القاص جمعة الفاخري
حوارات

سياحةٌ على شاطئ الروح.. حوار مع الشاعر والقاص: جمعة الفاخري.

حوارٌ أجرته الكاتبة عايدة حاتم.

القاص جمعة الفاخري

س. كيف تقدِّم نفسك للحضور، تفضَّل؟

– أنا جمعة الفاخري، مروِّجٌ للجمالِ .. أقترفُ الشِّعْرَ بكلِّ تفاصيلِهِ .. وارتكبُ القَصَّ .. أُحِبُّ الجَمَالَ الَّذِي يَقُودُنِي من يدِ قلبي إلى مفاتنِ الحَيَاةِ جميعِهَا.. القَصِيدَةُ تأخذُ بيدي إلى مَدَارجِ العِشْقِ واللَّهَفِ والوَلَهِ والانصهَارِ.. القِصَّةُ تفتنُنِي فأرخي لها يدي لتصحبَنِي إلى مَدَائنِ الحلمِ والضُّوءِ والدَّهْشَةِ، وأمنحُ الشَّذْرَةَ قلبي لِتَدَلَّهُ على مَسَاكِبِ النُّورِ، وحدائقِ الإبهَارِ، وجُزُرِ الأَحْلَامِ الدَّافِئَةِ..

أتوقَّفُ طويلاً عند دواعِي الجَمَالِ: الطفولَةُ .. المرأةُ .. الأزاهيرُ .. القَصَائِدُ .. الصَّبَاحُ .. الفَجْرُ .. البَحْرُ .. الرَّبِيعُ .. السَّفَرُ .. الرِّيَاضَةِ، وغيرُهَا وغيرُهَا.

س. بداياتك الأدبيَّة وأي الألوان أقرب إليك؟

– أنا بدأتُ سَارِدًا ثمَّ الْتَفَّ الشِّعْرُ على مسروداتي الْتِفَافًا حميمًا.. تَسَلَّلَ إليها .. إليَّ .. فأوقَعَنِي في حبائلِهِ الذَّهَبِيَّةِ الآسِرَةِ، واستحوذُ بعدَهَا على المَسَاحَةِ الكبرى من إبداعاتِي واهتماماتي، قراءةً وكتابةً ونقدًا .. ثمَّ تساوى الفَاتِنَانِ مُجَدِّدًا، فَعُدْتُ أُجَاوزُ بينَ الشِّعْرِ وَالقِصَّةِ.. أتوئِمُهُمَا .. أخلطُ هذا بتلكَ؛ لأُنْجِزَ مُنْتَجًا نادرًا بمزايا أخرى، جِينَاتُهُ الوراثيَّةُ شعرٌ وقصَّةٌ وملامحُهُ أكثرُ إدهاشًا وفتنةً .. لكنَّهُ كائنٌ آخرُ مختلفٌ أحيانًا حَدَّ الغَرَابَةِ، قد تكونُ الفَرَادَةَ أو الاستثنَاءَ، أو شيئًا آخرَ لا اسمَ لَهُ، ولا أرجو له اسمًا ليكونَ مختلفًا وعصيًّا، ليغدوَ ممتنعًا وفاتنًا واستثنائيًا ..
كُلُّ ألوانِ الإبداعِ الفاتنَةِ تجثو في قلبي، وأتركُ لظروفِ الكتابَةِ والتَّجربَةِ التي أَعِيشُهَا أن تنتقِيَ بأيِّ سَأُعِبِّرُ عنها، بأيِّ وجهٍ سأعانقُهَا وأونِّقُهَا وأوثِّقُهَا …

س. من أينَ تستمدُّ مواضيعَ نصوصِكَ وأفكارَهَا؟

الحَيَاةُ بِكُلِّ وصفِهَا وَعَصْفِهَا هِيَ من تُمْلِي عَلَيَّ موضوعاتِ نصوصي.. تقترحُ ما عليَّ أن أبدعَهُ، وقليلاً ما أَجْلَسُ لأَعْصُرَ رأسيَ بحثًا عن فكرةٍ، أو استجداءً لموضوعٍ، ذلكَ عندي يُمَثِّلُ حَالَةَ فقرٍ إبداعيٍّ مُدْقَعٍ .. مُفْجِعٍ مُفْزِعٍ .. حَالَةً توقعُ الكَاتِبَ في فاقةٍ فكريَّةٍ عَصِيبَةٍ قد تودِي بمقدرتِهِ على اقترَافِ الإِبْدَاعِ، وتوقفُ نزفَهُ الشِّعْرِيَّ أو السَّرْدِيَّ..

