النقد

من الأدب الليبي

 

نهى حازم الحلي

كتابة
كتابة

في ليبيا كما في غيرها من الأقطار العربية أدب وشعر أثمرته طبيعة البلاد الليبية فساحل البحر الذي يمتد في ليبيا أكثر من ألف كيلو متر تقريباً والصحراء والرمال والتضاريس الأرضية كل ذلك يوحي للأديب والشاعر أن يكتب عنه. والصراع بين الشعب العربي الليبي والدول الاستعمارية التي استعمرته والجهاد الذي خاضه الشعب الليبي للحصول على حريته كفيلة بأثمار أدب وشعر من أدباء البلاد وشعرائها فضلا عن الأحداث العربية والإسلامية والعالمية.

فقد عاشت ليبيا زمناً تحت الحكم العثماني ثم عانت من الاحتلال الطلياني منذ عام 1911م . وكان للشعب العربي الليبي وقفات مشرفة ضد المستعمرين حملت الشعراء العرب والليبيين للتغني بها وتسجيلها وكان الأديب الليبي يستمد ثقافته من مصادر مختلفة كالكتاتيب والمساجد والزوايا قديماً ثم المدارس والجامعات حديثاً ونظرة في كتاب أعلام ليبيا تأليف عالم ليبيا ولغويِّها الشيخ الطاهر الزاوي ونظرة في كتاب دراسات في تاريخ المكتبات والوثائق والمخطوطات اللبيبة للدكتور عبد الله الشريف والدكتور محمد إمحمد الطوير وبالرجوع إلى مؤلَّفات أديب ليبيا ومؤرَّخها الكبير علي مصطفى المصراتي، وبقراءة كتاب الشعر والشعراء في ليبيا، والاتجاهات الوطنية لمحمد صادق عفيفي وتراجم الشعراء أمثال الأصطى وأحمد رفيق المهدوي والشارف والرِّقَيعي والباروني وصدقي وإنديشة والغْنَّاي وأبي سدرة والحافي والساحلي والهنكَاري وأحمد البهلول وخليفة محمد التليسي وعلي عبد السلام الفزَّاني، أقول إنَّ نظرة في مؤلَّفات هؤلاء الأعلام وتراجم الشعراء فضلاً عن غيرها من المراجع تكفي للوقوف على أدب ثرٍّ وعلم جمٍّ وثروة أدبية في ليبيا تكذِّب زعم الزاعمين أنَّ ليبيا صحراء جرداء لا يوجد في تاريخها أدب، وقد أحصى الدكتور الصيد محمد أبو ديب دواوين الشعراء المطبوعة في قرن (1892-1992) فأثبت أسماء مئة وخمسة وعشرين ديواناً مطبوعاً وأشار إلى دواوين أُخرى مفقودة(1). ..

فقد درس مثقفو ليبيا القدماء في الزوايا المنتشرة فيها والتي أدت دوراً تعليمياً عالياً من أمثال :

1. زاوية الشيخ عبد السلام الأسمر في مدينة زليطن التي أسسهاالشيخ عبد السلام الأسمر سنة 900 هـ .

2. زاوية المحجوب بمدينة مصراتة وقد أسسها الشيخ إبراهيم المحجوب .

3. زاوية الشيخ أحمد الزرّوق بمدينة مصراتة .

4. زاوية الشيخ الدوكالي بمطقة مسلاَّتة التي أسَّسها الشيخ عبد الله الدوكالي .

5. زاوية الشيخ أبو راوية بتاجوراء .

6. زاوية عبد النبي الأخضر في الجبل الغربي وتسمى زاوية أبو ماضي وهو اسم جبل قريب من جبل ككلة التي بنيت هذه الزاوية بجواره ونُسبت إليه.

7. زاوية القائد عمورة بمنطقة جنزور بطرابلس .

8. زاوية النعاس بتاجواء .

9. زاوية طبقة بمطقة الزنتان .

10. زاوية ابن جحا بمنطقة الخمس .

11. زاوية أولاد سهيل بمنطقة الزاوية الغربية .

12. زاوية سيدي عثمان بمنطقة الخمس .

13. زاوية سيدي زائد بمنطقة الخمس(2).

ثم جاء دور المدارس والجامعات في ليبيا التي تخرَّج فيها عدد من الأدباء والعلماء والكتَّاب والشعراء فقد تأسست عام 1955م أول جامعة في ليبيا باسم الجامعة الليبية في مدينة بنغازي مع فرع لها في مدينة طرابلس . ثم تطور التعليم الجامعي، فتأسَّست جامعة الفاتح وجامعة قار يونس وجامعة العرب الطبية وجامعة عمر المختار والجامعة المفتوحة وجامعة النجم الساطع وجامعة السابع من أبريل وجامعة سبها وجامعة درنة وغيرها .

إن هذه المراكز العلمية أفاضت على ليبيا عدداً من المثقفين فضلا عن الذين قصدوا منابع العلم في المشرق العربي كمصر وسوريا والعراق أو في المغرب العربي كتونس والمغرب أو في بلاد الغرب ثم عادوا إلى ليبيا يحملون الشهادات العالية بمختلف المجالات . وسنتناول فيما يلي نماذج من أدب الأدباء الليبيين الذين أثروا الأدب الليبي . ومن هؤلاء الأدباء :

أحمد الفقيه حسن (الجدّ) الذي ولد في طرابلس عام 1259هـ / 1843م في العهد العثماني من أسرة عُرفت بالفقه والأدب وكان أبوه من أعيان مدينة طرابلس . وينتهي بنسبه إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)(3). تعلم في المعاهد العلمية التي كانت في مدينة طرابلس، فقرأ النحو والصرف وآداب اللغة العربية وتعلم التركية كما تعلم الفرنسية على يد أستاذه شارل النمساوي . حتى استطاع أن يترجم كتاباً في فن الرحلات من الفرنسية إلى العربية(4). ثم أُتيحت له فرصة السفر إلى فرنسا عام 1298هـ /1880م فاطلع على مظاهر الحضارة والعمران فشاهد متحف اللوفر وبرج إيفل وإطَّلع على كنوز المكتبة الوطنية في باريس(5).

