متابعات

اندهاشٌ إزاءَ كسور موزونة

كسورٌ موزونةٌ عرضٌ مسرحيٌّ شائقٌ قدَّمته فرقة الركح الدولي للمسرح ضمن فعاليات المونديال المغاربي للمونودراما، العمل معدُّ عن القصَّةِ القصيرة (مونودراما الخوف ) للكاتب السوري مرداس بدلة.

وقام ببطولته بأداءٍ جميلٍ واثقٍ الفنان الشاب أحمد المطردي، المسرحيَّة تظهر البطلَ ثملًا مخمورًا طوال الوقتَ يظهر عبر الديالوج الذي برع في أدائه بنفثةٍ مصحوبة بإمالةٍ سريعةٍ لرأسه يمينًا أو شمالًا فاصلًا بين المتحاورين ليتحوَّل إلى مونولوج بين شخصيِّتين ..

تبدو شخصيَّة البطل تعاني انفصامًا عاطفيًّا يميل به إلى شخصيَّة الأم التي يبدي لها كثيرًا من الحبِّ، بينما يتحامل على الأبِّ المعلَّقة صورته في واجهة المسرح / صالة البيت على ما يبدو .. ولعلَّ مردَّ ذلك إلى عذابٍ قاساه البطل من أبيه، وفي المقابل كانت والدته تغمره بعطفها وحنانها..

وإذا ما رجعنا إلى هذا المقطع في النصِّ الأصلي للقصَّة أدركنا كثيرًا ممَّا يحتويه العمل المسرحي ( كسور موزونة )، يقول مرداس بدلة في قصَّته (مونودراما الخوف) :

” لم يكن هذا الشعورُ جديدًا علي، لكن شعورًا بالنذالة تملكَّني بقوة في هذه المرة. هل ثمة مَنْ يفرح لموت والده؟ أنا فعلت ذلك. حينما قالوا لي إنه مات شعرتُ بالفرح للحظة، ولم أستطع وقتها أن أخفي ابتسامتي، فأول ما خطر ببالي أن الأشياء التي أخاف منها في حياتي قد نقصت واحدًا. أعرف أن احترام الأب واجبٌ، ولكن ليس إلى حد الخوف منه، نعم خوف، ليس رهبة أو احترامًا بل هو خوف حقيقي.

كانت مساحةً كَفِّ المرحوم تعادل مجموع مساحتي كَفَّي الإنسان العادي، وراحة يده لم تكن مكسوة بالجلد، بل بما يشبه الحراشف. لا أعتقد أنه فكَّرَ، ولو لمرةٍ واحدةٍ، أنَّ الشيءَ الذي يضربه بهذه اليد كان وجه ابنه الوحيد، أغلب الظن أنه كان يتراءى له أنه يضرب جدارًا أو شيئًا له صلابة البيتون المسلح.

أمي قالت لي إنه كان يخشى أن أصبحَ ولدًا مائعًا كأغلب الأولاد الوحيدين، الذين يتحوَّل حبُّ آبائهم لهم إلى إفراط في الدلال، فيعتاده، ويدرك أن طلباته كلها مجابة، فيبدأ بالتمرُّد على والديه بعد أن يَبطر ويفسد، ووقتها إذا أراد الأهل إصلاحه أو إعادة تربيته، يكون الأوان قد فات. كان يختلق ذريعة ويضربني كلما تخيَّلَ هذا المشهدَ أمامه …”
إذًا هذه هي الكسور الموزونة التي تبوح بها المسرحيَّة، الكسور هي الجراح العميقة التي خلَّفها الأب في نفس ابنه، ورحيل الأم والحبيبة ..

كان البطلُ كلَّما استبدَّ به السكر ولعبت الخمر برأسه صوَّب مسدسه إلى رأسه، مستعينًا بكأس خمره التي ظلَّ يعاقرها منتجًا حواراته المختلفة المتناقضة ..

