عبدالرحمن سلامة
داوود حلاق عاش بيننا محبا وعاشقا لقورينا، يتنقل بين آثارها، كما كانت هى موغلة في التاريخ كان أيضا موغلا في حبها وعشقها، عرف تفاصيلها وفك شفرتها.
كان كلما زرته يهمس في أذني ويقول: كل العالم يجزم أن ثمة أناسا زارونا هنا وتركوا آثارهم باقية ورحلوا وعادوا أدراجهم إلى ما بعد المتوسط، غير أن هناك حقيقة أخرى نجهلها، كان يحاكي هذه الآثار وتحاكيه وربما أفشت له بكل أسرارها.
داوو حلاق عبقري، وداوود، ملك الكوميديا السوداء، يجعلك تضحك وتتألم في آن واحد، أتذكر ذاك اللقاء الذي جمعني به حينما زار مدينة شحات فلاسفة من اليونان يرافقهم أكاديميون في التاريخ والآثار من طرابلس، وعندما بدأ يتحدث عن قورينا تغيرت ملامحهم وقال أحدهم: هل تعرف يا سيد داوود أن ما تقوله لو أثبته علمياً معنى ذلك أن النتائج التي توصلنا إليها ونلنا من خلالها شهاداتنا العليا ستكون لا معنى لها.
ما قاله داوود في ذلك اللقاء أرعبهم، داوود كان دائما يقول نحن الأصل، وعلينا دائماً أن نفتخر بهذه الآثار في شرق وغرب وجنوب ليبيا، عاش عفيفاً لم يطرق باب المسؤولين في الوقت الذي كان يملك من حقائق ومعلومات عن دهاليز قورينا ما يجعله يحقق ما يريده، لم يبخل يوما على أحد بأي معلومة على الرغم من المحاذير التي كانت موجودة قبل 2011 والتي تتعلق بوجود آثار مسيحية.
واكتشافه لكهف مرقص كان بمثابة تحول كبير قد يجعل هذه المنطقة محط أنظار الدنيا.
زرته قبل وفاته بأيام في بيته بمعية الكاتب حسين نصيب المالكي واحتسينا القهوة، كانت عيناه تودعاننا سأل عن طبرق وعن أحوالنا، قلت له يومها: تمسك بالله وستتعافى بإذن الله وسنواصل أحاديثنا عن قورينا التي تحب، وسننشر للعالم بأننا الأصل، وسنتفخر دوماً بآثارنا الليبية الأصيلة، فكل ما هو موجود لدينا من آثار هى آثار ليبية، طلبت منه قبل أن نغادره أن نلتقط معه صورة للذكرى، كان قلبي يحدثني أن هذه الزيارة ليست كسابقاتها وأن القامة الكبيرة داوود حلاق كان يودعنا بنظراته.
لا أتمالك نفسي، ما إن رجعت إلى بيتي حتى أطلقت صرخة مدوية وقلت عبر حسابي الشخصي على الفيس بوك أن حياة الأديب والكاتب والباحث داوود حلاق في خطر ويحتاج إلى وقفة، وخصصت هذا النداء إلى السيد رئيس الهيئة العامة للثقافة والإعلام والمجتمع المدني الأديب جمعة الفاخري، والذي تقلد مهام الهيئة لتوه فلبى النداء فوراً وزاره وسلمه درعاً وسعى أن تستكمل إجراءات سفره من استخراج جواز إلكتروني وأن يسعى لتولي الدولة مصاريف علاجه في تونس، ولكن القدر سبقه إلينا هناك بعد أن أوصى بأن يدفن في مدينته قورينا التي يحب، قورينا التي عاش وهو يؤكد على ليبيتها وأصالتها.
رحل داوود ولكن ما تركه من إرث ثقافي وأدبي سيظل بيننا، فهو كاتب قصة متفرد، وباحث في التاريخ وعاشق لقورينا، داوود عاش يطربنا بمزاميره المحبة لقورينا وللوطن، ونوجه نداءً ثانيا إلى السيد رئيس الهيئة العامة للثقافة والمجتمع المدني بأن يطلق اسمه على مؤسسة من مؤسسات الهيئة وأن يقام مهرجان في قورينا باسمه، وهذا أقل ما يمكن أن نفعله تجاه داوود حلاق، المحب والعاشق لقورينا وللوطن.
________________