كان هذا الأديب الشاعر موسر الحال وكانت له ضيعة في طرابلس مشجَّرة خضراء يعقد فيها بعض الأماسي مع بعض الفضلاء من أمثال الشيخ عبد الرحمن البوصيري والأستاذ محمد فريد باشا وعبد الرحمن نور الدين وأسعد بيك ومصطفى بن زكري وإبراهيم الزمرلي وغيرهم من المثقفين العرب والأتراك . وقد أجتمع ذات ليلة مع بعض خلصائه وهم فريد باشا والشيخ عبد الرحمن البوصيري والشيخ خليفة البلبالي فجرت بينهم هذه المساجلة، قال أحدهم :

رشأٌ صاد فؤادي .. بسُهَيْمٍ قد رَمَاه

فأجاز الثاني :

دمع عريني صار وادٍ(6) .. لست أدري قد رماه

فقال الثالث :

خالُهُ سُلطانُ حُسْنٍ .. فوق كرسي الخدِّ تاه

وقال الرابع :

وبجفنيه جنودٌ .. حاجباه حاجباه

ومن هذه الأبيات تظهر المؤانسة الشعرية بين هذا الشاعر ونظرائه . وفيها دلالة على الحس الأدبي عند شعراء تلك الحقبة . ومن مداعباته مع من كان يلتقي بهم من أصحابه ما يحكى أنَّه اجتمع في أحد الأيام ببعض هؤلاء ومنهم الطيب وأسعد وأشرف فأراد مداعبتهم فقال(7):

حُكَّامنا ما أنصفوا .. والكلب منهم (أشرف)

إن كان فيهم (طيبُ) .. فأصله لا يعرف

أو كان فيهم (أسعد) .. فهو الشقي المسرف

وللشاعر غزل تراوح في التغزل بين المذكر والمؤنث . ومن غزله بالمذكر قوله في قطعة اشتملت على بعض الألفاظ الليبية المحلية الشائعة في اللهجة الليبية :

ورد الخدود على نسرينه زاهي .. لذلك لقبه العشاق بالباهي

قال العذول تسلى بالعذار بدا .. فقلت قد زانه والله والله

بدر التمام تمنى أن يضاهيه .. فقلت تتعب نفساً فاحكِ أو ضاهي

ومن غزله أيضاً قوله(8):

الخدُّ ورد وذاك النبت ريحانُ .. والريق خمر وذاك الطرف سكرانُ

وخاله عنبر قد حار من عجب .. في روضة الحسن فهو الدهرَ حيرانُ

من النصارى رشيق القد ذو هَيَفٍ .. بمهجة الصب فتَّاك وطعَّانُ

لا تعجبوا من شقائي في محبته .. فطرفه الأدعج السَّحَّار فتَّانُ

وهو في هذه المقطوعة ناظر إلى الأدب الأندلسي ولا يُستبعد أنَّه أطلع على الموشحات الأندلسية ووصف الطبيعة والتغني بالجمال . ويبدو أنَّ الشاعر في أثناء تطوافه في أوربا قد أسرته بعض الروميات الحسناوات فقال متغزلاً

بهنَّ(9):

رومية بهرت بتلعيباتها .. فاقت بحسن شمائل أخواتِها

السكر في رشفاتِها والموت في .. رشقاتِها والسحر في لحظاتِها

والذعر في خطواتِها والويل في .. لفتاتِها والوصم في غمزاتِها

ففي الأبيات دلالة على ثروته اللغوية فقد كرر ألفاظاً كان بإمكانه استعمالها في القوافي وهذا دليل على تمكنه اللغوي . وطُلب منه في عام 1294هـ / 1877م أن يكتب بيتين يُنقشان على بعض أواني الطعام فقال(10):

أمولاي إنَّي على ما ترى .. جمعت على الود أهل الصفا

تفضل وسم ففيما رووا .. طعامُ المحبين فيه الشفا

وقد أرسل ولده إلى صديقه الشيخ إبراهيم الزمرلي ليعلمه القراءة وبعث له الأبيات التالية(11):

يا هماماًحوى المحاسن طراً .. والمعالي ويا سميَّ الخليل

جاءك أبني على غلاظة طبع .. أرتجي منك هديه للسبيل

فتكرَّم وجدْ عليه بصفح .. قد جعلت الوداد فيكم رسولي

وذيل الأبيات بعبارات نثرية اشتملت على بعض المصطلحات النحوية فقال : (إنَّ معذرتي إليك غباوة المذكور، يقوم بها صغره، وإذا تكرمتم برفع مقامه تعليمياً وتأديباً، من خفض الجبلة الأصلية فأنتم الذي رُفِعَ قدركم بالإبتداء، وصلة كل عائد يرجوكم المعذرة والسلام) . فأجابه الشيخ إبراهيم الزمرلي بقوله :

يا أديب الورى وفخر البلاد .. حرت في معجزاتكم من دليلي

ظهرت منكم عروسة فكر .. ضمها عبدكم بوقت الأصيل

رفعت بالوداد حاله خفض .. فتلتها عوامل التفضيل

* * * * * * * * * *

كلما أنشدته لي حق هذا النجل فرض علِّي والتنزيل

وهو لا غرو إن دنا لإرتفاع .. وإزدياد لأنَّه من نبيل

أرتجي خالق البرايا بذلٍ .. أن يُرَى في العلا عديم المثيل

كما أبدع في تخميس بعض القصائد والتي مزج فيها أنفاسه بأنفاس صاحب القصيدة عبَّر فيها عن مكنونات أحاسيسه وصدق مشاعره فقد خمس قصيدة عمرو بن الفارض حيث قال في تخميسه(12):

شوقي بديوان السلوك تسطَّرا .. وحقيقتي دقَّت فكادت لا تُرى

يامنية المشتاق من دون الورى .. زدني بفرط الحبِّ فيك تحيرا

وارحم حشى بلظى هواك تسعَّرا

فالذات أضحت بالدموع غريقة .. وهواك علمني البكاء طريقة

فارحم فقد صارت حشاي حريقة .. وإذا سألتك أن أراك حقيقة

فاسمح ولا تجعل جوابي : لن ترى

قلبي حريص في اللقاء لبعدهم .. والنوم فارق مقلتي من بعدهم

لا تجزعن فعساك أن تحظى بهم .. يا قلبُ أنت وعدتني في حبهم ..

