يسري عبدالعزيز
من يتذكر عمي “علي والي” رحمه الله….كان علي والي واحدا من أقدم المصورين في طرابلس ولم يكن يملك استوديو خاص أو محل للتصوير بل كان يلتقط الصور لكل راغب في الهواء الطلق….كان ذلك قبل انتشار استخدام الكاميرات لدى عامة الناس وأيضا قبل اختراع كاميرات “البولارويد” الوقتية…
كان عمي علي والي وحتى منتصف الستينيات من القرن الماضي يجلس خلال ساعات النهار بجوار قهوة “السمسارة” في الشارع الموازي لشارع عمر المختار والذي يقع خلف مبني وزارة الداخلية وهو الشارع الذي أغلق فيما بعد أمام حركة السير وأصبح محطة لوقوف سيارات العاملين بالوزارة… كان يجلس هناك واضعا بقربه الكاميرا الخاصة به والظاهرة معه في الصورة وهي كاميرا كبيرة الحجم ثقيلة الوزن توضع على حامل خاص بها وهذا النوع من كاميرات التصوير اختفى منذ عقود ولم يعد له وجود إلا في المتاحف….
كان علي كل راغب في التصوير أن يقف أمام الكاميرا ثم يقوم عمي علي بوضع لوح حساس داخلها وهو بمثابة الفيلم الحساس للكاميرات التي كانت تستعمل قبل اختراع كاميرات الديجيتال أو الألواح الحساسة المستعملة في المستشفيات للتصوير بأشعة X…. بعد وضع اللوح الحساس يدخل عمي علي والي رأسه في كيس من القماش الأسود في مؤخرة الكاميرا (لحجب الضؤ) ليري الزبون من خلال العدسة مع تحريكه لمقدمتها للخلف أو للأمام بواسطة مفتاح دائري لتعديل المسافة والبعد البؤري ثم يضغط علي زر التقاط الصورة.. وبعدها يطلب من الزبون الإنتظار قليلا حتى يسلمه الصورة…
تجهيز الصورة كان يتطلب تحميض اللوح الحساس ثم طبع الصورة السالبة التي تظهر عليه كصورة موجبة علي الورق مستعملا أنواعا من السوائل الكيميائية للإظهار والتثبيت وماءا لغسل السائل الكيميائي وازالته عن الصورة بعد طبعها وجميعها موضوعة (عدا الماء) في أوعية خاصة داخل صندوق مظلم يمنع تسرب الضوء إلى داخله حتى لا يؤثر في اللوح الحساس فتحترق الصورة….وبعد أن ينتهي من كل ذلك وتصبح الصورة جاهزة يقوم بتسليمها للزبون مقابل استلام اتعابه عن انجازها….
ومبروك عليك الصورة من عمك “علي والي”.
قصة طويلة اختصرها تقدم العلم وظهور الكاميرات الحديثة.
____________
عن صفحة الأستاذ يسري عبدالعزيز على الفيسبوك.