فن صعب مقارنة بالرواية، لأن الشخصيات محدودة والحدث ليس مركبا والزمن السردي ليس فضفاضا، وليس أمام القاص الحرية المطلقة كي يصول ويجول، انه محكوم بوقت وحدث، ولذا فان كل كلمة ينبغي أن تكون في مكانها الصحيح.
ـ كقارئ وكمتابع كيف تجد المطبوعات الثقافية والأدبية الليبية،هل تؤدي دورها كما يجب، وهل تأخذ بيد المبدعين؟
أعتقد أن المطبوعات الليبية الآن متاحة لكل المبدعين، المشكلة تكمن في وجود القارئ الجيد !!.
لم يعد هناك قراء علي مستوي الوطن العربي برمته، وكثيرا ما ترددت مقولة (أمة اقرأ لا تقرأ).لندلل علي ذلك بإحصائيات لأن لغة الأرقام لا تكذب، نصيب القارئ الغربي يصل إلي 27 كتابا في العام، والقارئ العربي حوالي 6 أسطر !!.
ما ترجمته دولة واحدة مثل إسبانيا من اللغات الأجنبية إلي الإسبانية في عام واحد يقارب ما ترجمه العرب من العصرالعباسي إلي الآن.
شيخ الروائيين العرب (نجيب محفوظ) تطبع له عدة آلاف من النسخ، ورواية (هاري بوتر) بيع منها عدة ملايين من النسخ وفي اليوم الأول وفي دولة واحدة فقط!!.
ومثلها رواية (شفرة دافنشي) وغيرها الكثير.
الآن هناك كتاب أكثر من عدد القراء. هذه مفارقة ولكنها صحيحة.
ـ بعد أن أصدرت مجموعتك (مرايا السراب) هل شعرت بأنك أضفت شيئا جديدا للقصة الليبية؟
بكل تواضع أقول نعم. هذا بشهادة من قرأ لي ومن كتب نقدا عن هذه المجموعة. ميزة كتاب القصة القصيرة في ليبيا انهم مختلفون فلكل كاتب أسلوبه وبصمته وطريقة سرده ولغته وحبكته ورسمه للشخصيات..هناك مغايرة لكتاب القصة في ليبيا..إذا طالعت نتاج
التكبالي والفقيه والمقهور ويوسف الشريف ومحمد الشويهدي والككلي وأبو كليب وشهاب والمسلاتي واحمد عقيلة ونادرة العويتي ونجوي شتوان وشريفة القيادي والعشرات غيرهم وغيرهن ستكتشف ما عنيته بحكمي السابق، هناك تنوع واختلاف في ليبيا قد لا نجده في أقطار عربية أخري.
ـ ما هي أهم مرجعية تشكل ذخيرتك القصصية؟
ليس سهلا تحديد مرجعيات أي كاتب،وربما أجيبك كما أعي حالتي لقد كان زادي الأول جدي وجدتي ووالدي، كانوا يقصون علي الحكايات في صغري، وفي وقت لم يكن هناك مذياع أو تلفزيون..ثم القراءة المكثفة والنهمة في صغري لكل النتاج التراثي العربي، من ألف ليلة وليلة إلي سيرة أبو زيد الهلالي وغيرها. والأحداث التي تمر بي في حياتي اليومية القريبة مني والبعيدة.
ـ اللغة أهم أداة من أدوات التعبير لدي المبدع،وأنت تستعمل في قصصك لغة مبسطة وبعيدة عن بلاغة ثقيلة، مما يجعل قصصك تمتاز بالجمالية، كيف تفعل هذه الأداة فعلها في إبداعاتك؟
أميل دائما إلي اللغة التي وصفتها بالبساطة والابتعاد عن البلاغة الثقيلة، هناك لغة أفقية – إن جاز التعبير – وأخري عمودية أي مستوي ظاهر وآخر باطن، إن البلاغة التقليدية قد تدفع القارئ للابتعاد عن جوهر القصة، والمتعة تتأتي من اكتشاف القارئ لما هو مخفي بين السطور، ولذا فان اغلب قرائي يعيدون قراءة القصة فور الانتهاء منها، وهذه علامة نجاح في كتابة قصة جيدة.
ـ المنجز القصصي في ليبيا كيف تقيمه اليوم؟
سبق وأن أشرت إلي هذا، المنجز القصصي والروائي في ليبيا بخير، ويكاد يتفوق علي المنجز العربي في بعض الدول التي سبقتنا في هذا الجنس الأدبي.
ـ ما هي المواضيع التي تستفزك وتريد الكتابة عنها ولكنك لا تستطيع الاقتراب منها؟
كثيرة.ولكن أنا مع التغيرات البطيئة وليست الفجائية أو التي تخضع لقانون الطفرة، هناك حواجز اجتماعية تعيق أي كاتب من البوح بكل ما في داخله، ولذا فان الكاتب الجيد هو الذي يقدم وعيا مغايرا من خلال ما هو متاح، ونشر الوعي الذي يشكل قطيعة مع التخلف رهين بحركة المجتمعات، لأن البشر لا يطرحون من الأسئلة إلا التي يستطيعون الإجابة عنها.
ـ فن القصة القصيرة ليس فنا سهلا، ويحتاج إلي مهارات عالية وموهبة استثنائية، ومع ذلك هناك من يقول إن القصة القصيرة هي تدريبات لغوية تسبق الرواية، ما رأيك؟
استشهد هنا بكلمة قالها الكاتب الفذ غارسيا ماركيز حيث ورد عنه : إن المجهود الذي يبذله في كتابة قصة قصيرة يكاد يوازي كتابة رواية.