صبراً فحاذر أن تضيق وتضجرا

الحب صعب إن سلكت بسربهِ .. فاشدد عُراك إذا أقمت وسر بِهِ

يا قلب إن ناداك ويحك لَبِّهِ .. إن الغرام هو الحياة فعش به ..

صباً فحقك أن تموت وتقبرا

وقد حاكى في بعض قصائده أشعار القدامى وله أبيات صريحة وواضحة فهو يقول

ولقد ذكرتك والدوائر فُتِّحَتْ .. أبوابها وتجمع الكتاب

وغدا الخليل محدثاً لخليله .. ولديَّ دون من اصطفيت صحاب

* * * * * * * * * *

ولقد ذكرتك عند كل زيارة .. للصالحين برقة وخشوع

وسألت ربي أن يردك مسرعاً .. حتى تعجل نحونا برجوع

* * * * * * * * * *

ولقد ذكرتك والبيادق صُفِّفَتْ .. بالنرد والشطرنج وقت طراد

فَهَمَتْ عيوني عندها وتيقَّنت .. أن الفراق مفتِّت الأكباد

* * * * * * * * * *

ولقد ذكرتك عند كل خلاعة .. جمعت من الصولي والصولات

فعسى تعود كما عهدت مسارعاً .. وتطيب من لقياكم أوقاتي

وكتب الشاعر في الهجاء أيضاً فقد هجا الوالي العثماني سامح باشا بأبيات قال فيها(13):

قد أزعج الأمير أن .. أتته ناسٌ تشتكي

وسدَّ باباً فدعا .. ضابطه تداركِ

وصار في حيرته .. مثل علي النمكي

فذاته وقوله .. كفعله المرتبك ..

وهي لوحة ساخرة من الوالي الحاكم وهي أبيات تهكمية تثير الضحك على الوالي الحاكم وتعتبر جرأة من الشاعر على ذلك الوالي . وقد وافته المنية مبكراً عندما كان في الثالثة والأربعين من عمره في عام 1304هـ / 1886م ودفن في طرابلس وقد رثاه صديقه الشيخ البوصيري بقصيدة أثبت فيها تاريخ وفاته حيث قال(14):

ومبشر الرضوان جاء مؤرخاً .. جنات عدن أُسجلت لابن الحسن

ولننتقل إلى الكاتب والشاعر خليفة محمد التليسي فهو أديب متعدد الجوانب فله نشاط في مختلف ميادين الثقافة وله من الكتب (رحلة عبر الكلمات) المنشور عام 1974م، و(رفيق شاعر الوطن)، وديوان شعر فضلاً عن مقالاته الأدبية في مختلف المجلات وهو من النقَّاد المعدودين وصاحب حسِّ مرهف خذ على سبيل المثال قوله : (حين نتحدث عن الطبيعة عند أيِّ شاعر ينبغي أن نميز بين إحساسين، بين إحساس الشاعر الذي يعبد الطبيعة ويقدسها، ويضرع إليها ويرى فيها هيكل عبادة وملجأ أميناً يلوذ به من شرور الحياة وأوصابها، ويعثر فيه على ما افتقده في الحياة الواقعية من سلام واطمئنان، وبين احساس الشاعر الذي يروقه من الطبيعة ما يروق جميع الناس)(15) وهو شاعر ومن شعره قصيدة التي بعنوان (الوجوه) فهو يتأمل فيها وجوه الناس ويقرأ على صفحاتها هموم أصحابها وآمالهم وآلآمهم وأحزانهم كما يصور سمات تلك الوجوه وطيَّاتها فهناك وجوه هادئة بريئة ومشرقة مرحة، ووجوه حزينة كئيبة . والمتمكن هو الذي يستطيع أن يمدح السيف ويذمَّه ويمدح الشتاء ويذمَّه وهو في كل الأحوال صادق فيما يقول قوي الحجَّة واضح البرهان ولعلكم قرأتم البيان والتبين للجاحظ ورأيتم أسلوبه المتمكن من مدح الشيء وذمه والنظر إلى الشيء الواحد من زوايا مختلفة وفي كل مرة يريك وجهاً يختلف عن الآخر وهكذا كان الشاعر التليسي في قصيدته (الوجوه) التي مطلعها(16):

أنا أهوى الوجوه تحمل معنا .. ها وتبدو في نسجها المتفرِّدْ

وتجد صورة تلك الوجوه في قوله :

ذاك وجه فيه ابتهالٌ وهذا .. لوعةٌ في سعيرها يتوقَّدْ ..

ووجوهٌ حكيمةٌ غضَّنتها .. مِحنةُ الخلقِ وهو يشقى ويجهدْ

إنَّه شعر يحمل معاني فلسفيةً فكلنا ينظر في وجوه البشر ولكن قليل منَّا يتفَّرسُ الوجوه ويقرأ صفحات الوجوه ومن هذا القليل شاعرنا التليسي .

ولو عدنا إلى قصيدته (الجنيِّة) لأدهش القارئ فقد عمَّا عليه الخبر فهو لا يدري عمَّن يتحدث ؟ وهذا أسلوب يتَّبعه الشاعر التليسي لشدِّ المتلقي إليه ليبقى ينتظر النتيجة التي لا يطلعه عليها الشاعر إلاَّ في آخر القصيدة فهو يبدأ قصيدته بقوله(17):

لن أذرف الدمع حُزناً في مغانيها .. أو أرفع الصوت شكوى من تجنِّيها

ولن تراني نجوم الليل ألعنها .. إنَّ اللعين فؤادٌ لا يناغيها ..

