المقالة

غابت سنة أخرى

إحدى أغاني فيروز، من تأليف الأخوين رحباني، تقول:
“غاب نهار آخر
غربتنا زادت نهار
واقتربت عودتنا نهار”

في هذه الأغنية تتواجه المعاناة والأمل. الأمل لا يخترق المعاناة أو يستبطنها، كما أنه لا يكتنفها، وإنما يقف نائيا عنها ملوحا لها. تستطيل الغربة وتتراكم المعاناة. إلا أن الغربة تسير، محملة بأثقال المعاناة، سيرا وئيدا، ولكن دؤوبا، نحو الأمل الثابت في مكانه لا يريم!

من الواضح أن المقصود في الأغنية غربة الفلسطينيين وما يكابدونه من تشرد وصعوبة عيش ومهانة لجوء. لكن مسيرة الغربة هذه تتجه نحو العودة المأمولة.

إلا أن العودة، بالمعنى الصافي، ورغم النضالات الجمة التي خيضت والحروب التي اندلعت من أجلها، لم تتحقق. إذ مازال عدد هائل من الفلسطينيين خارج فلسطين ومازال “حق العودة”، بالمعنى القانوني، منكورا عليهم.

وكأن الأمل الذي كان ينتظر لابثا مكانه أخذ يبتعد.

وبالطبع ليس هذا ذنب الفلسطينيين، فهم أدوا واجبهم نحو أنفسهم كشعب.

ابتعاد الأمل هذا يبدو أنه، لجملة عوامل خارجية وداخلية متضافرة ومتغاذية، مصير الشعوب العربية. فكلما تولدت بارقة أمل في التقدم والاستقرار والمعيشة الكريمة، حل التأخر والتراجع وضنك العيش والفوضى وانتهاك الكرامة. ينتفي الاعتقاد بالسير نحو الأمل الواقف في مكانه منتظرا، أو مطاردته إن كان متحركا، ونجد أنفسنا، على العكس، نسير باتجاه العودة إلى الماضي، وما دامت العودة إلى الماضي مستحيلة ومحاولتها ضرب من الجنون، فإن ذلك يعني: الدمار واليأس!

فبدل تنامي حركات ومناخات التنوير والاستنارة، يخرج علينا دعاة الظلام وكائناته المتوحشة المعادية للعقل والحرية والحياة الإنسانية السوية. هذه الكائنات التي ترعبها الدعوة إلى التفكير الحر ويستفزها الفن، ويعتدي على عُقَدها تمثال امرأة عارية في مكان عام (مثل تكوين نافورة الغزالة في طرابلس- ليبيا، التي مر على وجودها هناك عقود عديدة دون أن تستفز المشاعر أو تثير ردات فعل معادية)، أو حتى في معرض فنون لا يرتاده سوى المهتمين، أو امرأة تسير في الشارع دون غطاء رأس. هذه الكائنات التي استغلت الظروف الدولية والفراغ الأمني وضعف السلطة في بعض البلدان فأعملت الذبح والتقتيل والتشريد والسبي معيدة عصر الرقيق. إلى درجة أن قسما كبيرا من السكان اضطر إلى النزوح الجماعي. أي هجرة الوطن الذي تدمر هذه الجماعات مقوماته التاريخية والحضارية والثقافية ومستقبله جملة.

ترى، بغياب سنة أخرى، هل زادت معاناتنا سنة واقترب خلاصنا سنة؟!

___________________

نشر بموقع بوابة الوسط.

مقالات ذات علاقة

الثوراتُ العربيَّة وَوُعُودُ التَّغيير

خالد السحاتي

أين ليبيا التي عرفت؟ (18)

المشرف العام

الدستور والوصاية

علي عبدالله

اترك تعليق