وكما تقول إيزابيل الليندي: إن القصة القصيرة تحتاج إلي يد ثابتة وتصويب جيد، وإلا فان إصابة الهدف قد تضيع.
أمام الروائي مجال واسع ليتحرك به، وهذا غير متاح أمام القاص.
ـ كتب الكتب الرخيصة والمبتذلة ككتب الطبخ والأبراج وتفسير الأحلام ورسائل العشاق هي الرابحة في السوق الثقافية العربية، لماذا برأيك، وعلي من تقع المسؤولية، المبدع أم القارئ؟
ما تقوله صحيح تماما.المسؤولية جماعية وذات أبعاد مركبة ومتشابكة ومنها: مسؤولية الأنظمة السياسية التي حاربت بكل قوة الفكر التنويري، وأتاحت الفرصة للفكر الظلامي بأبشع صوره تخلفا،حاربت العقلانية والعلم وفتحت الباب أمام الفكر الذي يشدنا للخلف،وحتي في تراثنا العربي تم إقصاء اللحظات التنويرية والاجتهادية التي تدعو للعلم وأعمال الفكر والرشد، وتم تشجيع أفكار التواكل والقدرية والتشاؤم من المستقبل، واليوم تدفع هذه الأنظمة ذاتها الثمن.
إن إفراغ المجتمعات من الثقافة المستنيرة أنتج ثقافة الموت وعذابات القبر واستطلاع الأبراج والطبخ وتفسير الأحلام الخ
هذا نتاج طبيعي لما تم زرعه خلال قرن تقريبا.
المشكلة أن ما نسميه عدوا أو طامعا أو غازيا أو مستعمرا أجنبيا قد وجد في حكوماتنا العربية ووزارات الثقافة والإعلام والتعليم خير معين لجعل شعوبنا تحزم أمتعتها وتترجل عن ركب التقدم والحضارة وتلحق بآخر عربة من القطار المتجه نحو الأمام.
ـ كيف هي علاقتك كقاص مع النقاد الليبيين، وهل قدم لك هؤلاء النقاد شيئا مفيدا؟
علاقتي بالنقاد الليبيين (إن وجدوا) سيئة للغاية. وتقريبا ينسحب هذا علي معظم الكتاب الليبيين الذين لا يجدون ناقدا جيدا. انصفني النقاد العرب، وكتب عني في تونس ومصر والمغرب وحتي من فلسطين.
ـ هل يعتبر التذوق الشخصي للنصوص الأدبية أساس في كل دراسة نقدية؟
قد يكون للتذوق الشخصي أساس، ولكن أري أن الناقد المحترف هو الذي يسعي إلي دراسة أي نص أدبي لما فيه من قيمة.
ـ ما هي الكيفية أو الصيغة التي يجب أن يمارس من خلالها النقد الجيد والحصيف؟
لا توجد وصفة كاملة، إنما توجد مجموعة من الخصائص ربما تكون عاملا مساعدا لما أسميته بالنقد الجيد، أهمها: الثقافة العميقة والقدرة علي التقاط الجوهري في العمل والتسلح بمخزون جيد من الاتجاهات النقدية وعدم التعالي علي القارئ أو الكاتب وعدم الإيغال في الإبهام الأجوف.
ـ هل صحيح أن في العالم العربي نوعان من النقد، نقد ما بعد الأكل ونقد ما قبل الأكل، أو النقد المدفوع والنقد المجامل؟
هذا موجود وبكثرة للآسف.
ـ ما موقفك من الناقد الرسمي الذي تستصدر الدوائر والمؤسسات الرسمية قرارا بتسميته قارئا وناقدا؟
هذه إحدي الكوارث التي أودت بالثقافة الجادة.
ـ الحركة النقدية في ليبيا هل تجدها جادة ونزيهة وترسم للعمل الإبداعي خطاً متسقيماً، أم هي غائبة ومنوّمة مغناطيسياً؟
هي وبالبنط العريض (غائبة ومنومة مغناطيسيا). لقد كتبت كثيرا حول هذا الموضوع، قلت (هل لدينا نقاد ؟) ومرة أخري كتبت عن (الود المفقود بين الأدب والنقد في ليبيا).
ـ كيف تنظر إلي الواقع النقدي العربي الآن، وهل تبشر الاتجاهات النقدية للجيل الجديد بآفاق خيّرة، ومن هي الحركة النقدية الأبرز عربيا؟
هناك اجتهادات نقدية لدي مجموعة من المغرب العربي الكبير. بعضها مترجم حرفيا وبعضها يسعي لتكوين مدرسة عربية.. تراجعت الحركة النقدية الرائدة في المشرق العربي، ولكن يظل الرصيد والزخم الأول موجودا، تصور أنني أعيد قراءة كتب محمد مندور مثلا، بمعني أن ما يكتب تحت خانة (النقد الأدبي) في هذه السنوات أما انه شبه ترجمة لمناهج غربية أو تطبيقات فاشلة لمفهوم النقد أو نقد مؤدلج أو خاضع لحسابات شخصية و(شللية) لاعلاقة لها (بالنقد) الأدبي وتنتمي إلي (النقد) البنكنوتي أو الرصيد المصرفي
جريدة (الزمان) الدولية – العدد3459