بل سوف أهتف باسم طالما طربت .. لهُ الجوانح فانسابت أغانيها

يخال السامع أول وهلة إنَّها عشيقته التي يتغزَّل بها أو التي أراد ان يثبت لنفسه ولغيره أنه لن يذرف الدمع من أجلها ولن يسهر الليل يفكر بها ولا يتعرف السامع أو القارئ مقصد الشاعر وما أراد أن يعبر عنه إلا بعد إكمال القصيدة عندما يقول :

لاتقربوها ولا تأسوا لعاصفة .. ألوت بها فترامت في مهاويها

فتلك جنية تجري برغبتها .. هوجُ الرياح فتغلو في مراميها

مزالق الخطرِ الملعون نزوتها .. ولافح اللهب المسعور راعيها

كمهرةٍ في فجاج الأرض سابحةٍ .. تسابق الريح لا تعنو لراعيها

* * * * * * * * * *

تبدو لراكبها سمحاء وادعةً .. رهيفةً قد تُواتي من يواتيها

حتى إذا ما تراءت ثَمَّ مهلكةٌ .. ألقت به وتعالتْ فوقه تيها

باقاتُ شعري من أزهار روضتها .. كلُّ القصائد فيض من معانيها

* * * * * * * * * *

لولا هواها لما أبدعتُ قافيةً .. ولا نظمت من الأشعار ساميها

ولا ركبت بُحور الشعر عاصيةً .. كمثل عصيانها شتَّى دواهيها

وهكذا ينشدُّ المتلقي إليه ويبقى يريد معرفة هذه التي لها كل هذه الصفات ولا يفصح عنها حتى يفاجأ المتلقي في آخر القصيدة بقوله :

وكيف أرسمها رسماً يحقِّقُها ؟ .. وهي الطبيعةُ في أحلى مجاليها

وتعالوا معي إلى قصيدة أخرى بعنوان (الشموخ) والتي يقول فيها :

لن تدركي قممي ولا أغواري .. إنِّي أغيبُ بها عن الأبصار

لن تدركي قممي المنيعةَ وَيحها .. كم أعجزت من كاسرٍ مغوار

* * * * * * * * * *

رام الصعودَ سُدىً إلى آفاقها .. فطوى الجناح وعادَ للأوكار

للقلب شأنٌ غير شأنِكَ في الهوى .. سلِّمْ له تَسْلمْ من الأكدار

 ..  .. 

خلفَ المسوح القائمات طفولةٌ .. لم تخف عن حَدسي وعن أبصاري

سَتَدُكُّ قيد العُمر عن أسرارها .. وتهدُّ ما أعليتَ من أسوار

* * * * * * * * * *

وتطالعُ الأفق الرحيبَ طليقةً .. مكشوفةً، مرفوعةَ الأستار

لا القمةُ الشماءُ تعلو عندَها .. كلاً ولا الأغوارُ بالأغوارِ

فهو يتنازل عن كبريائه وشموخه أمام عاطفته والتنازل هنا مسموح بل مستملح به في شرع الهوى نزولاً عند العواطف فاستمع إليه يقول :

الحسن يجذبني إليه إذا نأى .. عني وأفلت كالنسيم الساري

و لربَّما حطَّمت كلَّ مهابتي .. في إثره فعثرت أيّ عثار ..

لقد كان المتنبي العظيم مصدر إلهام العديد من الشعراء فبائيته العصماء قد خطفت أبصار الأدباء فجاراها عدد من الشعراء والتي مطلعها :

بأبي الشموس الجانحات غواربا .. اللابسات من الحرير جلاليبا

فعارضها صفيُّ الدين الحلِّي وباراها الجواهري وغيرهما من الشعراء فلا غرابة ان يباريها شاعرنا التليسي بقصيدة يتذمَّر فيها من بعض المعاملاتِ في بعضِ المطاراتِ العربيةِ يقولُ فيها :

قد كنت أحسبه يصون مواهبا .. فرأيته للنابغين محاربا

ومن غزله قصيدته (المجانين) التي يقول فيها(18) :

تيَّمن قيساً وعَلَّمنَ الهوى عُمرا .. وابن الوليد تُباهي بين صرعاها

لكلِّ واحدةٍ مجدٌ وملحمةٌ .. لكلِّ واحدةٍ ذكرى صنعناها

وهكذا نجد شاعريته واضحة جليِّة لا تخفى على المتلقي ويكفيه النظر في قصيدته الرائية التي بعنوان : (وقف عليها الحب) والتي يقول فيها(19):

وقف عليها الحبُّ شدَّت قيدَنَا .. أم أطلقتْ لِلكْونِ فينا مَشَاعِرَا

وَقفٌ عليْهَا الحُبُّ ساقطَ نَخْلُهَا .. رُطَباً جَنِيّا أوحَشِيفاً ضامِرا

ولو أنني أأخذ عليه أن يختلس (فينا) اختلاساً ولكنَّ الوزن اظطره إلى ذلك ويجعل الحشفَ حشيفاً تقول العرب في أمثالها (حشف وسوء كيل) ويستمر متغنياً بوطنه حتى يقول :

لِحِجَارة الوادي وشُمِّ صُخُورِهِ .. لا تنثني للسيِّل يزحف هادِرَا

تبقى على الأيام طوْداً شامخاً .. يحمي مَسَاربَهُ ويدفع غائرا

فاسننطق التاريخ عن أيامها .. ولرُبَّ صامتهٍ تقصُّ نوادرا

وتعالوا معي إلى شاعر آخر عُرف بوطنيته ونهل علومه من جامعة الأزهر بمصر ذلك هو الشاعر محمد ميلاد مبارك الذي عاد من مصر إلى بلاده يحلم بتحرِّرها من عبوديِّة الأستعمار ويهتف باسمها فيقول :

هذي معالمها وتلك قبابها .. فاحطط رحالكَ فالرحابُ رحابُها

قفْ حيِّها حيي الديار وأهلها .. فالعينُ طال عن الديار غيابُها

دارٌ بُناة الخالدات بناتُها .. والذائدون عن الحمى أربُابها

السابقونَ إلى المفاخرِ شيبُها .. والراكضونَ إلى الأمامِ شبابُها

وهي قصيدة تتفجر وطنية وتغنى الشاعر فيها بأمجاد قومه وبطولاتهم، ولمَّا سمع الشاعر اللحن المشروخ والمعزوفة التي يغني عليها المستعمرون وذلك بمحاولة إعلان الوصاية على بلاده رَفَضَ ذلك بإصرار وإباء فقال :

قالوا الوصايةَ قلتُ لفظٌ زائفٌ .. معناه عندَ القومِ الاستعمارُ

معناه موتٌ للنفوسِ وذِلَّةٌ .. معناهُ خزيٌ للبلادِ وعارُ ..