س. تكتب القصة القصيرة؛ وغالبًا ما نرى مودةً وحميميَّةً بينَ القاصِّ وكلماتِهِ، حدِّثنا عنِ العلاقَةِ بينَكَ وبينَ شخصيَّاتِ قصصِكَ ؟

– كثيرٌ من شخصيَّاتِ قصصي تفرضُ صداقتَهَا عليَّ، تدعوني لعناقِهَا لأبدعَهَا .. تختارُنِي وأختارُهَا.. تَحْدُثُ بَيْنَنَا ألفةٌ تَمُدُّ جسرًا منَ الحَمِيميَّةِ النَّادِرَةِ .. أغرقُ في تفاصيلِها ومجاهيلِها .. أشعرُ أَنَّنِي أخلقُهَا حَقًّا .. أُجَمِّلُهَا وأفصِّلُهَا بمقاسَاتٍ تُعْجِبُنِي، سلبًا كانت أم إيجابًا .. وحقيقةً إِنَّ المبدعَ يخلقُ شخصيَّاتِهِ ويمنحُهَا شيئًا ممَّا هو لَهُ في الواقعِ .. بعضًا أصيلًا منه، والقولُ إِنَّ الكاتبَ بطلُ أعمالِهِ، لا يشطُّ كثيرًا عنِ الحقيقةِ؛ فالكاتبُ – غالبًا – حاضرٌ نفسيًّا وثقافيًّا وهو يُفَصِّلُ مقاساتِ شخصيَّاتِهِ، وهو يرسمُ مساراتِهَا ومداراتِها .. ثمَّ يأتي الخيالُ والتَّصَوُّراتُ والدَّوَاعِي الإبداعيَّةُ لتزيينِ أو تشينِ الشَّخْصِيَّةِ، فيُوَاشِجُ الكاتبُ بينَ هذهِ وتلكَ لِيُخْرِجَ لنا شخصيَّةً أو شخصيَّاتٍ تتركُ في نفوسِنَا الأَثْرَ اللَّامِعَ الَّذِي ابتغَاهُ.

س. أيهما أطول عمرًا بنظرك القصة القصيرة أم الرواية؟

– العَمَلُ الفَنِّيُّ الصَّادِقُ لا يَفْنَى ولا يَمُوتُ .. لكنَّ النَّاسَ تتذكَّرُ أكثرُ الأعمالَ الطَّوِيلَةَ .. فالرِّوَايَاتُ أكثرُ خلودًا في ذواكرِ القرَّاءِ منَ القصَّةِ القَصِيرَةِ، وإن كانت جودَةُ أيِّ منجزٍ سرديٍّ، بتماهيها معَ وجداناتِ القرَّاءِ، هيَ من تكفلُ للعملِ الأدبيِّ الخلودَ أو الانطفاءَ.

س. الحوار في القصة القصيرة ما أساسيَّاته، وكيف يوظف لخدمة الفكرة؟

– أَوَّلًا ينبغي للكاتبِ أن يعيَ ضروراتِ الحوارِ، أعني ما سيضيفُهُ للنَّصِّ من عدمِهِ، فالحوارُ ليسَ شيئًا عارضًا أو هامشيًّا يُمْلَأُ بِهِ فراغٌ فحسبُ، إنَّما يقومُ بدورٍ أساسٍ في إنجاحِ رسالةِ الكاتبِ مُتَعَاضِدًا معَ غيرِهِ من عناصرِ الكِتَابَةِ القصصيَّةِ .. ويقومُ الحوارِ على وعي الكاتبِ بالمستَوَى الثَّقَافِيِّ للشَّخصيَّةِ، فليسَ منَ المعقولَ – مثلًا- أن نُسْنِدَ فلسفاتٍ عميقةً لعاملِ بناءٍ، أو معلوماتٍ طبِّيَّةً دقيقةً لبائعِ سجائرَ .. ويُضافُ إلى هذا – في أحيانٍ كثيرةٍ – ملابسُ الشَّخصيَّةِ واهتماماتُهَا.