البطل الذي يعاني عذاباتٍ عدَّةً، وانكساراتٍ متعدِّدَةً ظلَّ يلتفت بين الحين والآخر إلى جثة حبيبته, يلتقطها ..يحتضنها ..يغمرها بحبِّهِ .. يغرقها في غزله العاجز ..

على جسد البطل تبدو جراحٌ تدمى، وآثارُ وشمٍ قديمٍ تغطِّي معظم جسدِهِ، واشيةً باختلالٍ في هذه الشخصيَّة يتناغمُ مع حالة السكر والتبرُّم والانكسار التي يعيشها.

أعيبُ على المسرحيَّة بعضَ الهناتِ اللُّغويَّةِ التي كان يمكن تفاديها بقليل من التصحيح؛ فلا يليق مثلًا أن يقولَ: ( بعيناه) بدلَ (بعينيها) أو (أن يجعلانها) لا (أن يجعلاها ) ..

الممثَّل الشاب أحمد المطردي، كان رائعَ الأداءِ، واثقًا من إمكاناته، شجاعًا في مواجهة الجمهور، ذا صوتٍ نقيٍّ واضحٍ، وإن لم يستطعِ التنويعَ فيه بحسب تغيُّر الأدوار والشخصيَّاتِ. المسرحيَّة قدَّمتُهُ نجمًا قادمًا بقوَّةٍ، ولا أدري عن خبرته في التمثيل لأعطي رأيًا مكتملًا حولَ مستقبله الفنِّي.

أستمتعنا جميعًا بالعمل المسرحي (كسور موزونة ) إعدادًا جيدًا، ولغةً معبِّرةً، وحواراتٍ ماتعةً، وتمثيلًا محترفًا، وسينغرافيا رائعة أكلمت جمال العمل، وأبانت روعته .. تأثيث الفضاء المسرحي كان جيٍّدًا، وكذا الموسيقا والإضاءة.

وجهدٌ واضحٌ في الإخراج للفنان وسيم برويص، الذي صمَّم السنغرافيا أيضًا.

وصمَّم الديكور الفنَّان عمر اقويه، مهندس الصوت أنس العريبي

الجمهور الحاضر كان رائعًا أيضًا؛ فتماهى مع العرض متابعةً وانفعالًا، ومن ثمَّ وقوفًا يليق بالعمل لتحيَّة الفنَّانني الشبا على هذا العرض الأنيق.

مقالات ذات علاقة

أريج خطاب: هذه هي الاتجاهات الرئيسية للرواية في ليبيا

المشرف العام

صالون حنان محفوظ الثقافي يحتفي بحكاية زلة

مهند سليمان

الدكتور مختار كرفاع يتساءل لماذا أخفق الليبيون في بناء الدولة الوطنية ؟

مهند سليمان

6 تعليقات

أحمد المطردي 15 أكتوبر, 2019 at 19:52

هل بإمكانكم تعديل اسم الفرقة وهي فرقة الركح الدولي وليس دزني , حتى يتم استخدام ومشاركة الخبر في صفحة الفرقة الرسمية للمصداقية ومشكورين .
تحياتي : أحمد المطردي / ممثل مسرحية كسور موزونة

رد
المشرف العام 16 أكتوبر, 2019 at 07:23

أخي أحمد المطردي
أولا عذرا عن الخطأ غير المقصود. والذي يعود لمصدر الخبر.
ثانياً تم التعديل

مودتي

رد
أحمد المطردي 15 أكتوبر, 2019 at 19:53

هو العمل مملوك لفرقة الركح الدولي , فقط تم عرضه باسم دزني بسبب بعض الاجراءات التي كانت تنقص فرقة الركح الدولي , لهذا نريد تعديل الاسم في الخبر حتى يتم مشاركته في صفحة الفرقة الرسميه

رد
المشرف العام 16 أكتوبر, 2019 at 07:24

تم التعديل

رد
أحمد المطردي 17 أكتوبر, 2019 at 09:35

لاتوجد مشكلة , جل من لايخطي , ومشكورين على تعاونكم وردكم

رد
المشرف العام 17 أكتوبر, 2019 at 16:51

شاكرين تفهمكم …

رد

اترك تعليق