أمِن العدالة أن يُقالَ عن الأُلى .. راموا التحرر صبيةٌ أغرارُ

ثم يسخر مما يدَّعيه المستعمرونَ من أنَّ هناك علائقُ وثيقةٌ بينهم وبينَ العربَ فليسَ بيننا وبينهم إلاَّ الدمُ والحربُ التي خربوا بلداننا بها فيقول في هذه الأبيات المعبِّرة عن ذاك الواقع المرير :

قالوا العلائقُ والوشائجُ بينكم .. هل بيننا يا قوم إلاَّ الثار ؟

إلاَّ الدمُ المسفوك إلاَّ صفحةٌ .. سوداءُ ملءُ سطورِها الأنوارُ

إلى أن يؤكد لهم أنَّ مآمراتَهم وخداعَهم قد أنكشفَ وأنَّ الشعبَ استيقظَ ولن يستمرَّ في غفلته فينشد قائلاً :

يا أنتمُ كُشِفُ الغطاءُ فلم يعدْ .. يجدي الخداعُ وزالتِ الأستارُ

واستيقظَ الشعبُ الذي تبغونَه .. شاةً يراودُ حتفَها جزَّارُ

وفي الأحتفال بالعيد الثالث لميلاد للجامعة العربية يصدح الشاعر محمد ميلاد بقصيدةٍ يتذكر فيها قضيايا بلاده وأمته فيقول(20):

العيد عيدكِ فأحفلي بالعيد .. والعرسُ عُرسكِ فأصدحي وأعيدي

غَنِّي فقد طال البكاء ورددي .. ما شئتِ من نغم ومن ترديدِ

يا أمةً كتبتْ صحائفَ مجدِها .. بدمِ الأشاوسِ والكماةِ الصِّيدِ

ثمَّ يستمر في قصيدته هذه يذكر بمآثر الأمة قديماً وحديثاً وما حقَّقته من أمجادٍ ظلَّت تُذكر لها عبر العصور كما أشاد بصبر الشعوب العربية وكبريائها وكيف أنَّها ترفض أن تعيش تحت ضيم الإستعمار وجبروته وأنَّها ستبقى تقاوم رغم كل الظروف التي تمر بها حيث يقول :

إنَّا لقوم لا تلين قناتنا .. في الحرب والتاريخ خيرُ شهيدِ

نأبى التحكُّم في الرقاب فحسبنا .. عهدٌ تَصَرَّمَ كانَ غيرَ حميدِ ..

* * * * * * * * * *

نأبى ونأبى أن تكون ربوعنا .. مأوى لكلِّ مشرَّدٍ وطريد

نأبى الوصاية فهي سمٌّ ناقع .. مهما سمتْ وتقنَّعتْ بوعود

* * * * * * * * * *

أيقال عن شعب يذود عن الحمى .. عشرين حولاً : ذاك غير رشيد؟

المجد أن نحيى حياةً حرة .. أو أنْ نموتَ ونحنُ غيرُ عبيد

وتتوسع دائرة أفق الشاعر فتشمل بلاده العربية كُلَّلها ويستغيث بالشباب الثائر ليهبوا بوجه الطغاة الظالمين الذين يسعون إلى احتلال أمتنا العربية كما فعل في قصيدته التي بعنوان (يلوموننا أنَّا نثور) والتي نُشرت في جريدة اللسان الصادرة في تونس عام 1948م وفيها يقول(21):

دعوتُ فهل من سامع لدعائيَا .. وناديت هل لَبَّى الشباب ندائيا

دعوتُ بني قومي وعهدي أنَّهم .. إذا ما دُعُوا للمجدِ لَبُّوا المناديا ..

دعوتهم للمكرماتِ وللعلا .. وقومي كعهدي يعشقونَ المعاليا

دعوتهم للذودِ عن حرماتِهم .. ليحيوا أُسوداً في العرينِ ضواريا

يلوموننا أنا نثور لحقِّنا .. ونغضب إن لم نأخذِ الحقَّ وافيا

وهي قصيدة تشيع فيها مآثر قومه الذين قارعوا الأستعمار وينهيها بقوله:

فلا دَرَّ دَرُّ المرءِ إنْ عاشَ تابعاً .. ولا نامَ جفنُ الحرِّ إنْ باتَ باكيا

إنَّ مثل هذا الشعر يبقى خالداً مع الدهر يسجل لليبيا واللبيين فخراً وعزّاً وهو جوابٌ واضحٌ وصريحٌ لمن أنكرَ وجودَ أدبٍ في هذا البلد .

وننتقل الآن إلى شاعر وأديب وأستاذ جامعي هو الدكتور عبد المولى البغدادي الذي عُرف في الأوساط الأدبية الليبية وفي المجالس والمنتديات بالنكتة اللاذعة وله إسلوبه الخاص الذي يستعمل فيه أحياناً الصورة الكاريكاترية في المجالس الخاصة وربما المجالس العامة أيضاً وله جلسات يشيع فيها المرح والنكتة مستخدماً شعره في هذا المجال ومع ذلك فله قصائد في الأمة العربية تدل على براعته وقدرته ومنها قصيدته .. (تأملات في أحداث لبنان) التي يقول(22) فيها :

صرح لبنان قد تهدم باسمي .. لا تُدينوابهدمه أيَّ خصْم

أنا حطَّمته ولم أكُ أدري .. أن أنقاضه دمائي ولحمي

سكنت ثورتي ومات شعوري .. وانتهت قصتي نهاية شؤم

جُرحُ لبنانَ قد أصابَ كياني .. فهوَ في قلبِيَ المضرجَ يُدمي

فهو يتألم لجراح لبنان الحبيبة ويزعجه أن يراها فريسة التمزق والحقد ويعزُّ عليه أن يراها مضرجة بدمائها مشرداً أبناؤها حيث يقول :

إيهِ لبنانُ ما لِلَيلِكِ ساجٍ .. حائر النجم مظلمٍ مدلهمِّ

جفَّ في حُضنكِ الصنوبر ذعراً .. واعتراه الردى بعزل وفطم

أيُّ ذنب جناه رائق وردٍ .. كان كالسحر نافذَ العطر جمِّ ..