س. أيهما أسهل كتابة القصة القصيرة أم القصيرة جدًّا؟

– كلاهما ليسَ سهلًا .. النَّصُّ المُبْهِرُ ليسَ يسيرًا على الكاتبِ، فحتَّى يُلْقِي بِظِلالِ فتنتِهِ على المتلقِّي، يستنفدُ كثيرًا من راحَةِ وتفكيرِ وجهدِ وقدراتِ الكاتبِ الإبداعيَّةِ، يملأهُ قلقًا وانشغالاً واحتراقًا حتَّى ينضجَ ويستوي .. وولادَةُ النَّصِّ الصَّادِقِ تشبِهُ الولادَةَ الحقيقيَّةَ بما فيها من موتٍ ينجبُ الحيَاةَ.. لكنَّ كتابَةَ القصَّةِ القصيرَةِ جدًّا هيَ أصعبُ كثيرًا من كتابَةِ القِصَّةِ القصيرَةِ؛ لأَنَّ كاتبَهَا يغوصُ في شِبْرٍ سَرْدٍ، وعليهِ أن يعودَ من هذا الشِّبْرِ السَّرْدِيِّ بِكُنُوزٍ ولآلئَ تدُلُقُ الفرحَ المأمولَ في أعماقِ المُتَلَقِّي .. وتعبِّئُهُ اندهاشًا وانبهارًا وافتتانًا.

وبمعنى آخرَ؛ عليهِ أن يُصِيبُ قلبَ المتلقِّي برصاصَةٍ واحدةٍ .. غيرَ القِصَّةِ القصيرَةِ التي يَمْلِكُ القَاصُّ كثيرًا منَ الرَّصَاصِ لتحقيقِ المطلوبِ.

س. تعددُ الشَّخصيَّاتِ في القصة ما تأثيره الجمالي والإبداعي في النص؟

– في اعتقادي؛ ليسَ لتَّعدُّدِ الشَّخصيَّاتِ في القصَّةِ تأثيرٌ ما، فالتَّأثيرُ يحدثُهُ الدَّورُ الَّذِي تلعبُهُ الشَّخصيَّةُ في النَّصِّ، ومدى قربِها من محورِ الأحداثِ، وفاعليَّتِها وتأثيرِهَا في رسمِهَا، أي بما تتركُهُ الشَّخصيَّةُ من خلالِ دورِهَا الفَاعِلِ في النَّصِّ الذي يتركُ تأثيرًا حقيقيًّا في نفسِ القارئ.

س. ما الصعوبات والعوائق التي يواجهها الكاتب الليبي، في مسيرته الإبداعية.. وفي نشر نتاجه الأدبي؟

– أكبرُ الصُّعُوبَاتِ وأعسرُهَا هيَ النِّشْرُ .. ثمَّ الانتشَارُ الذي يليقُ بالمبدعِ اللِّيبيِّ؛ فالإعلامُ يظلمُنَا كثيرًا، أعني أَنَّهُ تأخَّرَ في نشرِ الإبداعِ اللِّيبيِّ، وحينَ تُتَاحُ للمبدعِ الليبيِّ فرصُ الانتشارِ فهو يفرضُ إبداعَهُ بقوَّةٍ وإقناعٍ وإمتاعٍ .. والكاتبُ الاستثنائيُّ الصَّادِقُ النَّيْهُوم، والإبرهيمان ( الكوني والفقيه ) الرِّوَائيَّانِ الذَّائِعَا السِّرْدِ، والصِّيتِ، دليلٌ ساطعٌ على هذا الزَّعْمِ الصَّادِقِ جدًّا.

