محمد عياد العرفي
الشمس غربت وهم لم يناموا بعد.. هم لا يدركون أن البداية كانت النهاية ..يلعبون, يضحكون, لكنهم في أعماق الطفولة..يشعرون بالخداع ..يحلمون كباقي الأطفال ..هذا مهندس ..وذاك طبيب ..والأخر قبطان ..يتحدث الطفل الذي يحلم بأن يصبح قبطان ..للأطفال الآخرين أسمعوني : سأدعوكم مستقبلاً في رحلة عبر البحر بسفينتي الخاصة ..ولا يدري أن السفينة غرقت بهم جمعياً قبل أن تشق الأمواج .. أنه الصيف ..يتسألون متى سنذهب للبحر ؟ والإجابات مختلفة تنبع من قلوب أمهات حزينات مكسورات الخاطر .. لا يستطعن عمل شيء سوى البكاء والدعاء .
يتحدث أحد الأطفال لأمه ..
متى يأتي أبي ؟
الأم : سيأتي في وقت الزيارة ..
الابن : سنذهب للمنتدى الصيفي ؟!
الأم : دمعتان تجاوبان ..وعبرتان ..وهدوء ,,, هذا العام المنتدى مغلق يا صغيري .
الابن : إذاً سأذهب لبيت خالي ؟! وسألعب مع وليد وأحمد ..منذ فترة لم التقِ بهما .
الأم : تلتف نحو النافذة ..وتزفر ..أه بابني !! لم أقل لك ..لقد سافر خالك إلى الخارج .. الابن : متى ؟
الأم : عند دخولك في المستشفى .. يحزن خالد كثيرا وتغمره أمه بالتأبين والوداع .. وهو لا يعلم بشيء .
طالت مدة الأطفال في المستشفى .. وكثرت التساؤلات ..واختلفت الإجابات .. وانتهى وقت التحايل ..الأمهات واقفات ينتظرن جواباً شافيا من قبل الأطباء .. الأطباء منشغلون بزيادة المرتبات .. التصريحات ليست واضحة من قبل المسئولين . فخرج خالد نحو باحة المستشفى يركض وأمه تناديه : ارجع يا خالد ..ارجع يا صغيري .. وهو يبحث عن الحقيقة ..للأول مرة يرى خالد النور الإلهي منذ احتجازه داخل المستشفى ..ثار الضجيج وقفز الأطفال من الآسرة يركضون خلف خالد ..إلى أن وصلوا وسط الساحة فوقفوا يتأملون يبتسمون ..وفي لحظة غابت الشمس ..وتعالى سور الحديقة ..ماتت الأزهار .. الأرض ساخنة لدرجة أنهم لا يحتملون سخونة الأرض كماءٍ يغلي تحت أقدامهم .. الأمهات واقفات يشاهدن أكبادهن يسقطون ..واحد تلو الأخر .. بالكاد لا يفعلن شيء إلا البكاء الموحد ..الآباء قابعون خارج السور ..لا يدرون حقيقة ما يجري .. فقط تتساقط عليهم وريقات دنيوية .
فنظر خالد إلى رفاقه ..قد جرى السم في عروقهم .. فنادى: من نحن ؟
يجاوب الأطفال : نحن جيل خرجنا بعد جيل الغضب ..زاد عدد السقوط ..يعاود خالد السؤال من جديد .
من نحن ؟
يقولون : نحن زهور الحياة ..لكن الساقي لم يسقينا منذ أن تفتحنا ..
أصبح الظلام داكناً ..بالكاد خالد يري رفاقه .. بدأ يتلمس جسده أحس بأنه سيسقط عما قريب ..فصرخ !! والدموع تسيل على خده . اسمعوني يا رفاق : سنرحل ..سنرحل جميعاً ليس لنا مكان في هذه الدار ..سنتحرر ..سنطير ..سنحلق بأحلامنا بعيدا عنهم .. نحن لسنا مذنبون !! شخصا ما صنع الخطيئة ورحل ..بدأ كل من الساحة يرددون هذه العبارة ..شخصاً ما صنع الخطيئة ورحل ..شخصاً ما صنع الخطيئة ورحل ..ثم صمتوا لحظات ..وانفجرت الدموع والصراخ ودخلت الأمهات معهم ..فسارع خالد نحو أمه .. يقفز في حضنها ..
– اسمعي يا أمي لقد عرفنا ما يحدث بالضبط ؟! لا تخشي شيئاً .. إنها لحظة الوداع ..أرجوك لا تبكي ..فتحضنه ألام بقوة حتى كادت ضلوعه أن تنكسر ..فهمس في أذنها أريد منك شيئاً واحد.. أطلب يا قمري رددي معي ..شخصا ما صنع الخطيئة ورحل ..شخصاً ما صنع الخطيئة ورحل .. وبدأت ألام تردد معه شخصاً ما صنع الخطيئة ورحل.. شخصاً ما صنع الخطيئة ورحل.. إلا أنه أغمض عيناه ورحل .
__________________
* نشر سابقا في صحيفة قورينا