ويعجبه أن يراها عروساً زاهيةً نستعيد شموخَها وكيانَها وتنهضُ لتعودَ من جديدٍ كما كانت تزهو وترفلُ بالحرية والكرامةِ فيقول :

سوف تبقى منارةً لحياتي .. رغم كيد العدا جميعاً ورغمي

فهلمي لبنانُ نشعل ناراً .. تحرق الظلمَ في حمانا هلمِّي

وكما راعه أن تتمزق لبنانُ فقد راعه أن تتمزَّق اليمنُ فراح يعلن غضبه على كلِّ المتآمرين بمصير الشعوب العربية فقال من قصيدة بعنوان (هل نحن حقاً يمانيون)(23):

هل نحن حقاً يمانيون يا فِتَناً ؟ .. تسعَّرتْ في حِمانا تَحْرق اليمنا

وا حسرتاه على سيف بن ذي يزنٍ .. يغتال صاحبَهُ والأهل والوطنا

أصنامُ (تُبَّعَ) والأوثانُ ما بَرِحَتْ .. تمزق الأرضَ والأحياءَ والمدنا

الشركُ لازال يحيا في طبيعتها .. فأيُّ وكرٍ سحيقٍ لم يُقمْ وثنا ..

* * * * * * * * * *

دم الضحايا قرابينٌ نقدِّمها .. لسادةٍ ألبسونا ذلهم كفنا

بعنا جميعاً لغير الله أنفسنا .. واليومَ ندفع من أرواحنا الثمنا ..

عذراً لبلقيسَ كم كانت أُنوثتها .. رجولةً ليتنا نسترجع الزمنا

كل ُّ الرجال تخلَّو عن رجولتهم .. أما من امرأةٍ تستنقذ اليمنا

فهو يستنجد من خلال هذه المقطوعة الشعرية بامرأةٍ تقوم بانقاذ أرض عربية بعد أنْ تخلى عنها كلُّ الرجالِ هوّن عليك أيُّها الشاعر فإنَّها لم تكنْ أولَ أرضٍ يتنازل عنها العرب بل تنازلوا عن كثير غيرها ثم يسترسل فيصف وحدة ذلك الأستعمار الذي يعمل جاهداً على توحيد أرضه وتمزيق الأرض العربية فيقول :

الغرب يصنع عبر المنش وحدتهُ .. ونحن نفصل عن صنعائنا عدنا

هذا هو حال الغرب وحال العرب المؤلم للأسف ثم يعود فيقول :

هل نحن حقاً يمانيون لا أبداً .. ولن تكون لقومٍ مثِلنا وَطَنا

قد يكون الشاعر في هذا البيت متشائماً بعض الشيء ولكن وللأسف هو الواقع المرير الذي يعيشه العرب في وقتنا الحاضر !!

وإذا ما أخذنا له قصيدة أخرى في الموضوع نفسه والتي تحت اسم (يا من يغار على اليمن) نراه يقول فيها(24):

يا من يغار على اليمن .. ويذود عن شرف اليمنْ

تلك الجراح الداميا .. ت الدافقات جراح منْ ؟

تلك الخناجر والسيو .. ف المشهرات بوجه منْ ؟ ..

وشرعت تهدم بيت منْ ؟ .. وبأرضِ من ؟ ولأجل منْ ؟

فالقصيدة منذ بدايتها وطنية ومثيرة يدعو من خلالها إلى استنهاض الهمم التي يراها قد ماتت في نفوس أغلب العرب إلى أن يقول :

لو أننا لم نتخذ .. في كل ناحية وثنْ

لو أننا بالشرك .. لم نعص الإلهَ ولا الوطنْ

وطنٌ عزيزٌ غير أنَّ .. الحُّرَّ فيه بلا ثمنْ ..

ويذكِّرنا الشاعر البغدادي بصديقه (اللدود) الشاعر الرقيق أبو القاسم خماج فمن باب التداعي إذا ذُكر الفرات ذُكرت دجلة وإذا ذُكر جرير ذُكر الفرزدق وكذلك إذا ذكرنا عبد المولى البغدادي علينا أن نذكر أبا القاسم خماج لما بينهما من مداعبات شعرية شهدتها المجالس الخاصة وربما العامة وحديثهما شائع في ليبيا . والشاعر أبو القاسم خماج خريج قسم البايلوجي في جامعة الفاتح وتخصص بهذا العلم في الجامعة الأمريكية ثم عاد ليعمل أستاذاً في الجامعات الليبية ولكنه برع في الشعر فانحاز إليه حتى فضَّله على اختصاصه فهو لا يخرج للرياض والحقول لدراسة النبات فيها وإنَّما ليشم عطر الورد والرياحين فهو يقول(25):

أنا لا أريد من النبات دراسةً .. لكيانه المستور لا تستلزمُ

أنا لا أحب من النبات وغيره .. إلاَّ خلاصة ما يشمُّ ويلثمُ

أنا طائرٌ لا يَستبدُّ به سوى .. رقص الغصون الخضر إذ يترنم ..

فإذا سعيت إلى الرياض فإنما .. ليميلَ بي غصن ويضحكَ بُرْعُمُ

فنجد الحس الموسيقي في شعره واضحاً من خلال اختياره للأوزان الرقيقة ذات الإيقاع الموسيقي الراقص ومن ذلك قوله :

أنغام تُرقَص إحساسي .. والنأيُ بكفِّي يُغريها

ويكاد يكاد يلامسها .. ويحين يحين تناغيها

لكنَّ تَقَطُّعَ أنفاسي .. لا يلبث حتى يمحوها

ويتفنن الشاعر بإستخدام القوافي كما تفنن بالموسيقى من قبل وأوضح ذلك في قوله :

دَمي ينساب أنغاماً .. وراء الكون تمتدُّ

وفي غيبوبة الأحلامِ .. لي جَزْرٌ ولي مدُّ

فهل لي في غصون الور .. د ما أمَّلت يا وردُ

وهل لي في حنايا الصدر .. شيء اسمهُ الودُّ

ولو كنتم في أمسية شعرية يُقدَّم فيها الشاعر أبو القاسم خماج لأستمعتم إليه يستهل أمسيته بأبياته الشائعة التي يقول فيها :

تحياتي إلى السُّمَّار .. في أمسية الشعرِ

وأرجوأنَّ ما عندي .. سيلقي سَعة الصَّدر

فأني لم أزل أحبو .. إلى بوابة الشعر ..

