طيوب البراح

رُفعت الجلسة

 

محمد عياد العرفي

سُحبَ في وضح النهار من بيته المنعزل على حافة المدينة يقاوم بكل قواه, يدافعُ بكل جوارحه المفزوعة, يُجْرّ على الأرض كخروف العيد قبل الذبح, ويرمى داخل عربة البوليس يلتقط أنفاسه في ظلمة الصندوق يتلمس وجهه المتورم, يتحسس جلده النحيف يغضب لكثرة الكدمات, انفلقَ شاربه من اللكمات العدوانية يبصقُ قطعاً من دمه العفوية, يمسحُ جبينه متكدراً كالأجير الذي ضاع حقه بين البشر, تنعطف عربة البوليس عن الطريق وتتجه نحو المجهول, وآدم يسأل ضميره الحي في الظلمة كالميت الذي يُسْأل عن ثلاثة في قبره, وفى لحظة إنسانية.. يخفض السائق المجنون سرعته ويرمي سيجارة الحشيش عبر النافذة المكسورة في وقتٍ ما .. يفتح عيناه كالبومة ويضع قطرتان  كي لايفضح بين زملاءه, ولأنه يمثل ما يسمى بالقانون هو وغيره  فالتعاطي  بالنسبة لهم حالة استثنائية… يفتحَ صندوق العربة الخلفية بحركة مزعجة فيسطعُ النور ألإلهي داخل الصندوق, وكأن وقت الفرجَ  قد حان  يعمشُ عيناه  و السائق يصرخ في وجهه ,انزل يا تحفة.. هذا الوصف الرقيق لا يستعمل إلا في القصص.. يسحب آدم قدميه ببطء خارج صندوق العربة والمسطول يمسك بيده يترنح يمينا وشمالا بسبب أكل الشوكولاتة أثناء الدوام, يرفع آدم حاجبيه إلى ألأعلى  عند وسط الدرج فيندهش بكلمة محكمة.. في  المبنى يصاب ببعض الهستريا  يظن أنه رحلَ من الدنيا وجاء وقت الحساب, يُزجّ داخل قفص الاتهام  وقاعة المحكمة مليئة بالحضور وآدم حتى اللحظة يجهل فعلته,  وفى مشهدٍ منتظر يدخل القاضي بلباسه الاسود  مع المستشارين ويضرب بمطرقته البنية بقوة( محكمة!!  ) ينصت كل عاقلٍ..  يبلع كل ثرثارٍ لسانه .. فينادى على الشهود .

الشاهد الأول :تأتي العلاقات الاجتماعية بذوقيات العصر.. فتنهشُ في خصوصيات آدم أنت ناكر الجميل.. وتعاتبه على الانطوائية والعزلة..  كنت في الماضي إنساناً اجتماعياً.. كنت  خدوماً.. كنت حديث الساعة..   كنت لاتمل من زيارة الأقارب والأصحاب..  لقد غدرّتَ بنا يا آدم  واليوم يجب عليك دفع الثمن..  فيقف آدم مدافعا عن نفسه.. ويضرب يداه  على القفص..  لم أغدر بأحد لكني حاولتُ أن أنتقل من روتينكم البائس بالكذب والنفاق والمجاملات على حساب بعضنا البعض  لقد سئمت هذا الوضع أريد أن أتفرغ للعلم دعوني وشأني.

وينادى على الشاهد الثاني: وتظهر الأسرة بوحدتها المتكاملة  وتتهم آدم بالتقصير في واجبته الأسرية..  تطالب برجوع آدم إلى ماكان عليه في السابق .. لقد كنت تعمل ليلا نهاراً

 لا تناقش أبدا فما الجديد… يبتسم ابتسامة مليئة بالشجن ويبتلع مرارة المعاناة الأسرية ويتذكر ومضى من ومضات الرمادية عندما كان يقود سيارته مازدا العتيقة وطفله سامر  يجلس في الكرسي الخلفي ويطلق العنان للتبول المستمر,,,

 وزوجته   اختر أي اسم  ( ?؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ( التي لا تكفيها الطلبات وكأنها ولدت من أجل ذلك  يتذكر مرتبه المحدود 150 دينار مطبق على قانون15 لسنة 81, ويتذكر السلفه, ويتذكر فاتورة الكهرباء, ويتذكر كراسة الدين عند الحاج حرفوش, ويتذكر انتظاره للمرتب الذي حَمِلتْ الزوجة وأنجبت ولم يقبضه بعد  {ورقصني يا قدع على 15 اوغصـ……} كان على آدم الهروب بأي حالٍ من الأحوال.

  ينادى على

 شاهد الأخير: المجتمع جاء كعادته ببطــــء عصره كالقاطرة العاطلة منذ الحرب العالمية الأولى  يتبرأ من آدم كتبرؤ  الأب من ابنه الضال  يطالب بأقصى العقوبة لأن آدم حاولَ التغيير والتطوير  يعمُ الحزن على آدم كغيمة سحاب عابرة تمطر أو لا تمطر ويعطى وقت المستقطع قبل تنفيذ الحكم..

فاصلة لابد منها ~~

فيرجع القضاة إلى القاعة وألا فواه مليئة بقهقهة غير علانية…  يتشاور القاضي مع المستشارين…  ويقف جميع وقفة واحدة وينطق بأن تم استئناف الحكم لشهر القادم ..  ورفعت الجلسة

مقالات ذات علاقة

قصة الرجل الحكيم وسر السعادة الدائمة

المشرف العام

مُذكرات طبيبة امتياز

المشرف العام

فتاة عربية

المشرف العام

اترك تعليق