س. الهايكو، الشذرة، من الألوان الجميلة والجديدة ..كيف تراها مستقبلاً؟

– الهايكو العربيُّ طَفِقَ يستحوذُ على اهتمامِ جمهورٍ واسعٍ منَ القرَّاءِ، بعدَ أن تَعَهَّدَهُ لفيفٌ منَ الشُّعُرَاءِ المُبدعينِ العربِ، وأعني كتبوهُ بروحٍ عربيَّةٍ خالصةً، تخلُّصًا من قيودِ التَّأطيرِ اليابانيَّةِ التي ظلَّت تحصرُهَ في تقديسِ الطَّبِيعَةِ، الهايكو العَرَبيُّ تَخَلَّصَ منَ أصفادِ الشَّكْلِّ، والتَّقيُّدِ بعددِ المَقَاطِعِ الصَّوتيَّةِ أيضًا .. والاشتغالِ على مكوِّناتِها وموجوداتِهَا.. فالهايكو العربيُّ خرجَ من هذهِ الشَّرْنقَةِ الضَّيِّقَةِ الخَانِقَةِ، ليُحَلِّقَ في آفاقٍ أَرْحَبَ وَأَخْصَبَ، فَصَارَ الهايكو غوصًا في أعماقِ النَّفْسِ البشريَّةِ، واندغامًا معَ الحيَاةِ، وتمهايًا معَ الجَمَالِ، وذوبانًا في عوالمِ الحلمِ والخيالِ والمَجَازِ، واستلهامًا للذاذاتِ الفلْسَفَةِ وغيرها.أَمَّا ما يَخُصُّ الشَّذْرَةَ المعاصرَةَ، فهيَ الآنَ أكثرُ إبهارًا ممَّا كانتِ عليهِ، فهيَ مغموسِةٌ في نهرِ الدَّهْشَةِ بانجذابِهَا للشِّعْرِ، والتزامِهَا بالاختزالِ والإيجازِ والتَّلمِيحِ، واقترابِهَا من أعماقِ الفَلْسَفَةِ، واعتنائِهَا بِالبعدَينِ الإنسانيِّ والجَمَالِيِّ..

ولعلَّ كُتَّابًا عَرَبًا أفذاذًا كانوا روَّادِ الشَّذرَةِ الأَدبيَّةِ، بدءًا بالنِّفَّرِيِّ، صاحبِ المقولَةِ الذَّهْبِيَّةِ ” كلَّمَا اتِّسَعَتِ الرُّؤيَةُ ضَاقَتِ العَبَارَةُ ” وابنِ عربيٍّ، ومنَ الشَّاذِرِينَ العربِ المُعَاصِرِينَ ثَمَّةَ كتابٌ كَتَبُوهَا بإتقانٍ وإدهاشٍ كجبران خليل جبران، وكامل الشِّنَّاوي، وعلي مصطفى المصراتي، وغادة السَّمَّان، وإبراهيم الكوني، ومحمَّد أحمد الزويِّ، وعمر علوي ناسنا، فضلًا كتَّابٍ عالميِّينَ من أمثالِ نتشه، إلياس كانيتي، إميل سيوران، فرناندو بيسوا،كارل كراوس، وغَيْرِهِمْ.

س. الشعر تبدع وتجيد في نظمه متى تتوحَّد مع قصيدتَكَ ومتى تختلف عنها؟

– القصيدةُ بنتُ أعماقِي، أنا دائمُ التَّوَحُّدِ معها، أشعرُ دومًا أنها مِنِّي، وأنكرُهَا في حالةٍ واحدةٍ فقط؛ حينَ أشعرُ أنَّها لم تقلْنِي، لم تفي بأحاسيسي، فأعدُّهَا خائنةً، وأَشِيحُ بقلبي عنها، وأقطعُ حبلَ الوِدَادِ السِّرِّيَّ بيني وبينَهَا.

س. الألم أم الأمل. من منهما يزرع الإبداع وييسر ولادة نص أدبي مميز؟

– كلاهما مُحَفِّزٌ على الإبداعِ، مُنْجِبٌ للفَنِّ، مُنْجِزٌ للأعمَالِ المُبْهِرَةِ وَالاستثنائيَّةِ.