ولكنَّه إذا أنشد شعراً شدَّ إليه الأسماع من ذلك قوله(26):

جبال الصبر أبنيها .. بأعصابي وتنهدُّ

سُعارُ الشوق محموم ٌ .. وأفقُ الوصل مُرْبدُّ

ولا أدري لأيِّ الجمرِ .. تسخو بالصَّبا نجدُ

وما بين الرَّجا واليأ .. سِ ضِعْنَا أيهَا القَصْدُ

ولم يكن الشاعر بعيداً عن آلام أمَّته وهمومها فقد كانت روحه الوطنية واضحةً فمن ذلك قصيدته (أشجان ليبيَّة) التي يقول فيها(26):

عجباً يا أمتي هذا الصدودُ .. وأنا المجدُ الذي ولى يعودُ

وأنا التاريخ … هل من أمةٍ .. نيسيت تاريخها ؟ .. بئس الجحود

عشيت عيناك أم أن العمى .. بلغ الروح فضلت ما تريد

* * * * * * * * * *

عجباً … هذا قطيع شارد .. أم بقايا أمةٍ كانت تسود

أمتي لا تنفري مني أنا .. عاشقٌ بالروح إن شئتِ يجود

جئت لا أرجو سوى أن تقبلي .. ما معي … إنَّ الهدايا لا تعود

* * * * * * * * * *

لا تصديني … حرام أمتي .. أن تصديني ويغشاكِ اليهود

كم أذلت نفسها حتى غدت .. مثلاً يضربه حتى العبيد

يا ترى هل نسيت أمجادَهَا .. أم غدت في معصم الروح القيود ؟

* * * * * * * * * *

ليتها تعرف ماذا في يدي .. ليتها تدركني فيما أريد

أسفاً إن لم تكن تسمعني .. فلمن تهدر يا هذا النشيد ؟

فهو لا يشعر بالراحة بسبب ما تعانيه أمته من عدم الإستقرار والاستعمار ويطلب منها أن تستيقظ لتداوي جراحها وتلم شتاتها فيقول :

كيف أرتاح وحولي أمةٌ .. خدعتها من أعاديها الوعود

كم لها في كلِّ يوم سجدة .. علَّمتْ نادلها كيف يجود

حان أن نصحو على آلامها .. وتداوي جرحها وهو صديد

وننتقل إلى أديب وناقد وأستاذ جامعي وشاعر ذلك هو الدكتور عبد الحميد الهرامة الذي يشغل الآن في عام 1999 رئاسة قسم اللغة العربية في كلية الدعوة الإسلامية فهو كاتب بارع وأديب يمتاز بالتتبع والحس الأدبي وقد أثرى مجلة كلية الدعوة الإسلامية ببحوثه المتوصلة خصوصاً ما تتبع فيه آثار الشعراء والأدباء الليبين فاستخرج بعضها من تحت الأطمار فنشرها وأشار إلى ما نشر منها وما هو مخطوط حتى الآن وما هو مفقود، في بحوث أستفدت منها في بحثي هذا.

فنشر في العدد الأول من مجلة كلية الدعوة الإسلامية الصادر عام 1984-1985م بحثاً بعنوان (من عيون الأدب العربي في ليبيا)(27)، وفي العدد الثالث فيها نشر بحثاً بعنوان (ورقات في البحث التراثي ومصادره)(28)، وفي العدد الرابع نشر بحثاً بعنوان (نافذة على التاريخ الإسلامي)(29)، وفي أعمال الملتقى الثاني لخريجي كلية الدعوة نشر بحثاً بعنوان (الفكر الإسلامي التقليد والتجديد)، وفي العدد السادس من مجلة كلية الدعوة نشر بحثاً بعنوان نماذج من الشعر الليبي)(30)، وفي العدد الثامن من المجلة نفسها نشر بحثاً بعنوان (من كتب المختارات الأدبية في ليبيا)(31) وفي العدد الثاني عشر نشر بحثاً بعنوان (ظاهرة الشعراء الكتَّاب في ليبيا)(32) وفي العدد الرابع عشر نشر مشاركة في تكريم أديب ليبيا الكبير على مصطفى المصراتي(33)، وله كتاب (ورقات في البحث والكتابة) من منشورات كلية الدعوة في طرابلس 1991م.

والدكتور الهرامة شاعر ولكنَّه قلَّما ينشر ومن شعره قطعة أجاب بها صديقاً له عاتبه بقطعة عنوانها :

ولست أولَ سارٍ غره قمرُ

فأراد الدكتور الهرامة أن يميط عن نفسه اللثام ويكشف الوهم الذي خالج صاحبه فكتب إليه يقول(34):

ما أنت أول سارٍ غره قمرُ .. ولا أنا بالذي من شأنه الغررُ

هوّن عليك فما مثلي بناسجها .. تلك الالوكة أوجار بها خبر

ما كنت أحسب أن ترمي الظنون بكم .. هاذي المرامي ويؤتي منك الحذرُ

عاهدت نفسي عهداً لا أزحزحه .. أن يسلم الناس مني أن همُ مكروا

فكيف أُأذي صديقاً لا أرَى صفةً .. أذمها فيه فاهزل أيها القدر

وهي قصيدة رقيقة تدل على شاعرية كشف فيها عن حقيقة نفسه وأرضى صاحبه بالحوار الهادئ والحكمة حتى قال في آخرها :

حاشاك يا سيدي من وعظ ذي هذرٍ .. فأنتُم مصدرٌ للوعظ منهمر

وأنتمُ فوق سوء الظن أرفعكم .. وشعركم لفتةٌ للودِّ يعتبرُ

لكنَّ قلباً تغشَّى في مُضَايقةٍ .. قد كابد الحزنَ حتى كادَ يقتصرُ

يبثُّ شكواه علَّ اللهَ يحفظنا .. من الوشاةِ فثَمَّ النارُ والشررُ

وقد تلقَّى الدكتور الهرامة من بعض أصدقائه أجوبةً فيها مجارات لقصيدته هذه، وله قصيدة يخاطب فيها الأديب علىِّ مصطفى المصراتي يقول فيها(35):

