صحافة.
المقالة

محطات ومواقف

علي زبيدة

المحطة الأولى: نشأت الصحافة في اواخر الستينات من القرن الماضي وفى محطة من محطات بناء الدولة الليبية برز هناك اصرار من جيل الشباب الليبي وتحفز من اجل المشاركة في بناء الدولة وكانت الانطلاقة الكبيرة لصدور عدد كثير من الصحف الوطنية وتطلع الشباب للدخول في مجال الاعلام وخصوصا الصحافة المكتوبة قد لعب دورا كبيرا وفاعلا لخلق كوادر اعلامية وصحفية خاصة للدفع بمسيرة الاصلاح السياسي والتنوير التفافي وكان لها الدور الكبير في بلورة الرأي العام الوطني فيما بعد من اجل انجاح مرحلة البناء المجتمعي.

المحطة الثانية: لعل ما تميزت به المرحلة الاولى من انطلاقة الصحافة الليبية هو ابراز الدور الإعلامي الكبير الذى حمل سيمات اخده في التطور من حيث الاسلوب الصحفي المميز والسلوك الذى يسعى الى المستوى المتحضر بالرغم من الظروف البالغة البدائية والصعوبة التي عانت منها الصحافة في بداية عهدها الا ان الامر البالغ الاهمية هو هامش الحرية الصحفية الذى كان متاحا في ذلك الوقت والذى تعامل معه الصحفيين الليبيين بأخلاق صحفية راقيه دفعهم للإصرار على مواصلة الجهود من اجل تحسين وضع الصحافة خاصة التطور التقني وبالفعل اوصلوا الصحافة الى عالي التقنية.

المحطة الثالثة/ الموقف والسلوك: ولعل ما دفعني الى الكتابة حول الصحافة هو ما نعيشه حاليا وما كان معاشا مند زمن وقد ذكرني مقال بعنوان: “ليبيا الصحافة والصحفيين ممن قارعوا اللذين تغولوا في النظام الملكي“ بقلم الاستاذ مهدى يوسف كاجيجى. ومن لا يعرف الاخ العزيز مهدى فهو قامة من قامات الصحافة الليبية وكان مدير التحرير بجريدة الحرية في ذلك الوقت الذى كان يرأسها الاستاد الفاضل محمد عمر الطشاني -رحمه الله- وقد استحضرتني قصة تدور حول تلاعب وممارسة غير قانونية حدثت وقتها واستهجنت من قبل الاوساط العمالية ولازلت أتذكر كيف تناولتها صحيفة الحرية بأسلوب مهني راقي خالي من التشهير والتهجم الشخصي حين ذاك حيث تناول مدير التحرير الاستاد مهدى كاجيجى موضوع ملف احدى الشركات التجارية التي تمت اجراءات تكوينها بالمخالفة والالتفاف على القانون حيث ان احد الشركاء المؤسسين للشركة كان وزيرا في الحكومة انذاك وان نشاط الشركة له علاقة بعمل الوزارة التي على رأسها السيد الوزير الشريك وان الشركة بحكم علاقتها بالوزير قامت بتوقيع عقود مع قطاع من اكبر القطاعات وهو قطاع النفط تقوم بموجبها بتزويد الشركات التابعة له باليد العاملة ويكون هذا حصرا على الشركة المعنية وكل هده الاجراءات مخالفة للقانون.

من هنا يبدأ تسلسل الأحداث والمواقف:

– بدأ المقال الاول بتناول الموضوع بشكل عام ودون الاشارة لاسم الشركة والوزير المعنى مطالبا كاتب المقال بإعادة النظر في تكوين الشركة والعقود المبرمة.

– حاولت الشركة عن طريق بعض العناصر للتوسط مع الصحيفة وتمت المحاولة الاولى مع رئيس التحرير وصاحب الامتياز الاستاذ محمد الطشانى وبعد مناقشة مطوله معه كان الرد انه لا يستطيع فرض أي رأى على كاتب المقال.

– وفى اليوم التالي جاءت شخصية اخرى بعرض مالئ من اجل تسوية الموضوع غير ان رئيس التحرير رفض النقاش شكلا وموضوعا وانتهت المقابلة.

– وفى المرة الثالثة كان مطلب الشركة لرئيس التحرير هو ايقاف نشر المقالات عن الموضوع حتى يمكن ايجاد حل وكان رده عليكم بمقابلة مدير التحرير والمعنى بكتابة المقالات من اجل ايقاف النشر مؤقتا اذا وافق.

– تمت مقابلة مدير التحرير وكاتب المقال الذى اصر على الاستمرار في تناول الموضوع حتى يتم تصحيح وضع الشركة والغاء العقود المبرمة مؤكدا على عدم قبول أي تلاعب او ممارسات ضد المصلحة العامة.

– واخيرا عجزت كل الوساطات عن فعل أي شيء يتني الصحيفة عن الاستمرار في تناول الموضوع وخوفا من تسرب أي معلومة عن اسم الوزير المعنى جعل الامر يزداد حرجا.

– وفى موعد غير مسبوق جاء السيد الوزير بنفسه الى مقر الصحيفة وقد اجتمع مع رئيس التحرير وكذلك مدير التحرير وكاتب المقال ووعدهم بانه سيتم حل الشركة بعد الغاء العقود مقابل ايقاف تناول الموضوع والحفاظ على سرية الاسماء وقد تم ذلك والغيت العقود وتم ارجاع الدفعة الاولى من العمالة وتم اعادة تأسيس الشركة وفق القانون.

لقد كانت حرية الصحافة مكسب كبير تعامل معه الصحفيين في ذلك الزمن بمهنيه وسلوك راقي وخلاصة النتيجة تحقيق المصلحة العامة كما تحققت في الموضوع السابق وما هدفت اليه بسرد هده الحادثة هو ان ما يحدث حاليا يمتل تدميرا لما يسمى بالحرية الصحفية والدفاع عن مصلحة الوطن التي تباع باثمان بخسه… وللتاريخ نقلت ما كان قائما من خلال معاصرتي لجريدة الحرية التي بدأت العمل بها في قسم الاعلان وتوليت التسويق الإعلاني (الدعاية والاعلان) ومن خلال العلاقة الشخصية بالعاملين في مجال الصحافة وكنت من الشباب المغرمين بهذه المهنة غير ان الاقدار شاءت غير ذلك واقفلت جميع الصحف وان قربى من ذلك القطاع جعلني انقل أحاسيسي وما كان يدور أمامي في ذلك الوقت بأسلوب ورؤية لا يمكن ان تتحقق في هذا الزمن.

اخيرا لقد ودعنا اصدقاء كتيرون كانوا من فرسان الكلمة اخرهم المرحوم محمد ساسي ابو عون مناضل وطني وعروبي وكان له اسلوب مميز في الكتابة وبعده المرحوم فاضل المسعودي الذى كانت معرفتي به ليست كبيرة ولكنى كنت من قراء جريدة الميدان التي كان يرأس تحريرها وكتيرين سبقوهم ممن عرفنا… اللهم اغفر لهم وارحمهم واطال في عمر الاحياء منهم وللصديق العزيز مهدى كاجيجى التحية مع تمنياتي له بالصحة وطول العمر.

مقالات ذات علاقة

الضفدع الجميل

فاطمة غندور

الأشرار لا يغنون

سالم العوكلي

خط ولوّح

عزة المقهور

اترك تعليق