س. كيفَ تصفُ لنا المشهدَ الثقافيَ الليبيَّ حاليًّا؟

لِكُلِّ مرحلةٍ مؤثِّرَاتُهَا وتأثيرَاتُهَا، المشهدُ اللِّيبيُّ تأثَّرَ سلبًا بأزمنَةِ الفوضى هذهِ، وأُصِيبَ بلهبِ حرائقِ الرِّبيعِ العَرِبيِّ المستعرِ خرابًا ودمارًا حتَّى يكادَ يحيلُ الحيَاةَ إلى هشيمٍ بكلِّ من فيها وما فيها..!! فقد أُصِيبَتِ القِيَمُ في مقتلٍ، وتأثَّرَ المبدعُونَ وإبداعُهُم، بتصدُّعَاتِ الرَّاهِنِ العربيِّ البليدِ، وقد انحسرَتْ براحَاتُ الحُرِّيَّةِ، وتقلَّصَتَ مَسَاحَاتُ النَّشْرِ.. وَتَسَلَّلَ الحزنُ الفظيعُ إلى نصوصِنَا .. الحُزْنُ على الوطنِ والأرواحِ والمقدَّرَاتِ، وعلى منظومَةِ القيمِ التي ضُرِبَتْ ، الحُزْنُ على الشُّرُوخِ البَالِغَةِ التي شَوَّهَتْ رُوحَ مَجْتَمَعِنَا النَّقِيِّ، والتَّصَدُّعَاتِ المَهُولَةِ الَّتِي استشرَتْ في النَّسِيجِ الاجتماعيِّ لهذا الشَّعْبِ الطَّيِّبِ المَظْلُومِ .. وعلى الجُرُوحِ العَمِيقَةِ التي طَالَتْ جَسَدَ الوطنِ فَأَدْمَتْهُ وَكَلَمَتَهُ وَآلَمَتَهُ، وَسَرَحَتْ في أعمَاقِ أبنائِهِ فزرعَتْهَا أسقامًا وآلامًا..

س. هل تعتبر قلمَكَ شاهدَ عصرٍ يؤرِّخ الواقع ويكتب للمستقبل.. وهل برأيك 
– استطاع الأدب حمل رسالته في طرح هموم ومشاكل هذه الفترة العصيبة من تاريخ الأمة.. أم مازال يعول عليه الكثير؟

– القَلَمُ الصَّادِقُ شاهدٌ حقيقيٌّ على عصرِهِ، وعينٌ لا تغفلُ عن رصدِ كلِّ شيءٍ، وأحاولُ أن أكونَ صادقًا لأُنْقَلَ للأجيالِ القادمَةِ صورةً واضحةً عن راهنٍ مفزعٍ. وهذا ليسَ تزكيَةً لقلمي ولا لنفسي.

والأدبُ استطاعَ حملَ رسالَتِهِ، فكثيرًا منَ الأعمالِ الأدبيَّةِ تُجَاهِرُ بصدقِهَا، وتنابزَ الطغاةَ والجبابرَةَ والقتلةَ والمقبوحينَ .. وتصرخُ في وجوهِهِم بكلِّ ما أوتيَتْ من تعابيرٍ وأساليبَ .. وكثيرٌ منَ الأصواتِ أُخْمِدَتِ بِالرَّصَاصِ والمَشَانِقِ والتَغييبِ خلفَ جدرَانِ الحيَاةِ، أو خلفَ قضبَانِ السُّجُونِ في أحسنِ الأَحْوَالِ. ومازلنا ننتظرُ أن يبقى المبدعُ نصيرًا للحقِّ والصِّدْقِ، منحازًا للحَيَاةِ والحرِّيَّةِ والعدلِ والخيرِ والجمالِ، وخصيمًا للباطلِ والظلمِ والعدوانِ، عدوًا للقُبْحِ والمَوْتِ والظَّلامِ.