يا رفيقَ الدربِ غامرْ .. لا تبالِ بالمخاطرْ

دربك الشائك صعبٌ .. وقطار المجد سائرْ

وبلوغُ الشأ ومسعىً .. هولهُ أعيا المُصابرْ

لكنِ الهمَّةُ أعلى .. فيكَ من كلِّ المحاذرْ

* * * * * * * * * *

يا رفيق الدرب أنتم .. لذوي التاريخ مرجعْ

أن يقولوا عن بلادي .. معبرٌ في الأرض بلقعْ

أخرستهم .. أبداً أعمالكم والكون يسمعْ

صدعت بالرد تحقي .. قاتكم والحق أصنعْ

هكذا الأمجاد تبنى .. هكذا التاريخ يصنعْ

* * * * * * * * * *

يا رفيق الدرب غامرْ .. لا تبالي بالمخاطر

لا تبالِ أن جحدنا .. صمتنا بالشكر سافر

كيف تأسى من جحودٍ .. ولسان الكون شاكر

هذا غيض من فيض والمتتبع إلى الأدباء والشعراء الليبين يجد زاداً أدبياً وشعراً كثيراً لعدد من الشعراء في هذا البلد المعطاء.

 _________________________________

* نهي الحلي عراقية مقيمة في نورنبرغ – ألمانيا، وطالبة الدراسات العليا في الجامعة العالمية الإسلامية في لندن (1990).

(1) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الإسلامية 12/295 ـ 318.

(2) تطور التعليم في العصور الحديثة ص97 ، مجلة كلية الدعوة الاسلامية 8/300 – 301.

(3) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الاسلامية 1/160 نقلا عن شجرة النسب المخطوطة عند الاسرة المكتوبة سنة 1312 هـ / 1894م والمسجلة بمحكمة الخمس .

(4) ينظر في : أعلام ليبيا75، مجلة كلية الدعوة الاسلامية 1/162 و 166 .

(5) ينظر في : أعلام ليبيا75 .

(6) يريد : وادياً .

(7) ينظر في : أعلام ليبيا 75 ، وقصة الأدب في ليبيا العربية 199 .

(8) ينظر في : أعلام ليبيا 75 .

(9) ينظر في : أعلام ليبيا 77ـ78 ، والحياة الأدبية في ليبيا 74 ، وقصة الأدب في ليبيا 200.

(10) ينظر في :مجلة كلية الدعوة الأسلامية 1/170 .

(11) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الأسلامية 1/169 ـ 170.

(12) ينظر في :الحياة الأدبية في ليبيا 73 ـ 74.

(13) ينظر في : الحوليات الليبية 716 .

(14) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الإسلامية 1/167.

(15) ينظر في : رفيق شاعر الوطن 138 .

(16) ينظر في : رحلة عبر الكلمات 42 .

(17) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الأسلامية 1/146 ـ 147 .

(18) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الإسلامية 6/285 .

(19) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الإسلامية 6/285 ـ 287 .

(20) ينظر في : مجلة كلية الدعوةالإسلامية 6/283 .

(21) ينظر في : مجلة كلية الدعوةالإسلامية 6/284 .

(22) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الإسلامية 1/150 .

(23) من أوراق بخط الشاعر احتفظ بها .

(24) أوراق كتبت بخط الشاعر احتفظ بها .

(25) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الأسلامية 1/152 .

(26) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الإسلامية 1/152 ـ 153 .

(27) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الأسلامية 6/294 ـ 295 .

(28) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الإسلامية 1/143 .

(29) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الإسلامية 3/303 .

(30) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الإسلامية 4/228 .

(31) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الإسلامية 6/280 .

(32) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الإسلامية 8/268 .

(33) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الإسلامية 12/289 .

(34) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الإسلامية 14/177 .

(35) ينظر في : مجلة كلية الدعوة الإسلامية 14/569 .

المصادر

1. الإتجاهات الوطنية لمحمد صادق عفيفي .

2. أعلام ليبيا الطاهر أحمد الزاوي الطبعة الثانية مطبعة الفرجاني .

3 . أعمال الملتقى الثاني لخريجي كلية الدعوة الإسلامية طرابلس 1988 منشورات كلية الدعوة الإسلامية ..

.. 1988م طرابلس .

4 . تطور التعليم في ليبيا في العصور الحديثة د. رأفت غنيمي الشيخ الطبعة الاولى دار التنمية ..

.. للنشر والتوزيع 1972 بنغازي.

5. الحوليَّات الليبيَّة شارل فيرو تعريب د. محمد عبد الكريم العراقي طرابلس المنشأة العامة للنشر والتوزيع ..

.. والإعلان .

6. الحياة الأدبية في ليبيا د. طه الحاجري .

7.دراس ات في المكتبات والوثائق والمخطوطات الليبية تأليف عبد الله الشريف والدكتور محمد إمحمد الطوير

.. الطبعة الأولى الدار الجماهرية للنشر والتوزيع والإعلام 1987م طرابلس .

8. رحلة عبر الكلمات خليفة التليسي 1974 طرابلس .

9. رفيق شاعر الوطن خليفة التليسي الطبعة الثالثة 1976 .

10. الشعر والشعراء في ليبيا تأليف محمدالصادق عفيفي مكتبة الأنجلو المصرية 1957م القاهرة .

11. قصة الأدب في ليبيا د. محمد عبد المنعم خفاجي .

12. مجلة كلية الدعوة الإسلامية الأعداد 1،3،6،8،12،14 تصدر عن كلية الدعوة الإسلامية الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية العظمى طرابلس .

في 13 من المحرم الحرام 1420 هـ .. 28 4 1999م.

مقالات ذات علاقة

خردة في ميزان النقد

إبتسام صفر

الذاتُ والآخر في (عندما التقيتُ بي)

يونس شعبان الفنادي

تشريح اختفاء الوطن الليبي

المشرف العام

اترك تعليق