المالوف موكب أوبرالي مهيب يمر راجلا يزف به الأهالي سلاطين اعراسهم.
سماه الطرابلسية بشكله هذا بـ(التدريجة).. ومن خلاله يرفعون الطارات عاليا فرحا بقدوم الأبكار من الذكور للعائلة وأيضا تعلو من خلف الشبابيك الزغاريد لمروره لحظة ختانهم .
هذا الفن حفظته الزوايا والتكايا بطرابلس بعد أن اضافته ضمن طقوسها كعامل لجذب الشباب حين عزفوا عن ارتيادها قديما
لهذا لا يوجد هذا الفن الا بزوايا طرابلس ونما وترعرع بها حتى صار يوزن بالذهب .. ولأنه فن الناس منذ القديم لحقت به الأساطير حتى قيل (ان إيقاع المحير حين تسمعه الجان تفقد صوابها فتنزل من عليائها وتهيم خلف رتمه كالدراويش )!!! .
فن المالوف هو فن الناس ورثوه أبا عن جد كما أنه ليس فنا للرجال فقط فالطرابلسيات اللواتي يوقدن المباخر وينثرن الزهر من (مشربيات البيوت) فوق رؤوس كورال هذه الاوبرا الراجلة يرددن بدورهن خلفها (ياغزالا في البهاء ما اجملك ..علموك الهجر حتي بدلك).
المالوف وبطرابلس كما (غاليري اكاكوس) بالنسبة لليبيا كلها.. فن ليبي اصيل وجماله في تنوع مشاربه من الأصل الاندلسي الى تمازجه باللهجة وبالنغم المحلي وانتهاء الى امتداده المشارقي والذي يصل لحدود الاناضول .
بهذا المزيج تميز ونال الحظوة عربيا وذلك في كل المهرجانات والمشاركات الخارجية والتي تعني بالثرات وفن المالوف والموشحات …وما كان يصل لهذه المكانة لو أنه غادر قلوب الناس وأعرافهم وعاداتهم بل ويومياتهم …بل أنه لم يكن ليجتز أعتاب طرابلس أن عُلب بتلفاز أو جمّد بمذياع ..كما يحدث الان وبتعمد واضح ولا أحد له القدرة على التبرير او التفسير والرد عن سؤال .
(لما ينحسر هذا الفن أصيل الناس من مكانه الطبيعي في زواياهم وفي شوارعهم وقلوبهم ليتمدد وبفتور وبرود مبالغ فيه ولغرض يفهم الجميع انه يصب في خانة الدعاية السياسية والتي تستعمل لها الان علب الراديو؟؟.)
يقول دعبل الخزاعي..
منازل ايات خلت من تلاوة
ومنزل وحي مقفر العرصات
فها هي ازقة طرابلس وأحيائها التي كانت تتطيب بمرور النوبة ويطرب أهلها لتنوع ايقاعاتها وبوحدة وجهورية صوت منشديها والذين يخلعون (الشاشية والبسكل) لينالهم نصيب من مرشّات الزهر والمباخر ولتتعطر جباههم ويتعطر أيضا مرورها المهيب .. والصبايا اللواتي كن يرددن مع المنشدين من خلف حجاب ينثرن الفل والياسمين على جمع المارين وقلوبهن تخفق بالدعاء بقرب النصيب .. ها هو كل هذا المشهد المهيب يسقط في الهاوية بنظام التنقيط رويدا رويدا .. وبما أن الأمر وكأنه ممنهج وبداء من سنوات لذا ومن غير ان ندرك فالمشهد يكاد يقفل على نفسه الباب الأن .. لتبقى طرابلس خاوية على عروشها الا من الشاردين خلف قوتهم وعيالهم كل بيده ملف ويسعى وراء لاشي (وكأن على رؤوسهم الطير) بل وكأنهم رفعوا اياديهم عن الفرح واختاروا التقاعد المبكر عن البهجة واضربوا حتى عن الهمس بأبجد هوز نوبات المالوف (الف ياسلطاني والهجران كواني ..اليف)
كل هذا بداء بالتلاشي والانحسار واختفت نوبات عشق غرناطة من شوارع طرابلس وماتت حماماتها الزواجل وانقطع حبل وصالها بالأندلسي.
_______________________