س. كيف نتمكَّن من تطوير الواقع الثقافي العربي والنهوض به ليكون مؤثِّرًا في علاج أوجاع المجتمع في كل النواحي وبث روح الأمل بمستقبل واعد مزهر ونهضة جديدة تمحو خيبات الحاضر؟

– هذا لا يتأتَّى بغيرِ ثقافةِ المبدعِ نفسِهِ التي تجعلُ منهُ كَمًّا مُهَمًّا فَاعِلًا في مجتمعِهِ، ولعلَّ المناهجَ التَّربويَّةَ الجيِّدَةَ تساهمُ بقسطٍ كبيرٍ في هذا الدَّورِ. ثمَّ يأتي إحساسُ المبدعِ بمجتمعِهِ، وحاجتِهِ إليهِ في صناعةِ الحياةِ، وخلقِ التَّطَوُّرِ، وإزاحَةِ كلِّ المُحَبِّطَاتِ وَالمُثَبَّطَاتِ من طريقِ الحياةِ والأحياءِ، وبثِّ الأملِ في شرايينِها، وإنعاشِها.

س. هل ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في التقريب بين الكاتب والقراء كونها أسرع انتشارًا وفي متناول الجميع وهل بإمكانها تحقيق حلمنا العربي في وحدة فكرية وثقافية في ظل أسرة واحدة كبيرة؟

– لا شكَّ أنَّ هذا حدثَ حقيقةً، ويمكنُ لهذهِ التكنولوجيا المتطوِّرةِ أن تقرِّبَنَا أكثرَ، وأن تربطَنَا ببعضٍ بصورةٍ أسرعَ، وأنجعَ.. لو عُمِلَ عليها بشكلٍ جيِّدٍ.

س. ماذا قدَّمَ لكَ العملُ الصحفيُّ كأديب وشاعر؟

– العَمَلُ الصَّحَفِيُّ يأكلُ العُمُرَ، ويمضِغُ المَوْهِبَةَ، وَيَعْصِفُ بحرِّيَّةِ المُبْدِعِ الَّذِي لم يُخْلَقْ إِلَّا حُرًّا؛ فهوَ يجعلُ منَ المُبْدِعِ مُجَرَّدَ مُتَرَبِّصٍ بالأخبارِ والأحداثِ كمخبرٍ.. كفكَّي فَخٍّ، يجعلُهُ مُتَحرِّشًا بالتَّفَاصِيلِ – التي قد لا تكونُ مهمَّةً أبدًا. ومعَ هذا تبقى مهنَةُ الصَّحَفِيِّ مهنَةً ضروريَّةً بالغةَ الأَهَمِّيَّةِ في أيِّ مجتمعٍ؛ لكنِّي أُنَوِّهُ بخطرِهَا على المُبْدِعِ ذي المَوَاهِبِ الأخرى، كَالشَّاعِرِ والقَاصِّ والرِّوَائِيِّ؛ فهيَ تَأْكُلُ وَقْتَهُ، وتسطوُ على تفكيرِهِ الَّذِي ينبغي لَهُ تسليطُهُ على مكامنِ الإبداعِ الحقيقيَّةِ.

وهنا أثيرُ سؤالاً: هل يبقى شيءٌ منَ العملِ الصَّحَفِيِّ في الذَّاكِرَةِ..؟ 

ضبطًا لا، فلا خلودَ حقيقيٌّ للنُّصُوصِ الصَّحَفِيَّةِ إلَّا فيما ندرَ، وهذا استثناءٌ لا يُقاسُ عليهِ ..
وقدِ اتَّخذَ كثيرٌ من مبدعِيَنا الصِّحَافَةَ مصدرَ رزقٍ فحسبُ متناسينَ مواهِبَهُمُ الأَصِيلَةَ الَّتِي منَ المُمْكِنِ أن تصنعَ من كلٍّ منهم نجمًا لامعًا كبيرًا.
وَلا أعتقدُ أَنَّ الصِّحَافَةَ قد قَدَّمَتْ لي شيئًا يذكرُ، غيرَ بعضِ انتشارٍ كانَ يمكنُ أن تتكفَّلُ بِهِ القصَّةُ أو القصيدَةُ.

مقالات ذات علاقة

مالك أبوشهيوة: رأينا أن نقوم بترجمة هذا الكتاب للاستفادة من خبرات الآخرين في مجال إعادة بناء الدولة

رامز رمضان النويصري

إعلامية ليبية في محطة فرنسية

فاطمة غندور

خالد مطاوع هويتي المزدوجة أشعر معها بالألفة وبالغربة معاً

المشرف العام

اترك تعليق